إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



إسرائيل وإيران والصراخ ضد العنصرية

السبت- 25/4/2004
برهوم جرايسي- "العرب" القطرية

اعتبرت إسرائيل نفسها في الأيام الماضية أنها نجحت في مهمة وضعتها لنفسها، وهي "تأليب" الدول على إيران، ورئيسها أحمدي نجاد، في أوج انعقاد المؤتمر الدولي المناهض للعنصرية، الذي رعته الأمم المتحدة للمرّة الثانية بعد ثماني سنوات على انعقاده الأول، ولكن في واقع الأمر فإننا أمام مسرحية إسرائيلية تهدف إلى حذف أنظار العالم عن جرائمها خاصة أننا في عالم موازين القوى المختلة فيه تتوق لكل ما يلهيها عن إسرائيل وجرائمها.
إن قمة العنصرية، كما تعلمنا إياها إسرائيل، هي أن تتباهى بالعنصرية وتنفيها عن نفسها في نفس الوقت، فإسرائيل قاطعت المؤتمر الدولي لمناهضة العنصرية، و"أقنعت" بعض الدول بغير جهد، بإتباع نفس الخطوة، وكانت أولى المستجيبات الولايات المتحدة، التي ما زلنا ننتظر رئيسها الجديد باراك أوباما ليقنعنا بأنه فعلا مقبل على تغيير السياسة الأميركية الداعمة بشكل أعمى للسياسة الإسرائيلية، إضافة إلى دول أخرى، على شاكلة كندا وهولندا.
وهذه المقاطعة جاءت بناء على استنتاج إسرائيل بأن مؤتمرا كهذا سيضعها على جدول الأعمال، إذ أن إسرائيل تدرك حقيقتها أكثر من أي طرف آخر، وحتى أكثر من الضحية المباشرة لعنصريتها، وكتاب قوانينها هو نموذج لكل الأنظمة العنصرية على مر التاريخ، وحتى لو بقيت الأنظمة العنصرية التي عرفها القرن العشرون الماضي، لكانت تعلمت الكثير من كتاب القوانين الإسرائيلي، كما تدرك إسرائيل أن ليس في حوزتها ما تدافع عن نفسها في وجه حقائق دامغة.
ولهذا، واستمرارا للسياسة الإسرائيلية القائمة منذ سنوات، فإنها اختارت أن تلقي كل جرائمها على "الشمّاعة" العالمية الدورية، وهذه المرّة إيران ورئيسها احمدي نجاد، ليصبح الشغل الشاغل للعالم ليس جريمة قتل شعب بأكمله بشتى الطرق، من موت بطيء وحتى مجازر، وإنما المشروع النووي الإيراني وتصريحات ومواقف نجاد.
ولتوضيح الموقف، فإنه بمعزل عن الموقف الإسرائيلي والمواقف الدولية المؤيدة لإسرائيل في ما يتعلق بالشأن الإيراني، فإن نجاد يتبع أسلوبا لم يأخذ بالحسبان اختلال موازين القوى العالمية، ووفر لإسرائيل في كثير من الأحيان مسالك هروب من محاصرة دولية لمواقفها، وهذا عدا عن أنه استدعى ضغوطا على بلاده، لم تكن بهذا القدر، على الأقل في ولاية سلفه محمد خاتمي.
ولكن مضمون خطاب نجاد الذي ألقاه في المؤتمر الدولي لم يكن أمرا خارقا، أو تجني على الحقيقة، وفي صلبها أن إسرائيل دولة عنصرية وقامت على أساس عنصري، بالأساس ضد الشعب الفلسطيني، وهذه حقيقة تاريخية، جرى فيها اقتلاع الغالبية الساحقة من شعب متجذر من وطنه، من أجل إقامة كيان لمجموعات من اليهود الأوروبيين.
ومن يتعمق في تاريخ بدايات إسرائيل، وحتى قبل قيامها، من خلال تاريخ العصابات الصهيونية وجرائمها في فلسطين التاريخية، سيجد أن العنصرية التي وجهت أساسا ضد الشعب الفلسطيني، تم استخدامها بقدر ما ضد الطوائف اليهودية الشرقية، وطبعا بفارق كبير عن التمييز المنتهج ضد فلسطينيي 48.
واذكر هذا ليس من باب التعاطف مع مجموعات يهودية شرقية واجهت سياسة التمييز، بل من اجل فهم طبيعة الفكر الصهيوني، الذي في أساسه كان يبحث عن وطن لمجموعات أثنية أوروبية وأميركية يجمعها الدين اليهودي، وفي صلب هذا مصالح اقتصادية، فالفكرة اليهودية المزعومة، لم تشمل بداية العرب اليهود في الدول العربية واليهود في دول إسلامية في الشرق، وفقط في مرحلة متأخرة جرى استقدام اليهود من هذه الدول، ومنهم من تم تهجيره بالقوة، ليكونوا شريحة اجتماعية متخصصة بالعمل الأسود، الذي رفضه يهود أوروبا وأميركا، وليكونوا بديلا عن العمال الفلسطينيين أصحاب الوطن.
فمثلا، نشرت صحيفة "يديعوت أحرنوت" الإسرائيلية في الأيام الأخيرة تقريرا موسعا، شمل آراء 20 خبيرا إسرائيليا حول تقييمهم لعمل رؤساء حكومات إسرائيل، وإحدى الملاحظات الإنتقادية التي وجهت لأول رئيس حكومة في إسرائيل، دافيد بن غريون، هو أنه وضع أسس التمييز العنصري ضد أبناء الطوائف اليهودية الشرقية.
وهذا كله، دون أن نستعرض أوجه التمييز العنصري الشرس ضد فلسطينيي 48، الذي جرت معالجته عدة مرات في هذه الزاوية، فهذا تمييز لا يقتصر على ظروف حياة بائسة، وتضييق خناق على الفلسطينيين، من أجل حثهم على مغادرة الوطن، وإنما يحصد أرواحا، في إطار سياسة الموت البطيء.
فمثلا، ووفق معطيات إسرائيلية رسمية صدرت مؤخرا، فإن معدل أعمار فلسطينيي 48 أقل بأربع سنوات من معدل أعمار اليهود في إسرائيل، كذلك فإن معدل وفاة أطفال فلسطينيي 48 لحظة ولادتهم أكثر بـ 246% من معدل وفاة الأطفال لدى اليهود، وهذا ليس بسبب جينات، وعوامل وراثية، بل بسبب ظروف حياة قاسية فرضت عليهم قسراً.
إن الضجة التي أثيرت حول مؤتمر الأمم المتحدة "ديربن الثاني" المناهض للعنصرية، كانت اكبر من حجمه ومن تأثيره، فالمؤتمر الأول عقد قبل نحو ثماني سنوات والذي هو أيضا رافقه صخب لا اقل من ذلك الذي شهدناه قبل أيام، ولم نلمس أي شيء لا من المؤتمر الأول ولا الثاني، وكما يبدو لا من الثالث أيضا.
لأن الأنظمة العنصرية وعلى رأسها إسرائيل، تتنفس أساسا من اختلال موازين القوى في العالم، التي تدعم مثل هذه الأنظمة، ودون تغيير في المعادلات الدولية، وأيضا في جدولة المصالح الدولية والإقليمية، ليتسنى الضغط فعلا على إسرائيل، فإن مؤتمرات كهذه لا يمكنها أن تخرج عن إطار ما نسميه شعبيا "طق حنك" وثرثرة واستعراضات سياسية، ليستمر الظلم والجريمة، دون أي رادع دولي لها.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر