إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



نتنياهو و قرية الغجر

الأربعاء 6/5/2009
برهوم جرايسي- الغد الأردنية

"يتضح" من خبر تصدّر صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، يوم الأحد الأخير، أن جناحين بدءا ينبتان على كتفي رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو، وأن إحدى حارات قرية الغجر السورية المحتلة، تستعد "لفجر الحرية"، وإن شئتم أكثر، فإن "حكومة فؤاد السنيورة" بإمكانها أن لا تبذل أي جهد انتخابي لضمان فوزها في الانتخابات البرلمانية المقبلة، لأنها باقية في مكانها بقرار ودعم مباشر من نتنياهو وحكومته.
ويتحدث عنوان النبأ بتلهف تطغى عليه الجديّة، أن نتنياهو "قرر" الانسحاب من قرية الغجر الواقعة على الحدود بين لبنان وهضبة الجولان السورية المحتلة، بينما حيثيات الخبر تتحدث عن انسحاب من حي صغير من القرية الصغيرة أصلا، وتسليمها للسلطات اللبنانية، رغم تأكيد الأهالي على أنهم سوريون، وأن قريتهم سورية جرى احتلالها ضمن احتلال هضبة الجولان عام 1967، إلا أن ترسيم الحدود الذي أجرته الأمم المتحدة بعد العام 2000، تبين أن قسما من القرية واقع في الأراضي اللبنانية.
أما السبب الذي تعلنه الصحيفة فهو "قرار" نتنياهو بأن يظهر أمام الأميركان كمن ينصاع لطلب الولايات المتحدة بهذا الشأن، وأيضا من أجل "دعم حكومة فؤاد السنيورة" قبيل الانتخابات البرلمانية اللبنانية بعد نحو شهر.
لا سقف للوقاحة الإسرائيلية، فاسطوانة قرية الغجر لا تكف عن الدوران في الخطاب الإسرائيلي، في كل مرّة تواجه فيها الحكومة الإسرائيلية ضغطا خارجيا من أجل دفع العملية التفاوضية، وهي تسرع نحو قرية الغجر بخبث مفضوح وهذا لسببين على الأقل: الأول أن سلطات الاحتلال تعرف أنها حين تعلن نيتها الانسحاب من جزء من القرية لصالح لبنان فإن المعارضة تأتي بالذات من أهالي القرية، لأن الأهالي يؤكدون أنهم سوريون، وأي انسحاب يجب أن يكون للقرية كلها وحدة واحدة إلى الوطن الأم سورية.
وانسحاب كهذا سيشق عائلات عن بعضها ويضرب نسيجها الاجتماعي، ويضرب مصادر رزق قرية محاصرة بالكاد يصل عدد سكانها إلى 2200 نسمة، ويحول القرية إلى ثكنة عسكرية مما يضيق مجال حركة الحياة الطبيعية.
أما ثانيا، فإن إسرائيل تتوهم بأن كثرة الحديث عن قرية الغجر يبعد الحديث عن مساحات لبنانية ما تزال تحت الاحتلال، عند مزارع شبعا، التي تتمسك بها سلطات الاحتلال.
ولكن ما يزيد الطين بلة في حكاية قرية "الغجر" هو الإعلان عن أن حكومة بنيامين نتنياهو، دون سواها، معنية بدعم حكومة فؤاد السنيورة، ودون التدخل بالشأن الداخلي اللبناني إطلاقا، إلا أنه لا توجد وصفة أقوى لهزيمة التيار الذي يمثله السنيورة، من أن تعلن إسرائيل عن دعمها المعلن له.
ومسألة "الدعم" الإسرائيلي "الصريح" للتيار الحاكم حاليا في لبنان ظهرت مرارا في السنوات الأخيرة، فقد سبق إيهود أولمرت خلفه نتنياهو، بالنوايا الإسرائيلية التي ينبعث منها اللهب لشدة سخونتها.
وتقتبس الصحيفة "مصدرا سياسيا" في مكتب نتنياهو، إذ يقول، إن خطوة كهذه من شأنها أن تُظهر نتنياهو كشخص قادر على التنفيذ، والتلميح واضح هنا، وموجه للمسار الفلسطيني، إلا أنه شتان بين الأمرين كما أن لا علاقة بينهما، وكل ما في الأمر محاولة بائسة لشد الأنظار، والادعاء أن في إسرائيل حكومة تتحرك سياسيا، وهو ادعاء زائف.
في الأيام المقبلة، وخاصة قبيل لقاء نتنياهو بالرئيس الأميركي باراك أوباما، في الثامن عشر من الشهر الجاري، كما هو مفترضا، سنشهد الكثير من الأنباء الشبيهة، والبالونات التجريبية التي يتقن نتنياهو إطلاقها، على لسان "المصدر السياسي الكبير"، وهي إحدى تسميات نتنياهو، كما طلب ذلك بنفسه من الصحفيين خلال ولاية حكومته الأولى في النصف الثاني من تسعينات القرن الماضي.
وتواصل إسرائيل الرسمية الحديث عن كل شيء بصراخ مدوي، عن "إيران النووية"، وعن انتخابات لبنان "الكونية المصيرية"، وعن انفلونزا الخنازير، على أن أمل أن تجذب "انفلوزات أخرى تلهي العالم، وكل هذا باستثناء قضية واحدة، وهي أن إسرائيل سبب الصراع الشرق الأوسطي، وأن لا حل من دون حل القضية الفلسطينية.
هناك ضرورة للتعامل مع الأنباء الواردة من مكتب رئاسة الحكومة الإسرائيلية بحذر شديد، والتدقيق أكثر في جوهرها، لأنه مهما يعلن نتنياهو عن "نوايا"، فإنها لن تكون أكثر من إعادة صياغة لمواقفه السياسية المتعنتة في محاولة بائسة لتجميلها، وهي ابعد بكثير عن الحد الأدنى للمطالب الفلسطينية المشروعة واستحقاقات الحل الدائم.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر