إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



الليكود و"العمل" هروب من أزمات للسقوط بغيرها

الثلاثاء 24/3/2009
برهوم جرايسي- "المشهد الاسرائيلي"

*نتنياهو استدرك المصير البائس الذي ينتظر حكومة يمين متشدد ضيقة *وباراك يريد تغليب ما يراه من مسؤوليته الأمنية على مصلحة حزبه السياسية والحزبية *حكومة الليكود "العمل" ستكون هي حبلى بالأزمات، وقد تطيل حكومة نتنياهو بقليل عن حكومة يمين متشدد*



ما تزال كل الاحتمالات ورادة بشأن إمكانية انضمام حزب "العمل"، برئاسة إيهود باراك، إلى حكومة بنيامين نتنياهو، فقد تصادق هيئات حزب "العمل" على الانضمام ولكن هذا لن يكون آخر المطاف، أو أن ترفض الانضمام، وحينها فإن قرارا كهذا سيأخذ "العمل" إلى مسارات داخلية جديدة.
ولكن أيا يكن القرار النهائي، فإن هذا الحراك الحزبي يكشف الدوافع الحزبية والسياسية وحتى الشخصية لكل الأطراف، إذ أن في كل من "الليكود" و"العمل" أطراف أمام حراك كهذا، ولكن العنوان الموحد لجميع هذه الدوافع: أن ائتلافا كهذا أو عدمه، هو عمليا هروب من أزمة للسقوط في أزمات أخرى.

نتنياهو والليكود

بطبيعة الحال فإن بنيامين نتنياهو، وجد نفسه أمام واقع مرير، في ما لو استسلم لخيار حكومة اليمين المتشدد، ولم يجر محاولة، أو مناورة أخرى، لإبعاده عن حكومة كهذه لن تقوده إلى شيء، إذ أن هناك قناعة لدى جميع أطراف حكومة كهذه، بأنها لن تعمّر طويلا في الدورة البرلمانية الحالية.
فخيار حكومة اليمين المتشدد كان يعني أغلبية برلمانية من 65 نائبا كأقصى حد، من أصل 120 نائبا، ومن الناحية العددية فيبدو وكأننا أمام اغلبية واضحة ولكن وفق أصول اللعبة البرلمانية، والتجارب السابقة، فإن هذه تبقى أغلبية هشة، خاصة أمام معارضة من 55 نائبا، ستبدو على توافق أكبر بكثير من المعارضة المتفككة في الدورة السابقة.
فأغلبية اليمين المتشدد، تضم ستة كتل برلمانية، ولكنها في واقع الحال تضم تسعة أحزاب، إذ أن كتلة "يهدوت هتوراة" الأصولية لليهود الغربيين (الأشكناز) التي لها 5 نواب، تضم حزبين، وفيهما ثلاثة تيارات دينية، كل تيار تابع لزعامة روحية، وهي كتلة تشهد من حين إلى آخر صراعات داخلية، كما أن كتلة "هئيحود هليئومي" التي تضم 4 نواب، يمثلون جمهور المستوطنين بالأساس، مكونة من ثلاثة أحزاب، وهي أيضا فيها نزاعات وصراعات على المناصب.
ويضاف إلى هذا، أن كتلة "هبايت هيهودي" التي هي بالأساس حزب "المفدال"، وعلى الرغم من أنها تضم 3 نواب، فقد كانت الكتلة الأولى التي تفجر فيها خلاف داخلي، تمت تهدئته مؤقتا في الأيام الماضية.
كما أن هذا لا يعني ان الكتل الثلاث وحدها التي تعصف بها الخلافات، فحزب "الليكود" بزعامة نتنياهو، قد يواجه هو أيضا خلافا داخليا حادا على خلفية توزيع الحقائب الوزارية، مما قد يقود إلى حالة تمرد على نتنياهو، وهذا ما شهدته جميع الأحزاب الحاكمة في الدورات البرلمانية الأخيرة.
وهذا المشهد يبعث برسالة واضحة لنتنياهو، مفادها أن الكتل الثلاث الصغيرة التي تضم 12 نائبا لا يمكن الاعتماد عليها بسبب أوضاعها الداخلية، ولكن هناك سبب قوي سنأتي عليه هنا، وهو الاحتكاك السياسي معها مستقبلا.
وما يقلق نتنياهو أن أغلبية كهذه، لا يمكن الاعتماد عليها في العمل البرلماني العام واليومي، إن كان على صعيد الهيئة العامة أو على صعيد اللجان، مما يجعل الائتلاف عرضة للهزائم حتى في ابسط القوانين.
وهذا الاستنتاج يتعزز أمام وضعية المعارضة، فيما لو بقي حزبا "كديما" و"العمل" خارج الحكومة، ففي الدورة البرلمانية السابقة كانت المعارضة منقسمة بين يمين ويمين متشدد، وبين يسار وكتل ناشطة بين الفلسطينيين في إسرائيل، وهذا قاد إلى عدم توافق في جميع القضايا السياسية الخارجية والداخلية.
أما في المعارضة الحالية، التي ستضم 55 نائبا، وعلى الرغم من البون الشاسع في المواقف السياسية بين الكتل الناشطة بين الفلسطينيين في إسرائيل وبين "كديما"، فإن آفاق العمل البرلماني اليومي المشترك تبقى أكبر بكثير مما كانت عليه في الدورة الماضية بين أطراف المعارضة.
إلى ذلك، فإن نتنياهو، وكما علمته تجربته الشخصية السابقة في سنوات التسعين، فإنه في اللحظة التي سيجلس فيها على كرسي رئاسة الحكومة، فإنه سيعي أن الانتخابات قد انتهت كليا، وأن واقع الحال يفرض عليه مسارات حراك سياسية مختلفة، وكما قال رئيس الحكومة السابق أريئيل شارون، حين أجاب على سؤال حول سبب التغيرات في مواقفه بعد تسلمه رئاسة الحكومة: "ما نراه من هنا (رئاسة الحكومة) ليس كما نراه من هناك (المعارضة)".
ويعرف نتنياهو أنه سيكون عليه أن يتحرك سياسيا على الصعيد الخارجي، وأيضا في المسارات التفاوضية، خاصة مع الجانب الفلسطيني، لأنه سيواجه ضغوطا دوليا، كما أن نتنياهو يعرف، أن سبعة نواب على الأقل من كتلتي المستوطنين ستقف له بالمرصاد عند كل حراك من هذا النوع، وأي حالة تمرد ستفقده الأغلبية التي يرتكز عليها.
ببساطة بالإمكان القول: إن نتنياهو يدرك استحالة العمل الطبيعي في ظل ائتلاف كهذا، مهما كان تقارب بين آرائه وأراء مختلف الكتل البرلمانية التي ستشاركه الحكم.

"العمل" وباراك

فور ظهور نتائج الانتخابات البرلمانية، التي دلّت على تلقي حزب "العمل" ضربة قاصمة غير مسبوقة، رمته في المرتبة الرابعة بين الكتل البرلمانية، أعلن زعيم الحزب إيهود باراك، أن الشعب قرر أن يكون حزب "العمل" في المعارضة، وقد صدق من المحللين الإسرائيليين من لم يكن على قناعة تامة بما يقوله باراك، على الرغم من أن هذه الأجواء التي سادت حزبه.
ولكن دوافع باراك، وكما بالإمكان لمسه، كثيرة ومتشعبة، فمنها على المستوى الشخصي والأمني والسياسي وحتى الحزبي.
فإذا كان حديث عن المستوى الشخصي، فإن باراك يرى نفسه كمن "انقذ" الجيش الإسرائيلي من الانطباع الذي ساد في العامين الأخيرين وكأنه فقد قوة الردع، ويحاول الظهور أمام الجمهور ليس كرئيس لحزب سياسي، بل كصاحب مسؤولية قصوى تجاه أمن إسرائيل وجيشها، ولهذا "تقع على عاتقه مسؤولية مصيرية عليه أن يخدمها".
ولكن من جهة أخرى، فإن هناك انطباعا بأن المؤسسة العسكرية ذاتها معنية بمواصلة باراك تولي مسؤوليته في وزارة الأمن، وليس صدفة أن باراك دفع إلى وسائل الإعلام رسالة تلقاها من كبار الجنرالات في الاحتياط، الذين يدعونه للبقاء في الحكومة ووزارة الأمن، وهذا تحت غطاء مواصلة تعزيز مكانة الجيش العسكرية.
ولكن هناك سياق آخر لنية المؤسسة العسكرية، وهو الانطباع بأن وزن المؤسسة العسكرية الأمنية في آلية اتخاذ القرار، في ظل حكومة إيهود أولمرت، وخاصة بعد الحرب على لبنان، وصل إلى مستوى غير مسبوق، فلطالما كان للمؤسسة العسكرية الأمنية وزن كبير في آلية اتخاذ القرار في إسرائيل، ولكن بتفاوت حسب المرحلة، أما بعد تلك الحرب، فإن المؤسسة سعت لزيادة وزنها أكبر، واستغلت ضعف رئيس الحكومة إيهود أولمرت واعتمدت على باراك ووزير الأمن الداخلي آفي ديختر، من كان رئيسا لجهاز "الشاباك"، لتعزيز هذا الدور.
وبالإمكان الفهم من تقارير صحفية سابقة، أن المؤسسة العسكرية ليست مطمئنة لتولي رئيس أركانها الأسبق موشيه يعلون وزارة الأمن، وهذا لأن لديه حسابات شخصية مع المؤسسة وبعض من تبقى فيها، على خلفية إنهاء مهامه العسكرية في ربيع العام 2005 بغير إرادته، بقرار من رئيس الحكومة السابق أريئيل شارون، ووزير الأمن في حينه شاؤول موفاز.
أما على الصعيد السياسي الحزبي، فإن باراك يرد على من يدعوه للبقاء في المعارضة من أجل إعادة بناء الحزب وتغيير صورته، ليكون حزب "معارضة مقاتلة"، أن حزبه في المعارضة سيضيع في ظل حزب "كديما"، وسيلصق به هذا الانطباع خاصة وأن لحزب "كديما" 28 مقعدا أي أكثر من ضعف مقاعد حزب "العمل" الذي له 13 مقعدا.
في حين، وحسب منطق باراك، فإنه في حكومة نتنياهو، ونظرا للدور الكبير المنوط فيه، سيكون له وزن أكبر في آلية اتخاذ القرار.
وتبقى مسألة البرنامج السياسي على المستوى الاستراتيجي والسياسة الخارجية والمفاوضات، فعلينا أن نذكر أن حزب "العمل" غائب عمليا عن كل هذا الحراك، منذ خريف العام 2000، أي حين كان ما يزال "العمل" برئاسة إيهود باراك، ولم يتغير الأمر كثيرا، بعد غياب باراك لست سنوات عن قيادة الحزب، فهذا الحزب لم يلعب دورا دافعا للعملية السياسية في أي من حكومات الليكود و"كديما"، التي شارك فيها في السنوات الثماني الأخيرة.
لا بل وأكثر من ذلك، فحسب تقارير متعددة، فإن باراك كان عاملا معرقلا للعملية السياسية في كثير من الأحيان، فما كنا نسمعه ونلمسه، أن باراك كان يرفض بشدة تخفيف الحواجز العسكرية في الضفة الغربية، التي هي شرط من شروط "خطة خارطة الطريق"، كما أنه رفض عملية إزالة البؤر الاستيطانية، وهي شرط اضافي وهام جدا، وليس هذا فقط، بل إنه سعى ونجح في تحويل عدد كبير من هذه البؤر إلى مستوطنات ثابتة.
ولكن ما هو أخطر من كل هذا، هو أن باراك، وبموجب صلاحياته كوزير أمن، فقد زاد وتيرة البناء في المستوطنات في العام 2008 بنسبة 60%، مقارنة مع ما كانت عليه في العام 2007، التي تولى فيها الحقيبة في نصفها الثاني.
بمعنى أنه ليس لدى باراك مشكلة سياسية في مشاركة حزب "يسرائيل بيتينو" اليميني العنصري، ولا أحزاب المستوطنين.
وفي المقابل فإن باراك يواجه معارضة جدية في حزبه لخطوة الانضمام إلى حكومة نتنياهو، وقد صدرت الصحف في مطلع الأسبوع تتحدث عن سلسلة من الاحتمالات التي تواجه حزب "العمل"، ولكن الاحتمال الذي أجمع عليه الجميع، هو أن انشقاق الحزب يبقى ورادا.
إلا أن المعارضين في حزب "العمل" أعلنوا مسبقا أنهم لن يسعوا إلى شق الحزب في حال كانت أغلبية للانضمام إلى حكومة نتنياهو، ولكن هذا لا يكفي لضمان وحدة الحزب، فقد علمت التجربة أن حالة التمرد في "العمل" في السنوات الأخيرة لا يوجد من يمنعها، ولهذا فإن باراك لن ينجح في فرض رأيه على النواب الثلاثة عشر، وهذه حالة لا يمكنها أن تخدم الأغلبية التي يطمح لها نتنياهو.
بطبيعة الحال فإن المعارضين للانضمام هم ممن يرون أن على "العمل" أن يبني نفسه في المعارضة نحو مرحلة جديدة، كما أنهم يرفضون أية شراكة مع أحزاب المستوطنين، ونذكر هنا أن القيادي في الحزب أوفير بينيس، تخلى عن حقيبته الوزارية في خريف العام 2006، بعد انضمام حزب "يسرائيل بيتينو" اليميني العنصري بزعامة المتطرف أفيغدور ليبرمان، ولكن من الطريف جدا، أن من تولى حقيبته بعد عدة أشهر من هذه الخطوة التي زادت من رصيده الحزبي، كان النائب العربي من حزب "العمل" غالب مجادلة، الذي لم ينجح في العودة إلى مقعده البرلماني في الدورة الجديدة.

حكومة حبلى بأزمات

ولكن السؤال الأهم الذي يسأل في هذه الحالة، هل إذا قرر حزب "العمل" الانضمام إلى حكومة نتنياهو، سينجو الأخير من المصير البائس الذي كان ينتظر حكومة اليمين المتشدد، التي كان يعمل على إقامتها؟، والجواب مختصرا: كلا.
بداية فإنه ليس من الواضح كيف سيتعامل نتنياهو مع كتلتي اليمين المتشدد "هئيحود هليئومي"
"هبايت "هيهودي" في حال نجح في ضم "العمل"، فإذا ما تخلى عنهما فإن الأغلبية لن تزيد بكثير، لأن أغلبية 71 نائبا سيكون فيها تمرد من حزب "العمل"، كما أنه من غير المؤكد أن ينجح نتنياهو في التخلي فقط عن كتلة "هئيحود هليئومي"، التي تضم أحد قادة حركة "كاخ" الإرهابية المحظورة في الولايات المتحدة، وشكليا في إسرائيل، إذ أن هذه الكتلة على تنسيق دائم مع الكتلة الثانية "هبايت هيهودي".
كذلك فإن نتنياهو قد يضطر للطلب من "يسرائيل بيتينو" التخلي عن حقائب رفيعة بحوزتها ليتسنى له إعادة توزيع الحقائب مع دخول "العمل" إلى الحكومة.
إن حكومة تستبعد كتلتي المستوطنين وتضم "العمل" ستكون هي أيضا حبلى بالأزمات والصراعات الداخلية بين أطرافها، إن كان على المستوى السياسي الخارجي ومسارات المفاوضات، وإن كان على مستوى القضايا الداخلية، على صعيد السياسة الاقتصادية في ظل الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، وعلى صعيد مسألة الإكراه الديني، والاصطدام المستمر مع القوانين ذات الطابع الديني.
ولهذا فإن حكومة ألليكود "العمل" قد تنجح في إطالة عمر حكومة نتنياهو بقليل عن حكومة يمين متشدد.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر