إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



استئناف العمل البرلماني بعد انقطاع فعلي دام 9 أشهر

وسط محاولات لضرب عمل اللجان البرلمانية والكتل الصغير

الثلاثاء 5/5/2009
برهوم جرايسي- المشهد الاسرائيلي

*اتساع حكومة نتنياهو أفقد الائتلاف الحاكم القدرة على إدارة العمل البرلماني و"الحل" المعروض: تقليص عدد أعضاء اللجان وضرب جميع 7 كتل صغيرة لديها 25 مقعدا *نتنياهو يهرب من الأزمات المستقبلية لحكومته عبر إقرار ميزانيتين لعامين في الدورة البرلمانية الصيفية، ولأول مرة في تاريخ الكنيست*


افتتح الكنيست هذا الأسبوع دورته الصيفية التي ستستمر حتى نهاية شهر تموز/ يوليو المقبل، وكان من المفترض أن تفتتح الدورة الصيفية في الأسبوع المقبل، إلا أنه نظرا إلى أن الكنيست لم يعمل في ظروف طبيعية في الدورة الشتوية الماضية، فقد تم تقليص عطلة الربيع بأسبوعين، إذ تم تمديد الدورة الشتوية بأسبوع، وتقديم موعد افتتاح الصيفية بأسبوع واحد.
وعمليا فإن الكنيست يعود لمزاولة عمله بعد انقطاع فعلي دام 9 أشهر، فقد اختتم الكنيست دورته الصيفية في 30 تموز/ يوليو من العام الماضي بعاصفة أحدثها بيان رئيس الحكومة السابق إيهود أولمرت، الذي أعلن فيه عن استقالته من منصبه، على خلفية سلسلة التحقيقات المتسارعة جدا بشبهات الفساد، وتوصية الشرطة بتقديم لائحة اتهام في بعضها، على أن تدخل الاستقالة حيز التنفيذ بعد أن ينتخب حزب "كديما" رئيسا جديدا له، يكون مرشحا لتشكيل الحكومة البديلة.
إلا أن انتخاب تسيبي ليفني في منتصف أيلول/ سبتمبر من العام الماضي، لم يسعف حزب "كديما"، إذ لم تنجح رئيسة الحزب في تشكيل الحكومة البديلة، بعد أن اتضح أن نتنياهو اقنع شركاء مفترضين لها بوضع العراقيل لمنع نجاح مهمة ليفني، ولكن الحزبين اللذين انصاعا لمشورة نتنياهو خسرا مكانتهما في الانتخابات الأخيرة، فحزب "المتقاعدين" تبخر بسرعة من الحلبة البرلمانية، أما حزب "شاس" فقد خسر مقعدا واحدا، ولكن تراجعت مرتبته من حيث القوة البرلمانية، من المرتبة الثالثة إلى المرتبة الخامسة، كما أن وزنه في حكومته نتنياهو اضعف بكثير من مكانته في حكومة "كديما".
وعمليا فإن الدورة الشتوية التي استمرت بداية ستة أسابيع، كانت فارغة من العمل البرلماني وسط أجواء انتخابية وحكومة ضعيفة، وبعد عطلة ثلاثة أشهر للانتخابات فإن الأسابيع المتبقية للدور الشتوية كانت أيام شلل برلماني، في ظل محاولات تشكيل الحكومة الجديدة، التي استمرت شهرا ونصف الشهر.

مدة قياسية لتشكيل هيئات الكنيست

حين ظهرت نتائج الانتخابات البرلمانية فجر الحادي عشر من شباط/ فبراير الماضي، وتبين أن لكتل اليمين واليمين المتشدد أغلبية واضحة من 65 نائبا من أصل 120 نائبا في الكنيست، اعتقد البعض أن المهمة سهلة لتشكيل الحكومة وهيئات الكنيست، ولكن التناقضات البارزة بين شركاء معسكر اليمين كانت واضحة جدا لمن قرأها منذ اللحظة الأولى، ولهذا فلا عجب في أن تشكيل الحكومة استمر أكثر من 40 يوما، بعد سلسلة من المناورات، لتوسيع الحكومة بكتل من غير "معسكر اليمين".
ونجح نتنياهو في ضم حزب "العمل"، ولكن هذا يبقى نجاحا جزئيا، لأن هذه الخطوة أفرزت انشقاقا فعليا، غير منفذ قانونيا، في حزب "العمل"، فيما بقيت واحدة من كتلتي مستوطني الضفة الغربية خارج الائتلاف الحكومي.
وبذلك فإن الائتلاف الحاكم يرتكز شكليا على 74 نائبا من أصل 120 نائبا، إلا أنه عمليا يرتكز على 69 نائبا، إذ أن خمسة أعضاء كنيست من كتلة حزب "العمل" أثبتوا تمردهم على قرار الأغلبية الهشة في حزبهم، إذ لم يمنحوا الثقة لحكومة نتنياهو بغيابهم عن الجلسة، وصوتوا ضد تعديل القانون الذي يسمح لحكومة نتنياهو بإقرار ميزانية عامين في آن واحد.
ولكن هذه الأغلبية الواضحة للائتلاف الحاكم، كلفته ثمنا باهظا، بحكومة ترتكز على 29 وزيرا، من بينهم وزير ليس عضو كنيست، إضافة إلى 9 نواب وزراء، ويضاف إليهم رئيس الكنيست، بمعنى أن 38 عضو كنيست من الائتلاف، من أصل 69 عضو كنيست ملتزما بقرارات الائتلاف الحكومي (يضاف لهم خمسة متمردي حزب "العمل)، لا يمكنهم مزاولة عمل اللجان البرلمانية، إضافة إلى الحاجة المحلة لتواجد غالبيتهم في الكنيست، خلال عمل الهيئة العامة، من أجل الحفاظ على الغالبية الائتلافية في قرارات الكنيست، بما في ذلك القوانين، وهذا سيؤدي لاحقا في كثير من الأحيان إلى حرج في عمل الحكومة والكنيست، من حيث الائتلاف الحاكم.
والمشكلة الكبرى التي تواجه الائتلاف هي قضية عضوية اللجان البرلمانية، علما أن عدد أعضاء اللجان البرلمانية المختلفة، متغير من دورة إلى أخرى، إلا أن هذا التغير محدود في إطار "المعقول"، الذي يعطي الحق لجميع الكتل البرلمانية أن تتحرك بشكل طبيعي في عملها البرلماني وفق حجم كتلها.
إلا أن حزب "الليكود" مدعوما من كتل ائتلافية اختار التغلب على مشكلة العضوية بإجراء تقليص حاد على عدد أعضاء اللجان البرلمانية، من أجل عدم الضغط على أعضاء الائتلاف الذين بقوا خارج الحكومة، واضطرار كل واحد منهم العمل في عدة لجان، مما سيؤدي إلى تضارب وضغط، وأن يفقد الائتلاف الأغلبية الفعلية في هذه اللجان بفعل الغياب، علما ان العمل البرلماني الأساسي يتم في اللجان البرلمانية وليس في الهيئة العامة.
ونرى مثلا أن ثلثي أعضاء كتلة الليكود الحاكم، أي 18 نائبا من أصل 27 نائبا لا يمكنهم العضوية في اللجان البرلمانية، وكذا الأمر بالنسبة لحزب "العمل"، إذ أن سبعة أعضاء من أصل 13 نائبا لا يمكنهم أن يكونوا أعضاء في اللجان، إضافة إلى باقي كتل الائتلاف.
وحسب المعلومات التي تفد، فإن الليكود يقترح مثلا، أن يكون عدد أعضاء اللجنة الإدارية للكنيست (لجنة الكنيست) 17 عضوا بدلا من 25 عضوا في الدورة السابقة، وهي من أهم اللجان التي تشرف على عمل الكنيست، وتحدد الكثير من آليات العمل، والأمر ذاته يسري على كل اللجان الهامة.
وهذا الأمر سيؤدي إلى حرمان الكتل الصغيرة التي لديها خمسة أعضاء كنيست وحتى ثلاثة، وهي سبع كتل برلمانية من عمل طبيعي في الكنيست، وحرمانها من عضوية الغالبية الساحقة جدا من هذه اللجان، علمان أن قوتها مجتمعة 25 نائبا من أصل 120 نائبا.
ويتضح، مثلا، أن كتلة كان لها في الدورة البرلمانية ثلاثة نواب، وارتفعت إلى أربعة نواب، فإنها ستشارك في عدد اقل بكثير من اللجان مقارنة مع الدورة السابقة.
من المفترض أن يحسم الكنيست هذه القضية هذا الأسبوع، ولكن في حال أقر ما يسعى له حزب الليكود، فإن هذا سيخلق أزمة برلمانية كبيرة، إذ تتحدث أوساط في المعارضة عن احتمال مقاطعة اللجان البرلمانية، وهو أمر غير مسبوق في تاريخ الكنيست، ولكن هذا أمر يحتاج للانتظار، وعلى الأغلب سيتم البحث عن صيغة توافقية، ولكن ما هو واضح أن تقليص عدد أعضاء اللجان سيتم، ولكن السؤال بأي مدى.

لعبة القط والفأر أيام الأربعاء

يبقى اليوم الصاخب أسبوعيا في كل دورة برلمانية، يوم الأربعاء، المخصص بالأساس لمشاريع القوانين الخاصة، ليست الحكومية، ومواضيع البحث المختلفة التي يبادر لها النواب وتقرها رئاسة الكنيست.
وعادة فإن الحكومة ترفض الغالبية الساحقة جدا من القوانين التي يبادر لها النواب، وبشكل خاص مشاريع نواب المعارضة، ولهذا فإن هذا اليوم الذي يشهد عادة حراكا برلمانيا مكثفا، تجري فيه لعبة "القط والفأر" بين الائتلاف والمعارضة، إذ تحاول المعارضة في الكثير من الأحيان تمرير مشاريع قوانين تعارضها الحكومة، رغم أن هذه النجاحات تبقى في الغالب محدودة، فإن مرت في الهيئة العامة بالقراءة التمهيدية، فإنه مكتوب لها الفشل في مرحلة الإعداد في اللجان البرلمانية.
إلا أن المعارضة في هذه الدورة، التي تبقى أكثر تماسكا نسبيا، من المعارضة في الدورة الماضية، ستحاول استغلال كبر حجم الحكومة وتغيب وزراء ونوابهم عن يوم العمل البرلماني، من أجل تمرير أكثر ما يمكن من القوانين في المرحلة التمهيدية.

لأول مرة إقرار ميزانيتي عامين

سينشغل الكنيست في هذه الدورة، ولأول مرة في تاريخه، بإقرار ميزانيتي عامين، العام الجاري 2009، والعام المقبل 2010، وقد أقر الكنيست، في الأسبوع الأول من الشهر الماضي نيسان/ ابريل، في جلسة استثنائية، المساح بهذا الإجراء، كخطوة استثنائية، دون أي مؤشر إلى أن يكون هذا قانونا دائما.
ويدعي رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو إن هذه الخطوة تهدف إلى تقليص الجهود، إذ أن الكنيست مطالب بإقرار ميزانية العام الجاري حتى نهاية الشهر الجاري أيار/ مايو، ثم سيكون مطالبا من جديد، ابتداء من تشرين الأول/ أكتوبر، إقرار ميزانية العام 2010.
ولكن هذا الهدف المعلن ما هو إلا تستر على الأزمة الحقيقية "الهامدة" مرحلية في حكومته، ويعرف أنها في مرحلة ما ستتفجر، ويدرك أكثر أن إقرار الموازنة العامة في كل عام، هي مناسبة لتفجير الأزمات الائتلافية وممارسة الضغط الداخلي في الحكومة، من أجل تمرير مطالب مالية وغيرها.
وهربا من أزمات كهذه، توجه نتنياهو للتخلص من "موسمي" ضغط، وإقرار ميزانيتي العامين في بدايات عمل الحكومة، وأخذ فرصة تستمر 15 شهرا إلى حين بدء الانشغال في ميزانية العام 2011.
ولكن على الرغم من أهمية فرصة إقرار الموازنة العامة، فإن تفجر الأزمات لا يقتصر عليها، ولكن تنشأ سلسلة من الحالات و"المناسبات" لتفجيرها، مثلا حين يقرر الحزب الحاكم نيته تمرير قانون أو مشروع سياسي خلافي، وهي قضايا قد تنشأ، مثلا، في حال اضطر بنيامين نتنياهو إلى إتباع مسار سياسي في اتجاه العمل التفاوضية، بغير ما يصرّح به حتى الآن.

بعض ملامح الأزمات المفترضة

الأزمات المفترضة التي ستواجه حكومة بنيامين نتنياهو متعددة، وفي اتجاهات مختلفة، منها الجانب السياسي، الذي من غير الواضح كيف سيتطور لاحقا، ومسألة الضربات التقشفية الموجه ضد الشرائح الفقيرة والضعيفة، إضافة إلى مسألة تماسك الكتل الائتلافية المشاركة في الائتلاف الحكومي.
وبداية فإن الائتلاف الحكومي سيقف أمام امتحان طلب وزارة المالية، ومن فوقها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، اقرار ميزانية عامة تقشفية تتضمن الكثير من الضربات الاقتصادية الصعبة الموجهة ضد الشرائح الفقيرة والصعبة، وهو ما يجب، نظريا، أن يلقى معارضة شديدة في كتل "العمل" و"شاس" و"يهدوت هتوراة".
أما في قضية تماسك الكتل البرلمانية، فعلى رأسها مسألة حزب "العمل" ففي حيال جرى انشقاق فعلي في الكتلة البرلمانية، بمعنى خروج خمسة أعضاء كنيست من أصل 13 عضوا، فإن هذا يستوجب، نظريا، تغيير في التشكيلة الحكومية، إذ حسب توزيع المقاعد الوزارية يجب أن يخسر حزب "العمل" وزيرين ونائب وزير، فيما ستتغير حصته في عضوية اللجان البرلمانية، وسيهبط وزن الائتلاف رسميا إلى 69 نائبا من أصل 120 نائبا، مما يقلص الفارق مع المعارضة، ويصعب عمل الائتلاف الحاكم.
كذلك هناك قضية شبهات الفساد الموجهة إلى وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، فعلى الرغم من أنه جرى تخفيف في لهجة وسائل الإعلام في الأيام الأخيرة، إلا أن التوصية بتقديم لائحة اتهام ضده تبقى أكبر من أي فرضية أخرى، مما يعني اضطراره للاستقالة من منصبه، والسؤال الذي سيكون مطروحا، يدور حول هوية من سيشغل منصب وزير الخارجية الرفيع، الذي لا يظهر أي مرشح واقعي في حزب "يسرائيل بيتينو" الذي يتزعمه ليبرمان، ليشغل هذا المنصب في حال استقالة مفترضة لليبرمان.
والسياق الطبيعي لهذا الاستنتاج، هو أن رئيس الحكومة نتنياهو سيطلب إعادة النظر في تركيبة حكومته من هذه الزاوية، الأمر الذي سيرفضه ليبرما، خاصة وأنه صرّح بموقف كهذا، حتى قبل أن يتولى مهامه كليا.
إلى ذلك، فإن الائتلاف الحاكم قد يواجه مشاريع قوانين تبادر لها المعارضة، من شأنها أن تثير خلافات داخلية في الائتلاف الحكومي، مثل، مشروع قانون الزواج المدني الذي ينص عليه برنامج حزب "يسرائيل بيتينو"، فهذا الحزب بحث عن صيغة توافقية تسمح له بالشراكة في حكومة نتنياهو إلى جانبي كتلتي اليهود الأصوليين "شاس" و"يهدوت هتوراة"، ولكن قسم جدي من جمهور مصوتي ليبرمان كانوا يتوقعون أن يحقق شيئا في هذا المضمار، ولهذا فإن إدراج مشروع قانون كهذا من قبل المعارضة سيضعه أمام امتحان صعب أمام جمهور الناخبين.
ويضاف إلى هذا مشاريع قوانين أخرى تتعلق بمسألة الإكراه الديني، لتكون امتحانا ليس فقط لحزب "يسرائيل بيتينو"، وإنما أيضا لوزراء حزب "العمل".

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر