إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



"ضعف فلسطيني" مرغوب مطلوب

الأربعاء 18/3/2009
برهوم جرايسي- "الغد" الأردنية

ألقى رئيس الحكومة الإسرائيلية المستقيل، إيهود أولمرت، مسؤولية فشل المفاوضات مع الجانب الفلسطيني، على القيادة الفلسطينية، في إطار تلخيصه لعمل حكومته الزائلة، إذ قال في بيان له، "لم نتوصل حتى الآن إلى اتفاق سلام فقط بسبب ضعف وانعدام الشجاعة لدى القيادة الفلسطينية للتوصل إلى اتفاق".
قد تكون تصريحات أولمرت مثيرة للسخرية، ولكنها من ناحية أدق تعكس الوقاحة الإسرائيلية، والنظرة الفوقية التي تتملك قادة إسرائيل على مر عشرات السنوات، وهو يعتقد أن ما يخطط له من حل دائم، بكل ما يحمل من خبث ومكائد، هو الحل الذي كان على الفلسطينيين أن يتلقفوه، لأنهم لن يحصلوا على أفضل منه.
لقد ظهر أولمرت، وهو يعد أشهره الأخيرة على كرسي رئاسة الحكومة، يتحدث عن ضرورة "تقديم تنازلات مؤلمة للفلسطينيين، ولكن حقيقة موقف أولمرت ليس في ما قال وإنما ما فعل، فقد كانت حكومته الأكثر نشاطا في المشاريع الاستيطانية، وخلال عام ونصف العام، نجح في تمرير سلسلة من المخططات لبناء أكثر من 10 آلاف بيت استيطاني في مستوطنات الضفة الغربية، والقدس المحتلة، وحكومته ذاتها، هي التي سرّعت كل مخططات بتر الضفة الغربية إلى قسمين شمالي وغربي بحزام استيطاني ضخم، التي حتى أريئيل شارون لم ينجح في تسريعها، تحسبا لرد فعل دولي رافض، إلا أن أولمرت فعل هذا، تحت غطاء المفاوضات.
فإذا رفض القيادة الفلسطينية لمخطط أولمرت للحل دائم، ناجم عن "ضعف القيادة"، فهذا "ضعف" مرغوب مطلوب، وما كنا ننتظر منها غير ذلك، لأن هذا هو المطلوب فلسطينيا.
ولكن هذه مناسبة لوقفة قصيرة جدا، لنستعيد شريطا، مر أمامنا على مدى عامين من المفاوضات، فقد عمل أولمرت طيلة الفترة الماضية على بث أوهام التقدم في المفاوضات، وبعث بـ "المصادر"، وهو "الاسم الحركي" لقادة إسرائيل في وسائل الإعلام الإسرائيلية المختلفة، لتتحدث عن تنازلات جدية وكبيرة قدمتها القيادة الفلسطينية، إن كان في القدس أو على مستوى حق العودة، وحتى "تفهم مبدأ التبادل السكاني" بين فلسطينيي 48 والمستوطنين الغزاة.
وعند كل بالون إعلامي إسرائيلي، كنت تجد أطرافا فلسطينية وعربية تتلقف هذه الأنباء، ليقف بعضهم كالمايسترو أمام جوقات التخوين، التي تلحقها خطابات التهديد والوعيد، ليتبع ذلك كل ما من شأنه تعميق حالة الانقسام الفلسطيني الداخلي، فالانتهازية في التعامل مع أكاذيب أولمرت وحكومته وصلت إلى ذروة غير مسبوقة، خاصة وأن جهات خارجية راحت تغذي الخلاف الفلسطيني الفلسطيني، تنفيذا لمخططات عليا.
في حين سقط البعض، دون قصد، في هذا الشرك، وانضم إلى جوقات التخوين، التي لم تفحص مزاعم إسرائيل عن سوء نية، لأن مثل هذه المزاعم تغذي الأجندة السياسية الذاتية، وكأن قضية فلسطين عليها أن تخدم أجندة حركية أو حزبية لهذه الجهة أو تلك، وليس العكس.
وفي نفس الوقت فإن القيادة الفلسطينية ليست معفية من الانتقاد، على العكس تماما، فهي لم تسارع في كل مرّة إلى توضيح الموقف، وحتى عندما كان يصدر التبرير لاحقا، كان يظهر بلهجة خجولة بغلاف دبلوماسي، باستثناء بعض الحالات التي كانت فيها الإجابة واضحة، وهذا بدلا من إظهار حزم أقوى يجند الشعب من حولها.
كذلك فإن القيادة الفلسطينية التي فاوضت، كان عليها أن توقف المفاوضات قبل وقت طويل، وهي ترى المشاريع الاستيطانية تقر في حكومة أولمرت دون توقف، وبتزامن مع جولات المفاوضات المختلفة، التي كانت بمثابة ورقة التين للمخططات الإسرائيلية، وكان عليها أن تستنفر العالم ليتدخل، ويوقف المشاريع الإسرائيلية.
ولكن بين هذا وبين لهجة التخوين بون شاسع، فها هي المفاوضات قد انتهت، فأين هي التنازلات على أرض الواقع، ولو كانت موجودة لتباهى بها أولمرت في جلسة حكومته الأخيرة، ولكن شيئا من هذا لم يكن، لأن كل فلسطيني يعرف حقيقة أنه لم يولد بعد قائد فلسطيني على استعداد للتوقيع على اتفاق يرفضه شعب بأكمله.
ولكن لماذا يجب أن يقال هذا الآن؟، لأن نفس الشريط مرّ علينا في فترة الرئيس الراحل ياسر عرفات، الذي كانوا يخونوه صبح مساء، وحين رحل شهيدا على أرض رام الله، مسموما بيد إسرائيل، راح هؤلاء أنفسهم يزفونه شهيدا، وهذا ما قيل هنا سابقا.
عالم الصُدف ولى من عصرنا هذا، وما نشهده ليس مجرد نزاعات بين أطراف وفصائل، بل هذا موجّه عن بُعد، فهناك مَن مِن مصلحته استمرار حالة الانقسام والنزاعات الداخلية الفلسطينية، شعب نصفه يخوّن نصف الآخر، لا أمل له في أن يصل إلى شاطئ الأمان في أي مرحلة، وشعب يستنزف دمه بنفسه لا يمكن أن يقوى على مواجهة المحتل.
لقد كانت الأجواء التي رافقت الحرب الإجرامية على غزة، نموذجا حيا للحالة التي نعرضها هنا، فقد ركز البعض على الخلافات الفلسطينية في أوج تدفق شلال الدم الفلسطيني، ليؤجج على خلفيتها خلافات عربية عربية، بدل تركيز الأنظار على المجرم الحقيقي إسرائيل.
نحن مقبلون على فترة ضبابية، وقد تكون أخطر من سابقتها، ولكن هناك قاعدة يجب اتباعها في كل الظروف وهي: أن فلسطين أكبر من أن يتم تسخيرها لأي أجندة أخرى، غير أجندة المشروع الوطني الفلسطيني.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر