إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



كلينتون ونتنياهو جولة صدامية أولية

السبت 7/3/2009
برهوم جرايسي- العرب القطرية

طغت لهجة الدبلوماسية والمجاملات بقوة على زيارة وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون إلى تل أبيب في الأيام الأخيرة، ولكن برزت بين السطور مؤشرات الصدام المفترض بين إدارة باراك أوباما، وبين حكومة إسرائيلية يمينية مفترضة يشكلها بنيامين نتنياهو، على الأقل على مستوى الخطاب السياسي، الذي قد يتأجج في حال تعيين الإرهابي أفيغدور ليبرمان وزيرا للخارجية، ولكن هذا لا يعني إطلاقا، انقلابا في العلاقات الإستراتيجية العميقة التي تربط البلدين.
قد يكون من الصعب معرفة تفاصيل المحادثة المغلقة التي جرت بين كلينتون ونتنياهو، ولكن اعتمادا على ما صرّح به الإثنين قبل وبعد هذا اللقاء، فمن الممكن معرفة أي مستوى للخلافات بالرأي قد يكون نشب بين الإثنين.
فنتنياهو لم يتخلّ عن موقفه الرافض لإجراء مفاوضات سياسية شاملة مع الجانب الفلسطيني، مقابل رفض مطبق لأي حوار مع سورية، وأكثر ما يعرضه نتنياهو هو إجراء "مفاوضات اقتصادية" مع الفلسطينيين، وكما يقول، فإنه "حين يتحقق ازدهار اقتصادي" في المناطق الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967، سيفحص نتنياهو إمكانية إجراء مفاوضات سياسية، في الوقت الذي يتحدث فيه عن استعداده فقط لـ "كيان فلسطيني" منزوع السيادة محاصر، على نصف مساحة الضفة الغربية.
ويعرف نتنياهو أن موقفه هذا، الذي عمليا تقبل به أحزاب اليمين كلها، لن تقبله الأسرة الدولية، التي قد تعود بعد سكوت سنوات للضغط على إسرائيل مجددا، من أجل حثها على التوجه إلى مفاوضات سياسية، وهذا ما تقلق منه جهات إسرائيلية لا تريد عودة إسرائيل إلى خانة الضغط الدولي.
وفي المقابل فإن الوزيرة كلينتون، قالت بوضوح إن "المفاوضات الاقتصادية" بدلا من المفاوضات السياسية هو طرح غير واقعي، وفي نفس الوقت طلبت من وزير الحرب إيهود باراك، أن يرفع القيود التي يفرضها على معابر قطاع غزة، أمام دخول المواد الأساسية، والإغاثة الإنسانية.
حسب المشهد الذي كان باديا حتى نهاية الأسبوع، فإنه لن يكون أمام نتنياهو خيار آخر سوى تشكيل حكومة يمينية متشددة ضيقة، إلا إذا نجح الوزير باراك في إقناع حزبه "العمل" بالانضمام إلى حكومة نتنياهو، أو إذا ما حدث انقلاب في المواقف يفسح المجال أمام حزب "كديما" وزعيمته تسيبي ليفني للانضمام إلى الحكومة.
وحسب ما ينشر، فإن نتنياهو قد يسند حقيبة الخارجية إلى عضو الكنيست العنصري الإرهابي أفيغدور ليبرمان، وفي هذا تحدٍ جديد ليس فقط للأسرة الدولية، التي تعرف المواقف المتطرفة الشرسة التي يحملها ليبرمان، بل أيضا للإدارة الأميركية، التي قد تكون في موقف حرج تماما، في حال فرض عليها التعاطي مع ليبرمان.
وهذا استنادا إلى تقرير ورد في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، جاء فيه، أن جهات أميركية ذات اختصاص، بدأت تفحص كيفية التعامل مع ليبرمان، ومع عضو كنيست إرهابي آخر، يدعى ميخائيل بن آري، إذ أن بن آري يعترف بكونه "تلميذا" سابقا للإرهابي مئير كهانا، في حركة "كاخ" الإرهابية المحظورة في الولايات المتحدة، وشكليا في إسرائيل، وتبين خلال الحملة الانتخابية أن ليبرمان أيضا كان عضوا في هذه الحركة، إلا أنه تهرب من الاعتراف بهذه الحقيقة، التي أكدها بن آري نفسه.
وحسب القانون الأميركي، كما قالت هآرتس"، سيكون من الصعب منح الإثنين تأشيرة دخول إلى الولايات المتحدة، وهذا ما سيحتاج إلى متابعة.
كما يظهر من الخطاب الصادر عن البيت الأبيض، فإن إدارة أوباما تبحث عن سبل للانفراج في العلاقات الدولية، ومحاولة إتباع مسار الحوار لحل الأزمات، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية التي بدأت في الولايات المتحدة، فانفراج كهذا من شأنه أن يساهم في لجم الأزمة الاقتصادية ويقودها إلى مسار النمو.
وأمام خطاب كهذا، سيكون الصعب على واشنطن التواطؤ مع خطاب رفضي إسرائيلي، مهما كانت الذرائع الإسرائيلية، خاصة وأن التغيير الحاصل في واشنطن، شجع أوروبا على أن تصعد خطابها المؤيد لحل النزاع الشرق الأوسطي، بعد سنوات من السبات.
وعلى هذا الأساس، فإنه في حال تم ما هو متوقع لشكل الحكومة الإسرائيلية، فإن الصدام بين البيت الأبيض وحكومة نتنياهو لا مفر منه، وقد شهدت العلاقات الإسرائيلية الأميركية في العقدين الأخيرين أزمات بهذا المستوى، ففي العام 1992 ساهمت الإدارة الأميركية برئاسة جورج بوش الأب، في سقوط حكومة الليكود برئاسة يتسحاق شمير، في أعقاب صدام سياسي علني معها، وحجب ضمانات مالية عن تلك الحكومة بقيمة 10 مليارات دولار، لرفضها التقدم في العملية السياسية.
والصدام الثاني كان في ظل إدارة الرئيس بيل كلينتون، في النصف الثاني من سنوات التسعين مع حكومة نتنياهو السابقة.
إن المصلحة الإسرائيلية تقتضي أن تحافظ الولايات المتحدة على مكانتها في الساحة الدولية، كالقوة الدولية الأكبر، وما يؤكد هذا الاستنتاج، هو ما نص عليه التقرير الأخير لـ "معهد تخطيط سياسة الشعب اليهودي"، التابع للوكالة الصهيونية، ويرأسه مساعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق دينيس روس.
فقد عبر التقرير عن قلقه من تراجع مكانة الولايات المتحدة في الأسرة الدولية، أمام نمو جديد لقوى دولية مثل روسيا، التي تطمح لاستعادة مكانة الاتحاد السوفييتي، والإتحاد الأوروبي والصين، وهذا باعتبار أن "الولايات المتحدة ستكون مضطرة للعمل في عالم متعدد الأقطاب، وهذا وضع إشكالي من ناحية إسرائيل"، كما جاء في التقرير، بمعنى أن إسرائيل قد تدفع ثمنا لمساومات أميركية محتملة لتسيير مصالحها الأخرى.
والسؤال الذي يطرح نفسه، هل سيصر نتنياهو على خوض المسار الصدامي هذا، أو هل ستسمح المؤسسة الأمنية لنتنياهو بخوضه؟، الخيارات أمام نتنياهو ضئيلة، على ضوء تعقيدات الحلبة السياسية التي أفرزتها الانتخابات، وليس من المستبعد أن يستدعي نتنياهو تدخلا أميركيا "خفيا" لإقناع حزبي "كديما" و"العمل" بالانضمام إلى حكومته، ولكن هذا يبقى مشروطا بأن يغير نتنياهو خطابه السياسي.
الأمر الأهم من كل هذا، هو أنه مهما بلغ حجم الصدام المفترض بين الإدارة الأميركية وحكومة نتنياهو، فإن هذا لن ينعكس بأي حال من الأحوال على العلاقات الإستراتيجية العميقة التي تربط البلدين.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر