إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



باراك وحكاية "مبادرة السلام"

الجمعة 24/4/2009
برهوم جرايسي- "الغد" الأردنية

سارع وزير الحرب الإسرائيلي إيهود باراك يوم الأحد الفائت إلى ما يتقن سياسيو إسرائيل فعله في السنوات الأخيرة، وهو "تسريب" موقفه في الاجتماع السياسي "المغلق" الذي عقده رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، بحضور الإثنين ووزير خارجيتهما أفيغدور ليبرمان، وليعلن أنه طالب نتنياهو بالعمل على إعداد خطة سلام إقليمية شاملة "تعتمد المبادرة العربية للسلام".
للوهلة الأولى نحن ليس فقط أمام تطور سياسي مهم في إسرائيل، وإنما أيضا أمام منعطف جاد في حكومة نتنياهو، بمعنى أن مطلبا كهذا في حكومة يمينية متشددة، من شأنه أن يتسبب بشرخ، سيقود إلى أزمة حكومية داخلية، ولكن هذا كله "للوهلة الأولى".
احتياجات المرحلة الحالية ليست بث أجواء التشاؤم وإغلاق جميع الأبواب، التي أغلقتها السياسة الإسرائيلية ذاتها، إلا إن التفاؤل بحاجة إلى أقدام ثابتة على الأرض وقراءة الواقع على حقيقته، دون مبالغة أو نقصان، وهذا يتطلب أيضا فحص هوية الداعي، في حالة باراك وغيره، لأن خلفيته السياسية ضرورية لفهم حقيقة ما يدعو إليه.
وواقع الحال يؤكد أن إيهود باراك، على الأقل في السنوات التسع الأخيرة، ليس من أولئك الذين يدعمون الحل الدائم في الحلبة السياسية الإسرائيلية، وهو لم يكتف بتبني هذا الموقف الرفضي، بل تسلل كحصان طروادة إلى داخل حزب "العمل" ليتزعمه مجددا، ويقضي عليه كقوة بديلة على الساحة الإسرائيلية، بديل وفق المواصفات والمقاييس الإسرائيلية النسبية.
فباراك شارك في العملية التفاوضية في النصف الأول من سنوات التسعين بصفته رئيسا لأركان جيش الاحتلال، وما أن خلع بزته العسكرية حتى وجد نفسه وزيرا للخارجية في حكومة شمعون بيرس في خريف العام 1995 في أعقاب اغتيال رئيس الحكومة الأسبق يتسحاق رابين، ثم انقض على رئاسة حزب "العمل" في العام 1997، مدعوما من "معسكر الحمائم" القوي حتى ذلك الحين في هذا الحزب، بموجب الاعتقاد الذي كان يسود "العمل" في تلك المرحلة، بأن الحزب قد يعود إلى الحكم فقط حين يرأسه جنرال من الدرجة الأولى.
في نهاية العام 1998، وحين جرى بلورة البرنامج السياسي لحزب "العمل"، تمهيدا لانتخابات ربيع العام 1999، عارض باراك إدراج مصطلح "الدولة الفلسطينية" كأساس للحل الدائم، وفقط بعد تدخل "معسكر الحمائم"، الذي كان يحتاجه باراك كثيرا بسبب موازين القوى الحزبية الداخلية في حينه، أسقط باراك معارضته تكتيكيا وليس جوهريا، كما ستثبت ممارساته لاحقا.
ففي ولاية حكومة إيهود باراك، التي لم تصمد لأكثر من 16 شهرا، يضاف لها 4 شهور كمرحلة قبل انتخابات رئاسة الحكومة التي جرت في شباط (فبراير) من العام 2001، "نجح" باراك في تسجيل ذروة غير مسبوقة في حجم مشاريع الاستيطان في الضفة الغربية، بموجب تقارير رسمية أخرى صادرة من المستوطنين.
وبتزامن مع هذا، قاد باراك العملية التفاوضية في المسارين السوري والفلسطيني إلى نقطة صدام مخططة مسبقا، ليعلن مقولته الشهيرة: "لا يوجد شريك فلسطيني للسلام"، ليحتضنها اليمين بزعامة أريئيل شارون، وبين هذا وذاك شن العدوان الواسع على الضفة الغربية وقطاع غزة في خريف العام 2000، والذي استمر لسنوات.
واختصارا للعرض التاريخي نذكر أن باراك وحين انضم متأخرا إلى حكومة إيهود أولمرت في صيف العام 2007، استمر بما كان بدأه في حكومته، فبصفته وزيرا للحرب، هو صاحب حق التوقيع على مشاريع الاستيطان، ويكفي أن نذكر معلومة واحدة، وهي أن وتيرة الاستيطان في الضفة الغربية في العام 2008 ازدادت بنسبة 60% عن العام 2007.
وهذا أيضا وفق معطيات رسمية أكدها أولمرت نفسه قبل أسابيع قليلة من إنهاء ولايته، إذ قال ما معناه أن باراك كان حجر عثرة في الحكومة، ورفض إزالة البؤر الاستيطانية وتخفيف الحواجز العسكرية في الضفة، وهذا لا يعني أن أولمرت بريء من هذه الجرائم.
اليوم ينضم باراك إلى حكومة يمينية شرسة، وانضمامه لها أعطاها فرصة أكبر للحياة، وقد اغتصب قرار الانضمام من حزبه بالقوة، ليراهن المحللون في إسرائيل على أن هذه الخطوة، وفي حال استمرارها، ستقود إلى واحد من أمرين، إما انشقاق الحزب كليا، أو إلى تلقي ضربة قاصمة، لتجعله حزبا هامشيا، اقل منزلة من منزلته الضعيفة اليوم، بعد أن حكم إسرائيل بشكل شبه منفرد على مدى العقود الثلاثة الأولى لإسرائيل.
مناورة باراك اليوم سخيفة مفضوحة، فهو يسعى للظهور وكأنه يحافظ على "تميّز حزبه"، وأنه ليس في جعبة حكومة اليمين المتشدد بشكل مطلق، في الوقت الذي يرى فيه الضغوط الخارجية تتكاثف على حكومته، ولكن على أرض الواقع، فإن اليمين الاسرائيلي يتعلم من باراك، ما صرّح يدخل في إطار العلاقات العامة بالتسويق.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر