إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



حكومة حربية عنصرية تقوض الحيز الديمقراطي

الأربعاء 1/4/2009
برهوم جرايسي- "الغد" الأردنية

يستدل من تفاصيل الاتفاقيات الائتلافية التي أبرمها رئيس الحكومة الإسرائيلية الجديدة بنيامين نتنياهو، وهي بحد ذاتها برنامج الحكومة المستقبلي، أننا أمام حكومة ترفض عمليا مواصلة العملية التفاوضية، والجانب الحربي فيها أكثر من الحديث عن "السلام الإقليمي"، إضافة إلى بنود تدعو بشكل واضح لسن المزيد من القوانين العنصرية، وحتى إلى تقويض الحيز الديمقراطي في الكنيست.
فقد ابرم نتنياهو بداية اتفاقيتي ائتلاف مع كل من حزب "يسرائيل بيتينو"، بزعامة العنصري المتطرف أفيغدور ليبرمان، و"شاس" الديني الأصولي لليهود الأصوليين الشرقيين، يخلو منها الحديث إطلاقا عن العملية التفاوضية، أو "عملية السلام"، وبدلا من ذلك فإن البنود السياسية تلخصت في دعوة للقضاء على سلطة حركة حماس في قطاع غزة، والى محاربة ما يصفه الاحتلال الإسرائيلي بـ "الإرهاب"، والدعوة الواضحة للتحكم بأموال السلطة الوطنية الفلسطينية، تحت غطاء، "منع وصول الأموال لتنظيمات الإرهاب".
ولاحقا أبرم نتنياهو اتفاقية ائتلاف مع حزب "العمل" برئاسة وزير الحرب إيهود باراك، وهنا ورد بند سياسي لا أكثر ضبابية منه، إذ يدعو البند إلى "سعي إسرائيل لسلام إقليمي مع جميع الدول المجاورة"، دون أي ذكر للجانب الفلسطيني، وللصراع الإسرائيلي الفلسطيني بشكل خاص.
وكان البند الثاني في الاتفاقية مع "العمل" يضع تحفظا يقضي عمليا على أي تفسير "ايجابي" للبند السابق، إذ جاء: " تسعى إسرائيل إلى اتفاق مع كل واحدة من جاراتها بما يضمن مصالحها وأمنها"، وقضية "الأمن المصالح الإسرائيلية"، هو مصطلح فضفاض، تفسره كل جهة سياسية في إسرائيل حسب برامجها السياسية، ولكن حسب نهج اليمين وعقلية نتنياهو، فإن إقامة دولة فلسطينية، مثلا، يتعارض مع مصالح إسرائيل، كما أن الخريطة الجغرافية لما يسمى بـ "المصالح الأمنية" الإسرائيلية، تفرز كيانا فلسطينيا ممسوخا في بعض مناطق الضفة الغربية، لتكون مجرد كانتونات منفصلة عن بعضها.
ولهذا فإن المفاوضات الجدية، إن كانت على المسار الفلسطيني أو السوري، ستكون غائبة عمليا عن أجندة حكومة كهذه، أما إذا ظهر ضغط فعلي وناشط على هذه الحكومة لدفعها نحو المفاوضات، فإنه من الصعب رؤية تحرك جدي، بل سنكون شهودا على مفاوضات من أجل المفاوضات ولا أكثر من ذلك.
أما في الجانب العنصري ضد فلسطينيي 48، فإن اتفاقيتي الائتلاف مع كل من "يسرائيل بيتينو" و"شاس" تنصان على بنود واضحة، تدعو إلى تعميق التمييز العنصري، من خلال سن قوانين تمنح امتيازات مالية وتعليمية سخية، لمن يخدم في الجيش، و"الخدمة في الجيش" هي أحد "الأسماء الحركية" لسياسة التمييز العنصري ضد فلسطينيي 48، الذين لا يسري عليهم قانون الخدمة الإلزامية.
فمثلا تنص الاتفاقيتان على سن قانون لتخفيض رسوم التعليم الجامعي للجنود المسرحين، ومنحهم نقاط إضافية، تمنحهم أولوية للقبول في الجامعات وفي مساكن الطلبة، وغيرها.
ولكن العنصرية هذه المرّة تصل إلى حد مخصصات الأولاد الاجتماعية، التي تحصل عليها كل عائلة في إسرائيل عن كل ولد لديها دون سن 18 عاما، وينص الاتفاق مع "شاس" على سن قانون جديد، يمنع منح المخصصات لعائلات لم يتعلم أبناؤها ضمن برنامج التعليم الإلزامي (ابتدائي إعدادي) أو لم يتلق أطفالها التطعيمات الصحية.
وكما أكد حتى مختصون يهود، فإن هذا البند موجه بالأساس إلى عشرات آلاف الأطفال العرب في صحراء النقب، حيث يعيش 80 ألف شخص، من بينهم 50 ألف طفل، في قرى ترفض المؤسسة الإسرائيلية الاعتراف بها، وتحرمها من كافة البنى التحتية والمؤسسات الصحية والتعليمية، مما يعرقل تواصل آلاف العائلات مع الجهازين الصحي والتعليمي، وهذا يبقى عينة لما هو آت وأكبر.
كذلك فإن اتفاقيات الائتلاف الثلاث تنص على بنود تهدف إلى تقويض الحيز الديمقراطي بشكل عام، بما يعزز نهج تقليص دائرة اتخاذ القرار، فهناك بنود تتعلق بأنظمة العمل البرلماني، التي سيكون من الصعب شرحها هنا، ولكنها تقوض حركة المعارضة
ضد أي حكومة، وترفع مقياس الأغلبية ضد الحكومة، من أغلبية عادية بفارق صوت، إلى أغالبية 65 من أصل 120 نائبا.
كذلك فهناك بنود تهدف إلى تقويض الحيز الديمقراطي موجهة ضد العرب خاصة، مثل فسح المجال أمام ما لا يقل عن نصف مليون إسرائيلي يعيشون بشكل دائم خارج البلاد للمشاركة في الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية في دولهم، بهدف ضرب الوزن الانتخابي لفلسطينيي 48.
وستواصل حكومة بنيامين نتنياهو، ما بدأت به حكومة إيهود أولمرت، وهو ضرب ما تبقى من استقلالية المحكمة العليا الإسرائيلية، وفرض قيود عليها، ومنعها من نقض قوانين يسنها الكنيست، وهذا يضرب مجالات مختلفة على المستوى الداخلي الإسرائيلي، ولكن هذا أيضا يعود إلى أحد البنود العنصرية، لأن المحكمة العليا نقضت في الماضي بعض القوانين ذات الطابع العنصري، رغم أنها رفضت الاعتراض على قوانين عنصرية أخرى.
مرحليا نجح نتنياهو في تشكيل حكومة استبعد فيها حزبا يمينيا متشددا واحدا، وأبقى على اثنين آخرين، إضافة إلى يمينية حزبه الليكود، ونجح في ضم حزب "العمل" برئاسة إيهود باراك، اعتقادا منه أن هذا سيخفف من حدة الطابع اليميني المتشدد لحكومته، ولكن ممارسة الحكومة المتوقعة سيؤكد لاحقا أن نتنياهو لم يخفف من المواقف المتشددة لحكومته.
وهذه حكومة، كباقي الحكومات الإسرائيلية في العقدين الأخيرين، على وجه الخصوص، مليئة بالتناقضات الداخلية، ولا بد للصراعات بين الكتل المختلفة، على مستوى القضايا الداخلية أن تتفجر لاحقا، وحكومة كهذه قد تنهي عاما واحدا، ولكن من الصعب جدا أن تنهي عامها الثاني من دون قلاقل واهتزازات وتغييرات في تركيبتها.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر