إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



جوعى إسرائيل "يشبعون" ترهيبا

الأربعاء 8/4/2009
برهوم جرايسي- "الغد" الأردنية

يبدأ اليهود هذا الأسبوع عيد الفصح العبري الذي يستمر أسبوعا كاملا، وباتت الأعياد اليهودية التي تتركز غالبيتها في فصلي الخريف والربيع من كل عام، مناسبة لإثارة القضايا الاقتصادية الاجتماعية المتردية، التي تكشف حقيقة الأوضاع الاقتصادية في إسرائيل، بفرزها المجتمع إلى مجتمعين: قلة قليلة من الأغنياء، ونسبة عالية جدا من الفقراء، بينما القسم الأكبر ممن يفلتون من الشرائح الوسطى يتساقطون في دائرة الفقر.
وفي الأيام الأخيرة، صدرت معطيات كثيرة حول مدى استفحال الفقر في إسرائيل، وانتشار مظاهر الجوع الحقيقي الذي قد يطال حوالي نصف الفقراء، إذ تقول معطيات صادرة عن اتحاد 120 جمعية مختصة بتقديم المعونات الغذائية للعائلات الفقيرة، إن في إسرائيل 233 ألف عائلة فقيرة لا تستطيع أن تضمن لأفرادها وجبة ساخنة واحدة على الأقل بشكل يومي، ومنها من تعجز عن تقديمها طوال الأيام.
وفي أجواء العيد هذه، كما في كل فترة أعياد، فإن عمل هذه الجمعيات يزداد بنسبة عالية، نظرا لعدم قدرة العائلات الفقيرة على تأمين المواد الغذائية في أيام العيد، فهذه الجمعيات، حسب تقاريرها، تقدم يوميا وجبات ساخنة لحوالي 50 ألف عائلة، ولكن على أبواب العيد العبري تلقت طلبات للحصول على معونات غذائية من حوالي 200 ألف عائلة يهودية، علما أن عدد اليهود في إسرائيل قرابة 5,5 مليون نسمة.
وتشكو هذه الجمعيات من تراجع التبرعات التي تتلقاها من جهات محلية وخارجية، نظرا للأزمة الاقتصادية التي تضرب الاقتصاد الإسرائيلي في الأشهر الأخيرة، انعكاسا للأزمة الاقتصادية التي تضرب الدول المتطورة في العالم.
وهذه معطيات تشكل ما بين 18% إلى 20% من اليهود في إسرائيل، دون أي حديث عن الطابع القومي للفقر، إذ أن فلسطينيي 48 هم الضحية الأكبر للسياسة الاقتصادية، ونسب الفقر بينهم تتراوح ما بين 2,5 ضعف إلى 3 أضعاف نسب الفقر بين اليهود، وهذا بفعل سياسة التمييز العنصري ضد العرب.
وقد يرى البعض أن نسب الفقر بين اليهود كما تعرض هنا، متدنية مقارنة بدول أخرى، ولكن إسرائيل تعتبر نفسها دولة متطورة، مع معدل ناتج قومي للفرد يصل إلى حوالي 28 ألف دولار، ونسبة نمو اقتصادي أكثر من 5% في السنوات الخمس الماضية.
إلا أنه في نفس الوقت فإن تقارير دولية، تعترف بها إسرائيل، تؤكد على أن الفجوات الاجتماعية بين الأغنياء والفقراء في إسرائيل هي الأكبر في العالم بعد الأرجنتين، وعلى الرغم من هذا، فإننا لا نشهد في إسرائيل "هبّات جماهيرية" وثورات خبز، باستثناء بعض المظاهرات التي اندلعت في سنوات السبعين الأولى، جرى فيها اقتحام متاجر المواد الغذائية.
كذلك فإن تردي الأوضاع الاقتصادية، ومهما بلغت من حضيض في الماضي، لم تكن يوما عاملا في تغيير الحكم، في أي من الانتخابات البرلمانية الثمانية عشر التي جرت على مدى السنوات الستين الماضية، وآخرها قبل شهرين.
وغياب رد الفعل الجماهيري ليس ناجما عن حالة كبت تفرضها المؤسسة الإسرائيلية، بل هو نتيجة مباشرة لسياسة الترهيب من الغير التي توجهها الحركة الصهيونية، ومن ثم المؤسسة الحاكمة، نحو الجمهور بشكل عام، ولكن بشكل خاص نحو الشرائح الفقيرة، التي هي أول من تدفع ثمن سياسة الحرب والاحتلال والاستيطان.
ومقولات مثل "كل العالم ضدنا" "وحرب الإبادة النازية قد تعود يوما إن لم نكن أقوياء"، و"هدف العرب في نهاية المطاف إبادتنا"، لم تختف في أي يوم من الحوار الإسرائيلي الداخلي، وهي مقولات تجد تربة خصبة بين الشرائح الفقيرة والضعيفة بشكل خاص، ولهذا ليس صدفة أن هذه الشرائح بالذات، هي أكبر مصدر لقوة أحزاب اليمين المتشددة.
أي أن إسرائيل تسكت جوعاها بالخوف والترهيب من الغير، وهي تنجح حتى الآن بذلك، طالما أنها ضمنت جمعيات تمنع موت الفقراء جوعا.
وحتى الآن نجحت المؤسسة الإسرائيلية في إبعاد سلسلة الأزمات الداخلية المتنوعة، ومن أهمها الأزمة الاقتصادية الاجتماعية، عن مستوى الانفجار الداخلي الشامل، بوسائل شتى تحركها ذات العقلية العسكرية التي تقود إسرائيل.
ولكن هذه الأزمات تتراكم، ولا يمكنها أن تبقى هامدة، خاصة وأن المؤشرات الاقتصادية الحالية تؤكد على استفحال ظاهرة الفقر والجوع، لتسجل ذروة جديدة وغير مسبوقة، ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه: إذا كان الانفجار الداخلي حتمي، فمتى سيكون؟.
وما يمكن قوله ردا على هذا التساؤل: إن انفجارا كهذا لن يكون على الأقل على المستوى المنظور، وطالما أن العقلية العسكرية ما تزال تنجح في ترسيخ سياسة الترهيب من الغير.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر