إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



شكرا نتنياهو.. لعله خير

السبت 4/4/2009
برهوم جرايسي- "العرب" القطرية

حقا أن رئيس الحكومة الإسرائيلية الجديد، بنيامين نتنياهو، "يستحق" منا الشكر، ولربما الشكر الجزيل، بعد أن اختصر الكثير من المسافات والأيام والساعات من الترقب لوجهة حكومته الحقيقية، مما سيسرّع لنا معرفة طبيعة وحقيقة التغيرات الحاصلة في العالم، بعد تبدل الإدارة الأميركية، ومدى صدق نواياها، وقدرتها على الاصطدام مع سياسة العربدة الحربية الإسرائيلية، التي باتت اليوم أوضح بكثير من ذي قبل، من دون مساحيق وصياغات تجميلية خبيثة.
لم يكتف نتنياهو بما ورد في برنامج حكومته، الذي خطه من خلال الاتفاقيات الائتلافية مع كبرى الأحزاب التي تشكل حكومته، من تهديدات بشن الحروب في المنطقة وجوارها، وتغييب واضح للعملية التفاوضية، ورفض إقامة الدولة الفلسطينية، بل إن نتنياهو أوضح أكثر هذا في خطابه أمام الكنيست لدى عرضه حكومته لنيل الثقة.
وبعث نتنياهو بعد بضع ساعات من تولي مهامه، وزير خارجيته الجديد، أفيغدور ليبرمان، ليلقي مع تسلمه وزارته، خطابا طغت عليه لغة عصابات المافيا التي يعرفها ليبرمان عن قرب، إذ قال: "إن من يريد سلاما عليه أن يستعد للحرب، وليكن قويا"، ثم راح يتحدث عن الانسحابات من المناطق المحتلة، وكأنها "تنازلات إسرائيلية" يرفضها جملة وتفصيلا.
ولكن ليبرمان أيضا يستحق منا الشكر، لأنه قال بوضوح أنه يرفض أن يلعب لعبة "الخداع الإسرائيلي"، كما يسميها هو "يسرا- بلوف"، وأنه يريد أن يكون صريحا، وصراحته هذه ليست بعيدة كثيرا عن حقيقة سياسة الحكومة السابقة ووزيرة خارجيتها تسيبي ليفني، التي انتفضت في كرسيها وهي تسمع كلامه، وغادرت المنصة "احتجاجا"، لتعود لثوان قليلة لترفع كأس النبيذ، بحركة لإظهار عدم رضاها.
وحتى ليفني هنا كانت صادقة في غضبها، فهي لم تغضب من حقيقة مواقف ليبرمان التي عددها في خطابه، بل لأن هذا الخطاب فضح بشكل كامل حقيقة الموقف الإسرائيلي الذي تمت صياغته في أرفع مستوى للمؤسسة العسكرية الأمنية الإسرائيلية، وسارت عليه حكومات إسرائيل الأخيرة، بعد أن غلفته بمسارات مخادعة.
وليفني كمن يتم اعتبارها ابنة جهاز الموساد المدللة، تعتبر نفسها وصيّة ومخلصة أكثر على المشروع الصهيوني، من ليبرمان، الذي جاء من بعيد، متورطا بجرائم مالية، "ليفضح الطابق" المفضوح أصلا من ناحيتنا.
وأمام مشهد كهذا، فنحن لسنا بحاجة لمنح حكومة نتنياهو "مئة يوم"، ليرتب أوراقه ولنختبر توجهاته، كما أن الأسرة الدولية ليست بحاجة لفترة كهذه، ولمسارات تجريبية واختبارية للسياسة الإسرائيلية الجديدة، فهي واضحة كوضوح الشمس، والآن بات مطلوبا معرفة كيفية التعامل مع الدولي مع إسرائيل، التي ترفض علنا كل مسار تفاوضي يقود لحل دائم واقعي مبنى على أساس حل الدولتين.
وفي نفس الوقت، فإن الخطاب الإسرائيلي المعلن من المفترض أن يختصر كثيرا حالة الترقب لطبيعة التغيرات السياسية الحاصلة في العالم، هذا إذا وُجدت أصلا، مع تبدل الإدارة الأميركية، فمنذ العشرين من يناير الماضي ونحن نسمع خطابا أميركيا مختلفا عن ذلك الخطاب الذي ساد في السنوات الثماني الماضية، وحتى أن تبدل الخطاب شجع أوروبا لتخرج من مخابئها التي آوت نفسها فيها في سبات، كسبات الدببة، لتعود شيئا فشيئا إلى خطاب سياسي مستقل.
ولأن السياسة لا تبنى على الخطابات، بل على الأفعال، ولأن العالم قال كلمته في كل ما يتعلق بالصراع الشرق أوسطي، وصنّف المنطقة بين قوى رفضية وقوى معتدلة، فمطلوب منه اليوم تقييما لسياسة إسرائيل بحلتها الجديدة، وتعاملا معها بنفس القدر، وهذا لا يحتاج لأسابيع وأشهر.
وكما يتضح فإن إسرائيل "الجديدة" تدرك أنها قد تقف في مسار تصادمي مع العالم، بغض النظر عن قوة هذا التصادم، ولهذا فإن ترفع صوتها أكثر من ذي قبل باتجاه إيران ومشروعها النووي، إذ يقول نتنياهو: "إن أخطر ما يواجهه العالم اليوم أن يكون بحوزة نظام أصولي أسلحة نووية"، بمعنى أن هذا خطورة السلاح النووي تزداد إذ كانت بيد أنظمة أصولية متشددة.
لست من أنصار الرئيس الإيراني ولا النظام هناك، ولكن السؤال الذي يسأل نفسه، إذا كان النظام في إيران متطرفا ومتشددا، فما هي طبيعة النظام في إسرائيل، على الأقل ابتداء من الأيام الأخيرة، وأليس المشروع النووي الإسرائيلي بات الآن أكثر خطورة، حين يكون بيد تلك العصابة الجديدة الملتفة من حول طاولة حكومة نتنياهو، التي هي الأشد تطرفا وتشددا من بين الأنظمة التي تحكم في العالم؟، وأليس بات مطلوبا من العالم "المتنور" أن يضع المشروع النووي الإسرائيلي على أجندته؟.
لنقل "لعله خير"، فقد طوت إسرائيل بنفسها ورقة المفاوضات، وهذا مكسب فلسطيني في ظل التوازنات العالمية المختلة، كي لا يكون الجانب الفلسطيني كمن يرفض المفاوضات، وهذه مناسبة لإعادة ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني عن بكرة أبيه، وإعادة الوحدة الفلسطينية على أسس خطاب فلسطيني واضح، يساهم في إحراج الأسرة الدولية، ودفعها لمواجهة إسرائيل، وفي نفس الوقت الاستعداد لكافة السيناريوهات الخطرة التي قد تواجه الشعب الفلسطيني في المرحلة المقبلة.
قد تكون إسرائيل وضعت نفسها في هذه المرحلة عند خط النهاية لكل العملية التفاوضية، التي انطلقت من خريف العام 1991، وحققت قفزة بعد عامين في أسلو، ورغم أنني ممن عارض أوسلو منذ بداياتها، إلا أن اليوم قد نقول أن هذا المسار، وعلى الرغم مما حمله من مساوئ، وضع إسرائيل في مسار صدامي مع ذاتها، وورطها بسلسلة اعترافات بشكل الحل الدائم، رغم رفضها له، وهذا الاستنتاج الذي يصرّح به اليمين الإسرائيلي طوال سنوات، وكما يبدو فإنه عرف الحقيقة منذ بداياتها، ولم يخطئ.
والسؤال الذي يطرح نفسه منذ الآن، ما هي طبيعة المرحلة المقبلة؟.
إسرائيل ستختبر تعامل العالم معها من خلال قائمة الدول التي ستوافق على استقبال وزير الخارجية العنصري المتطرف أفيغدور ليبرمان، وكيفية التعامل معه، بوصفه "رمز السياسة الإسرائيلية الجديدة"، ولكن السؤال الأكبر من ناحية إسرائيل: هل سيكون لليبرمان موطئ قدم في الشرق الأوسط خارج إسرائيل؟.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر