إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



ورطة نتنياهو

الثلاثاء 3/3/2009
برهوم جرايسي- "الغد" الاردنية

يبدو من المشهد المتبلور على مستوى تشكيل حكومة جديدة في إسرائيل أن المكلف بتشكيلها بنيامين نتنياهو على أبواب ورطة متشعبة، ليست سياسية خارجية فحسب، بل بالأساس على مستوى سياسي وحزبي داخلي، وحتى على مستوى شخصي، مما سيجعل حكومته، في حال تشكيلها، في حالة جلوس دائم "على كف عفريت".
فالمشكلة الأولى التي ستواجه نتنياهو على المستوى البرلماني، هو أن الأغلبية المتاحة أمامه، من الأحزاب اليمينية المتشددة والدينية الأصولية لا تتعدى 65 نائبا من أصل 120 نائبا، وهذه بالمقاييس الإسرائيلية تعتبر أغلبية هشة، كون أن الفارق بينها وبين المعارضة 10 نواب فقط.
وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن ما لا يقل عن 23 نائبا من الائتلاف الحكومي سيكونوا في مناصب وزارية، وليس دائما بإمكانهم التواجد في الهيئة العامة للكنيست، فإن هذا يعني ضعفا جديا في الأغلبية الائتلافية، يجعلها عرضة لتلقي ضربات المعارضة، التي ستكون في هذه الدورة أكثر تماسكا من الدورة الماضية.
أما المشكلة الثانية، فهي توزيع الحقائب الوزارية على عدة مستويات، أولا بين الأحزاب المشاركة في الحكومة، وخاصة الأسماء في هذه الأحزاب، ثم توزيعها بين شخصيات حزب "الليكود" الذي يرأسه نتنياهو، إذ أن الأسماء المرشحة لتولي حقائب رفيعة لا تكفي عدد هذه الحقائب، وحسب التجربة فإن هذا سيؤدي إلى نوع من حالات التمرد داخل "الليكود".
والعقبة الأكبر التي سيواجهها نتنياهو، هي الحقيبة التي سيسندها لليميني العنصري المتطرف أفيغدور ليبرمان، وحتى باقي الحقائب التي سيسندها لحزبه "يسرائيل بيتينو"، وكما نقرأ فإن ليبرمان مرشح لتولي واحدة من حقيبتين، الخارجية أو المالية، وفي حال تسلمه حقيبة الخارجية، فهذا يعني تحدي خطير للأسرة الدولية، التي ستعتبر التعيين لا أقل من بصقة في وجهها.
وهذا نظرا لمواقف ليبرمان العنصرية الإرهابية، ورفضه الصريح الواضح لمفاوضات حقيقية للتوصل إلى سلام حقيقي في المنطقة، إضافة إلى المواقف العنصرية الإرهابية التي يتبناها ليبرمان من فلسطينيي 48، بدءا من الدعوات الصريحة لقتل قياداتهم السياسية، وصولا إلى سلسلة القوانين العنصرية التي يسعى لسنها، إذ أن الهدف الجوهري لهذه القوانين وهو تضييق الخناق على العرب وحثهم على الهجرة من وطنهم.
أما في حال أسند نتنياهو حقيبة المالية لليبرمان، فإنه سيقف أمام عقبتين، الأولى أن ليبرمان متورط بشبهات فساد خطيرة جدا على مستوى دولي، تصل أطرافها إلى عصابات الإجرام المالي وغيره، من مافيا روسية وما شابه، والثانية هي أن نتنياهو يعتبر نفسه صاحب السياسة الاقتصادية الأنجع، وإذا ما عيّن وزيرا في هذه الحقيبة فإنه يريده وزيرا طوعيا له ولسياسته الاقتصادية، وهذا ما يتعارض ما شخصية ليبرمان.
كذلك فإن ليبرمان يطالب بحقيبتين أخريين، القضاء والأمن الداخلي، فالأولى مسؤولة بطبيعة الحال عن جهاز المحاكم، والثانية مسؤولة عن الشرطة، ولهاتين الحقيبتين علاقة مباشرة ووثيقة بالتحقيقات الجارية مع ليبرمان.
واي قرار سيتخذه نتنياهو على مستوى حقائب ليبرمان وحزبه، وإن ظهر وكأنه تجاوزا للمشكلة، فإن سيكون مليئا بالألغام السياسية والحزبية لاحقا.
ومن هنا فإن نتنياهو سيقف أمام مشكلة جدية في توزيع الحقائب الوزارية على شخصيات حزبه، وخاصة بين فريقين: الأول هم أعضاء الكنيست من الدورة السابقة، الذين يعتبرون أنفسهم الأحق بتسلم حقائب رفيعة، لاعتقادهم بأن لهم حصة كبيرة في الانجاز الانتخابي الأخير، أما الفريق الثاني، فهو يضم شخصيات رفيعة جدا في المؤسسة الإسرائيلية، من رئيس أركان سابق ووزراء وأعضاء كنيست سابقين عادوا إلى "الليكود".
وهذا كله مجتمعا سيكون قبل الحديث عن حالة الصدام المباشرة بين أطراف كتل الائتلاف الحكومي، على مستوى الصدام العلماني الأصولي، الذي طرح في معالجة سابقة هنا، وعلى المستوى الاقتصادي، أمام المطالب المالية لأحزاب الائتلاف، في وقت تعاني فيه إسرائيل من أزمة اقتصادية تستفحل بشكل متصاعد، من انكماش اقتصادي وتراجع مداخيل الخزينة العامة واستفحال البطالة والفقر، مما سيضطر الحكومة إلى تقليص ميزانية العامين الجاري والمقبل، بمعنى عدم قدرتها على التجاوب كليا مع مطالب الأحزاب المالية.
أمام مشهد كهذا، فإن مهمة نتنياهو ستكون أشبه بمن يسعى إلى قطع نهر هائج بالقفز على ألواح خشبية صغيرة متناثرة وعائمة، وهي مهمة صعبة جدا، وإذا ما اعتبرنا أن ضفة النهر الثانية هي استكمال الولاية البرلمانية من أربع سنوات ونصف السنة، فإنها تكون مهمة مستحيلة في الوضع القائم.
ولكن هذا ليس نهاية المطاف، فهناك سيناريو محتمل جدا، يقلب المشهد السياسي رأسا على عقب، وهو كالتالي: يشكل نتنياهو حكومة ضيقة لعدة أشهر، لتتعثر سياسيا وحزبيا على جميع المستويات، وأمام الجمود السياسي على مستوى المفاوضات وعلاقات إسرائيل مع العالم ستتدخل الإدارة الأميركية بأذرع مختلفة، لتفرض أجندة على حزب "الليكود" يريدها حزب "كديما" ثم تدفع لتشكيل حكومة تضم الحزبين، وحتى حزب "العمل"، بزعامة إيهود باراك، لتتشكل حكومة وحدة واسعة، مفتوحة أمام من يقبل ببرنامجها، بمعنى خروج الأحزاب اليمينية المتشددة وتحجيم ليبرمان إذ ما قرر البقاء في الحكومة، ومن هنا فإن كل الاحتمالات واردة، حتى على مستوى العملية السياسية، ليس مع الفلسطينيين فحسب، بل أيضا على مستوى المنطقة بـأكملها.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر