إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



قلق العسكر في إسرائيل


الخميس 26/2/2009
برهوم جرايسي- "الغد" الأردنية

نشرت صحيفة "يديعوت أحرنوت" قبل أيام خبرا يقول إن القلق يسود قيادة جيش الاحتلال الإسرائيلي، مع ترقبها للشخصية التي ستتولى وزارة الحرب في حكومة بنيامين نتنياهو، في حال نجح في تشكيلها.
ولأن الجوهر السياسي الحقيقي غائب في الغالبية الساحقة من التحليلات والتفسيرات الإسرائيلية لتطورات الأمور، فقد راحت الصحيفة تنسب الأمر إلى رغبة رئيس أركان الحرب الحالي غابي أشكنازي ومن معه، بأن يتولى وزارة الحرب رئيس الأركان الأسبق موشيه يعلون، الذي تربطه علاقة صداقة مع أشكنازي، في حين أن هناك رغبة بعدم تولية وزير الحرب الأسبق، شاؤول موفاز، هذه الوزارة، لعلاقته الإشكالية بأشكنازي.
إلا أن "القلق" الذي علينا افتراض وجوده، يعود لحالة الترقب لكيفية تعامل الحكومة الجديدة مع المؤسسة العسكرية والأمنية، بعد سنوات من حكومة أولمرت، نجحت فيها هذه المؤسسة بزيادة وزنها في آلية اتخاذ القرار، وتركت للجهاز السياسي حيز مناورة بسيطا، إلى درجة بات فيها ملموسا أن إسرائيل تحولت إلى دولة عسكر ببزات عسكرية، وهو تصعيد جديد لتقديس مبدأ القوة والعسكرة الذي يسيطر على آلية اتخاذ القرار في إسرائيل منذ قيامها.
فقد عرف عن إسرائيل منذ أيامها الأولى أنها كيان دولة يرتكز على سياسة الحرب والاحتلال، ومبدأ القوة، وترسّخت هذه العقلية بقوة في داخل المجتمع الإسرائيلي، وطيلة عشرات السنوات كان هناك توافق بين المؤسستين السياسية والعسكرية، وكل جهة تمنح الأخرى حيزا أكبر للحركة، بموجب ظروف كل مرحلة ومرحلة.
وغالبا ما رأينا أن القيادة الأولى في الجهاز السياسي تأتي من بين صفوف جنرالات الاحتياط، وحتى أن الحزبين الأكبرين تاريخيا، "العمل" و"الليكود"، ومع تناوبهما على الحكم، كانا يهتمان بإدراج أسماء عسكرية وأمنية في الاحتياط، ضمن كتلهما البرلمانية، ومن ثم تسليمهم حقائب وزارية أمنية وحتى مدنية.
ولكن في السنوات الأخيرة، ومع تغير طابع الحلبة السياسية والخارطة الحزبية، وانهيار الحزبين الكبيرين، إلى كتل برلمانية ضعيفة نسبيا لحزب حاكم، بالكاد تصل الواحدة منها إلى ربع مقاعد البرلمان، وما تبع ذلك من كثرة التقلبات السياسية، من انتخابات برلمانية وتشكيل حكومات بوتيرة أسرع من ذي قبل، كل هذا بدأ يطرح أسئلة أمام المؤسسة الأمنية والعسكرية، تتعلق أساساً بمصير مستقبل مشروع الدولة الإسرائيلية.
وما حسم الأمر بالنسبة لهذه المؤسسة، كانت الحرب الأخيرة على لبنان في صيف العام 2006، وما تكبدته إسرائيل من خسائر في الجبهة الداخلية، إضافة إلى الخلل الكبير الذي ظهر جليا في صفوف جيش الاحتلال خلال تلك الحرب، إذ إن عقلية الغطرسة العسكرية التي تتملك المؤسسة الإسرائيلية، وتصل أيضا إلى الشارع الإسرائيلي، لا تسمح بمقياس دم، تكون فيه نسبة القتلى الإسرائيليين واحد أمام عشرة لدى "العدو".
وقد استندت المؤسسة العسكرية الأمنية، بداية إلى سلسلة من التقارير الداخلية التي أجراها الجيش في أعقاب تلك الحرب، ولكن أيضا إلى تقرير اللجنة الحكومية الرسمية لفحص مجريات الحرب، وبشكل خاص في ما يتعلق بآلية اتخاذ القرارات، وهذا ما عرفناه من الجزء العلني، ولكننا بطبيعة الحال لا يمكن أن نعرف الجزء السري، إلا أن المتغيرات في شكل آلية اتخاذ القرارات في إسرائيل، تسمح لنا بتكهن ما كان يحتويه هذا الجزء السري من التقرير.
في السنوات الأخيرة، بإمكان من يتابع مجريات الأحداث في إسرائيل، بتفاصيلها الصغيرة قبل الكبيرة، أن يلمس تغيرات واضحة في آلية القرار، وبالإمكان القول إن المؤسسة العسكرية الأمنية استندت إلى استنتاجات التقرير الرسمي، إضافة إلى ضعف حكومة إيهود أولمرت من الناحية الأمنية، مع وزير الحرب السابق عمير بيرتس، لتنسب لنفسها وزنا أكبر في اتخاذ القرار، وهذا ما تعزز أكثر في ظل وزير الحرب الحالي إيهود باراك، الذي دعم هذا التوجه في المؤسسة التي نشأ فيها وغادرها قائدا لأركانها، ثم وصيا عليها وزاريا، والى جانبه وزير الأمن الداخلي، من كان سابقا رئيسا لجهاز المخابرات العامة "الشاباك"، آفي ديختر.
وما أريد قوله، إن إسرائيل اليوم باتت اقرب إلى النموذج التركي، وإن صح التعبير: "تتركة إسرائيل"، بمعنى مؤسسة عسكرية أمنية باتت تعتبر نفسها وصيّة أكثر من ذي قبل على المشروع الصهيوني، وبتنا نلمس في العامين الأخيرين، ركض هذه المؤسسة لتتحدث "مصادرها" عن توجهات ذات طابع سياسي، وليس فقط عسكرية، استباقا لأي موقف قد يصدر عن المستوى السياسي- الحكومة، وهذا ما لمسناه بقوة، مثلا، في كل ما يتعلق بالتعامل مع قطاع غزة في السنوات الأخيرة.
لم تكن المؤسسة العسكرية غائبة في أي مرحلة عن القرار الإسرائيلي، إلا أن ما نشهده في الآونة الأخيرة، وعلى مدى فترة طويلة نسبيا، فإن صوتها بات هو الأعلى، ويعلو بكثرة جدا على صوت الحكومة.
ولهذا فإن القلق السائد في الأجهزة الأمنية والعسكرية سيتمحور حول طبيعة المرحلة المقبلة، وما إذا كانت تركيبة الحكومة القادمة، بما ستحمله من جنرالات، ستحافظ على هذا التطور، أم أنها ستستعيد للحكومة وزنا أكبر في القرار، من ذلك الذي كان بيد حكومة أولمرت.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر