إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



"قوى خفيّة" وراء فساد السلطة الإسرائيلية

السبت 1/4/2009
برهوم جرايسي- العرب القطرية

سجل فساد السلطة في إسرائيل في الآونة الأخيرة ذروة جديدة، مع تكشف المزيد من تفاصيل الجرائم المالية التي يشتبه وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان بارتكابها، بعد أن أطاحت سلسلة من قضايا الفساد برئيس الحكومة السابق إيهود أولمرت.
وقد يعتقد البعض أن التحقيقات التي تجري مع "أرفع" القيادات الإسرائيلية إنما يدل على "سلامة النظام" والمكاشفة، وأن لا أحد فوق القانون والنظام، فها هو رئيس دولة تتم الإطاحة به على خلفية جرائم جنسية ارتكبها، ووزير مالية سابق يواجه احتمال دخول السجن لسنوات على خلفية اختلاسات، وغيرها الكثير من القضايا.
بينما الحقيقة هي ابعد من ذلك، لأن الانطباع السائد أن الفساد هو النهج الأكثر انتشارا بين عناصر المؤسسة الإسرائيلية، ولكل واحد من كبار المسؤولين ملف فساد في اتجاه ما، وهو جاهز لفتحه في كل لحظة، ولكن فقط حين تقرر "جهات ما" فتحه، ولهذا فإن مسلسل التحقيقات التي تجريها الشرطة الإسرائيلية لم ينشأ صدفة.
فلنأخذ مثلا، أن الرئيس الإسرائيلي السابق موشيه كتساب وحينما تفجرت فضيحته الجنسية الأولى في صيف العام 2006، اتضح ان هناك ما لا يقل عن عشر موظفات تقدمن أيضا بشكاوى يعود بعضها إلى أكثر من 13 عاما من ذلك العام.
وهذا أيضا ما جرى مع رئيس الحكومة السابق إيهود أولمرت، الذي فتحت الشرطة ملفات تحقيق ضده في قضايا تعود إلى ما بين 5 وحتى 15 سنة ماضية، مثل قضية تلقي أموال من رجل الأعمال الأميركي موشيه تالانسكي.
كذلك فإن التحقيقات الجارية مع أفيغدور ليبرمان لم تبدأ في هذه الأيام، بل منذ حوالي أربع إلى خمس سنوات، وجرت بوتائر متباعدة، وفقط في الأشهر الأخيرة جرى تكثيفها لتتكثف أكثر في الأيام الأخيرة، مع تسلم ليبرمان منصبه الوزاري.
وهذا لا يعني ان ليبرمان أو من سبقه "ضحية مؤامرة"، على العكس تماما، بل كما يبدو فإننا أمام مجموعات "خفيّة" تشد وتتحكم بحبال السلطة عن بعد، وهذه المجموعات تتصارع في ما بينها.
وما قد يكون اثباتا على هذا الاستنتاج، أنه حين أثيرت قضية أولمرت مع رجل الأعمال تالانسكي، تبين انه هذا الشخص لم يحول الأموال لأولمرت وحده، بل لعدد آخر من قادة إسرائيل تلقوا منه أموالا، كما أن جميع كبار ساسة إسرائيل يتبعون نفس اسلوب تلقي الأموال، ولكن "لسبب ما" لم يتم فتح هذه الملفات.
في قضية ليبرمان عينيا، فإن التهمة الأساسية الموجهة له هي تلقي أموال غير مشروعة، من خلال شركات وهمية أقامها في دول أخرى، وأبرزها النمسا وقبرص، ولكن "سؤال المليون"، يدول حول هوية مصادر هذه الأموال، وهدف "القوى الخفيّة" في تحويل ملايين الدولارات لشخص ليبرمان، الذي يتقدم في جهاز السلطة الإسرائيلية تباعا، وقد تم التلميح أكثر من مرّة إلى أن "أطراف قضية ليبرمان" قد تصل إلى عصابات الإجرام المالي في العالم، وخاصة في روسيا.
ومسألة "القوى الخفية" يجري الحديث عنها في فترات متباعدة في إسرائيل، بالتلميح أكثر من الحديث المباشر، وليس من المستبعد أن هذا ناجما عن خوف "أصحاب المعلومات" من رد فعل تلك "القوى".
ولكن ما هو ظاهر للعيان أن إسرائيل تواجه في السنوات الأخيرة، محاولات متعددة لتقليص دائرة اتخاذ القرار، وتوجيه ضربات للحيز الديمقراطي، خاصة في الجهازين البرلماني والقضائي، وقد برز هذا الأمر مع وصول حزب "كديما" إلى الحكم في ربيع العام 2006، بعد ستة أشهر من تبلوره على يد رئيس الحكومة الأسبق أريئيل شارون، الذي سقط فور إقامة الحزب على فراش المرض في غيبوبة ما يزال غارقا فيها.
في ظل تلك الحكومة بدأ وزير القضاء حاييم رامون بالكشف عن مخططات لضرب الجهاز القضائي من خلال تقليص صلاحيات المحكمة العليا، التي في كثير من الأحيان كانت تنقض بعض القوانين، إضافة إلى أن رئيسة الكنيست (البرلمان) من نفس الحزب، داليا ايتسيك، وجهت ضربة جدية للعمل البرلماني، الذي تراجع كثيرا في السنوات الأخيرة.
وبعد تورط رامون في فضيحة جنسية، جاء مكانه من كان يوجهه في محاولات ضرب الجهاز القضائي، البروفيسور في الحقوق دانييل فريدمان، الذي أثار عاصفة من خلال سلسلة اقتراحات لضرب مكانة وصلاحيات المحكمة العليا، إلا أنه لم ينجح في إقرارها.
وكان من المثير أنه خلال عملية تشكيل حكومة بنيامين نتنياهو، طالب أفيغدور ليبرمان بابقاء الوزير فريدمان في منصبه ليواصل ما بدأ فيه، رغم انه يعتبر مستقلا من الناحية الحزبية، إلا أنه نتيجة لتوازنات حزبية جرى استبداله بشريك له في المؤامرة على الجهاز القضائي، وهو يعقوب نئمان، الذي أعلن عن سلسلة مقترحات سيأتي بها لإجراء تغيير في أنظمة العمل البرلماني لتقليص قوة تأثيره على الحكومة، وبدء مسيرة التفرد بالحكم، إضافة إلى سلسلة قوانين لتقليص مجال عمل المحكمة العليا.
إن نفس الجهات التي تموّل السياسيين في إسرائيل معنية بشكل مباشر في تقليص دائرة اتخاذ القرار في السلطة، ولهذا فهي تبحث عن "الرجل القوي" الذي بإمكانه أن يضمن لها هذا الهدف، فاعتقدت بداية أن أريئيل شارون هو الأنسب لتحقيق هذا الهدف، إلا أنه سقط على فراش المرض، وتبين لها لاحقا أن حكومة أولمرت لم تنجح في تحقيق الهدف، حتى حين انضم لها لفترة ما أفيغدور ليبرمان، ولهذا لن يكون من المفاجئ أن يتبين، بعد فترة ما، أن نفس القوى التي أوصلت أولمرت إلى الحكم هي ذاتها التي أسقطته عنه، لتستبدله بشخص بنيامين نتنياهو، مدعوما من ليبرمان.
أما كيف أن ليبرمان يكون مكلفا بهذه المهمة من قبل "القوى الخفية" ويواجه هذا الكم من التحقيقات الجنائية، فهذا يعود إلى ما قيل بداية، أن عدة مجموعات "خفيّة" تتصارع في ما بينها على الاستيلاء على الحكم من خلال أشخاص، وقد يكون ليبرمان يتلقى ضربات من مجموعات منافسة.
ولهذا فبالإمكان القول، إن تكشف فضائح الفساد في المؤسسة الإسرائيلية هو انعكاس مباشر لحرب عصابات تسعى للسيطرة على الحكم، وهذا قد يكون مشهدا داخليا في المؤسسة الإسرائيلية، ولكنه يتقنع بقناعات سياسية، من بينها التطرف اليميني العنصري، لكسب عواطف الجماهير الواسعة.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر