إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



مشهد فلسطيني: لاجئون في وطنهم نواطير لقراهم

السبت 2/5/2009
برهوم جرايسي- العرب القطرية

أحيا فلسطينيو 48 هذا الأسبوع الذكرى الـ 61 لنكبة شعبهم، في نفس اليوم الذي أحيت فيه إسرائيل ذكرى قيامها، وهو التحدي القائم عبر عشرات السنوات، إلا أنه في العقدين الأخيرين بات يأخذ طابعا جماعيا وحدويا، كارتقاء جديد في تحدي المؤسسة الإسرائيلية، وإبلاغها بالرسالة التاريخية: "يوم استقلالكم يوم نكبتنا".
وتحيي إسرائيل ذكرى قيامها بتاريخ متغير سنويا، بموجب التقويم العبري، في حين أن التاريخ العالمي لهذا اليوم 15 مايو، إلا أن فلسطينيي 48، ومنذ السنوات الأولى بعد النكبة، إحياء ذكرى النكبة بالذات في اليوم الذي "تحتفل" فيه إسرائيل بقيامها، فكان إما الجلوس في البيت، أو التوجه إلى مئات القرى الفلسطينية المهجرّة والمدمرة، لاستذكار النكبة والمأساة الفلسطينية، ونقل الذاكرة من جيل إلى جيل، مع وصية استمرار النضال من أجل حق العودة.
وحاولت إسرائيل على مر السنين فرض احتفالاتها على فلسطينيي 48، مستثمرة بذلك آثار النكبة والجيل الذي عايش تلك المأساة، التي خلفت لدى قطاعات معينة عامل الخوف، ولكن التصدي لهذه المحاولات لم يتوقف، فمثلا في العام 1958، حلت هذه "الذكرى" في الأول من مايو، وأراد الحكم العسكري تنظيم "مسيرة احتفالية" بـ "استقلال إسرائيل" في مدينة الناصرة، أكبر مدن فلسطينيي 48، فتصدى المتظاهرون المحتفلين بالأول من مايو عيد العمال العالمي، ومنعوا مسيرة المؤسسة الإسرائيلية، وقد أدى هذا إلى مواجهات عنيفة في شوارع المدينة، واعتقال 400 شخص وفرض أحكام عليهم وصل بعضها إلى سنوات.

وتشير المعطيات إلى أن 25% من فلسطينيي 48 حاليا، بمعنى حوالي 300 ألف نسمة، هم لاجئون في وطنهم، بمعنى أنهم من سكان قرى هجرّت العصابات الصهيونية والمؤسسة الإسرائيلية أهاليها ودمرتها كليا.
ولهؤلاء مأساة مميزة، رغم أن "عزاءهم" الوحيد، إن صح التعبير، أنهم نجحوا في الإفلات في نير التهجير وبقوا في الوطن، فهؤلاء على الغالب يعيشون في مدن وقرى مجاورة لقراهم المدمرة، ولكن يحظر عليهم العودة إلى قراهم، وصادرت إسرائيل أراضيهم، أراضي الآباء والأجداد، بغالبيتها أراضي زراعية خصبة، ولم يبق من هذه القرى سوى بعض الأكوام الحجرية، وفي "أفضل الأحوال" لربما بقايا مسجد أو كنيسة، أو مقبرة.
وما يضاعف هذه المأساة، أنه تم سلب ألاراضي وإقامة مستوطنات يهودية عليها، تسلب خيراتهم، وفي بدايات إسرائيل تحول قسم جدي من هؤلاء اللاجئين إلى عمال بالأجرة لدى سالبي أراضيهم، من أجل ضمان القوت اليومي لعائلاتهم، التي تحولت بين ليلة وضحاها إلى محرومة من كل شيء، وحتى مواطنتها وبقاءها في وطنها بمجمله مهددا.
وعلى الرغم من أن حق العودة للاجئين الفلسطينيين لم يسقط عن الأجندة الفلسطينية، إلا أن حق اللاجئين في وطنهم بالعودة إلى قراهم لم يكن مطروحا على أجندة المفاوضات في أي مرحلة، ولا نستطيع الاتهام مباشرة بأن الأمر ناجم عن إهمال لهذا الحق، ولكن كما يبدو فإن الانشغال بملايين اللاجئين قد يسقط "الاهتمام ببضعة مئات الآلاف"!!، أو لربما ان هناك تخوفا فلسطينيا من أن الانشغال في هذا الملف قد يعيق الانشغال في عودة اللاجئين في الشتات، وكل الاحتمالات واردة.
ولكن رفض إسرائيل لعودة اللاجئين في وطنهم يعكس جانبا أساسيا في السياسة الإسرائيلية، فلطالما تدعي المؤسسة الإسرائيلية، ومعها الصهيونية، أن عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم سيفقد إسرائيل الغالبية اليهودية، إلا أن عودة اللاجئين في وطنهم إلى قراهم لن يغير شيئا في العامل الديمغرافي كونهم مواطنين في إسرائيل، ولكن عودة كهذه ستعني إعادة الأرض، ومسألة الأرض لا أقل أهمية من العامل الديمغرافي وكلاهما على نفس القدر من الأهمية في المشروع والمخططات الصهيونية.
المهمة الأساسية في نضال فلسطينيي 48 لحق عودة اللاجئين في وطنهم، يكمن في الحفاظ على الذاكرة وهوية المكان والأرض ونقل الرواية من جيل إلى جيل، والأهم توريث القناعة بحق العودة، والحفاظ على الهوية والتسميات.
وتدرك إسرائيل أهمية الوعي والتاريخ، لأنها لطالما راهنت، خائبة، على "نسيان فلسطين"، إذ اعتقد دافيد بن غريون، أنه في الجيل الثالث للاجئين، إن لم يكن الثاني، سينسى الفلسطينيون وطنهم، ولكن هذا الرهان كغيره، سقط ويسقط.
وتحاول إسرائيل تشويه هوية المكان وفرض تسميات، وهذا جزء هام في المعركة على الوعي والذاكرة، وقد قلبت الغالبية الساحقة جدا من الأسماء، إن لم تكن كلها، وأطلقت على كثير من المستوطنات أسماء شبيهة بأسماء القرى العربية التي كانت في المكان بعد تحريفها، فصفورية باتت "تسيبوري"، ولوبية باتت "لافي"، والمجيدل "مغدال"، وصفد "تسفات" وغيرها الكثير.
وأكثر من هذا، فإن إسرائيل تسعى لاختلاق هوية أخرى للمكان، وقد يستغرب البعض حينما يسمع أن إحدى المعارك التي تخوضها هيئات وقوى سياسية لفلسطينيي 48، تدور حول لافتات الشوارع، التي تحمل أسماء مشوهة للمدن والقرى الفلسطينية في الداخل، فمثلا اللافتات التي تشير إلى مدينة عكا، تحمل اسم "عكو"، واللد "لود"، وغيرها، لأن هذا أيضا جزء من الحفاظ على الذاكرة والهوية.
نضال فلسطينيو 48 لم يكن وليد السنوات الأخيرة، أو مع اتساع دور الإعلام وسقوط جدران التواصل بفعل عوامل كثيرة خلال العقدين الأخيرين، بل هو مستمر منذ النكبة ويطور ذاته ويرتقي في كل مرحلة ومرحلة حسب التطورات والمستجدات، وكلما تقدم الزمن تصبح الحاجة إلى تكثيف جهود أكثر، من أجل احتواء الأجيال الناشئة، التي تغرقها متطلبات الحياة العصرية في احتياجات الحياة اليومية، والسعي إلى مصادر الرزق وضمان العيش الكريم في ظروف سياسة تمييز عنصري، تسلب إمكانيات ممارسة حياة طبيعية.
ولكن من شارك في "مسيرة العودة" يوم الأربعاء الأخير، ويرى تنوع الأجيال وكثرة الشباب والشابات في تلك المسيرة النضالية، التي ظللتها مئات الأعلام الفلسطينية، يشعر باطمئنان، بأن الشعلة ما تزال متوهجة ورايتها أعلى وأعلى.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر