إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



ليفني ونتنياهو وصراع الغربان


السبت 9/5/2009
برهوم جرايسي- العرب القطرية

ما أن تشكلت حكومة بنيامين نتنياهو، بموجب تعريفها: "حكومة اليمين المتشدد"، لم يبق من ساسة المعارضة الإسرائيلية من أولئك الذين كانوا في الحكومة السابقة، حتى سارع ليجمّل نفسه، فهذا يريد الظهور "أكثر اعتدالا"، وتلك طلت نفسها بالأبيض، لتضاهي حمامة السلام ببياضها، وذاك نسي دوره في الحروب على الشعبين الفلسطيني واللبناني ليعارض الآن حكومة "اليمين"، وهكذا.
وقد برزت في هذا المشهد الاسرائيلي السخيف، وزيرة الخارجية السابقة، ومن هي اليوم زعيمة أكبر حزب معارض، تسيبي ليفني، التي باتت تعظ لنا ليلا نهارا، بكلام معسول، عن ضرورة دفع العملية التفاوضية، وعن ضرورة الاعتراف بحل الدولتين، وكأنه علينا أن ننسى من هي، وعلى الأقل ماذا كان دورها في السنوات الثماني الماضية في إطار آخر ثلاث حكومات، وكانت في آخرها الشخصية الثانية في الحكومة.
وقفت ليفني قبل أيام في واشنطن، أمام المؤتمر السنوي لأكبر لوبي صهيوني داعم لإسرائيل في الولايات المتحدة، "منظمة إيباك"، لتحذر من أن تؤجل إسرائيل حسم "القرارات الصعبة" التي عليها اتخاذها، "من أجل تطبيق رؤية الدولتين للشعبين وضمان مستقبل إسرائيل، فتجربة كسب الوقت ستزيد من خطورة مشاكلنا والتهرب من القرارات الصعبة هو خطر استراتيجي على مستقبل إسرائيل".
وتعترف ليفني "مشكورة" في خطابها، بأنها ما تزال تؤمن بما تسميه "حق الشعب اليهودي بأرض إسرائيل"، أي فلسطين التاريخية، ثم تدعي بأنها لا توافق "أولئك الذين يدعون في إسرائيل إلى السيطرة على كل بقعة أرض بالإمكان السيطرة عليها".
لا جديد حين نقول أن ليفني وقحة، فهذه ميزة معروفة عنها، ولكن ما تثبته الآن هو أن لا حدود لوقاحتها، فهي تراهن على قصر ذاكرة عالم بأسره، ففي اليوم الذي ألقت فيه الخطاب، كان قد مر عليها 35 يوما، لا أكثر، على إنهاء مهامها في وزارة الخارجية وتسليمها لخلفها، الإرهابي أفيغدور ليبرمان، وهذا بعد ثلاث سنوات ونصف السنة في الوزارة، وبعد ست سنوات كاملة كانت فيها عضوا في أضيق حلقة لاتخاذ القرارات في حكومتي أريئيل شارون وإيهود أولمرت، فما الذي فعلته طيلة هذه السنوات من أجل دفع العملية التفاوضية، إن كان على المسار الفلسطيني أو على المسار السوري؟.
فليفني شريكة في كافة قرارات حكومتا أريئيل شارون وإيهود أولمرت لشن الحروب مرارا على الشعب الفلسطيني وأيضا على الشعب اللبناني، وهي شريكة من الدرجة الأولى، وبحماس منقطع النظير، لكافة المشاريع الاستيطانية في الضفة الغربية المحتلة، وخاصة في القدس المحتلة وضواحيها، وما المشاريع التي شرع نتنياهو بتسريعها في الأسابيع الأخيرة، سوى تلك التي أقرتها ليفني وحكومتها الزائلة.
عام ونصف العام جلست ليفني تثرثر في مفاوضاتها مع المفاوض الفلسطيني أحمد قريع، فأي تقدم أحرزته، لتطالب الآن بتسريع المفاوضات.
وليفني ليست وحيدة في وقاحتها، بل معها عدد كبير من وزراء حكومة إيهود أولمرت، لينضم اليهم في الآونة الأخيرة وزير الحرب السابق عمير بيرتس، الزعيم السابق لحزب "العمل"، الذي يعارض الآن خطوة زعيم حزبه ووزير الحرب الحالي إيهود باراك، بانضمامه إلى حكومة بنيامين نتنياهو.
وهنا أيضا لا حدود للوقاحة، فبيرتس هذا وافق بترحاب على ضم الإرهابي ليبرمان إلى حكومة أولمرت، وكان شريكا له لأشهر طويلة في نفس الحكومة، واليوم يعارض شراكة باراك في حكومة بنفس مقاييس سابقتها.
ما يراد قوله في هذه المعالجة، إن هناك إفراطا ومبالغة في الحديث عن حكومة "اليمين المتشدد" الإسرائيلية، لأن في هذا ومن دون قصد، تبييض لصورة الحكومة السابقة برئاسة إيهود أولمرت، وكأنها كانت أقل تشددا، وأنها بالفعل كانت تسعى للحل الدائم، ولكن الحقيقة تؤكد أن الفرق الوحيد بين الحكومتين، هو أن حكومة أولمرت مارست وفعلت وطبقت كل ما تصرح به حكومة نتنياهو اليوم، من دون أن تتحدث جهارة عن هذا، في حين أن نتنياهو يريد مواصلة نفس النهج وتصعيده، ولكن بالحديث علنا.
فحكومة أولمرت أعلنت أنها تتبنى فكرة الدولتين، ولكنها على أرض الواقع فعلت كل شيء من اجل تدمير أية إمكانية صغيرة قبل الكبيرة، لإقامة دولة فلسطينية مستقلة سيادية على كامل الأراضي المحتلة منذ العام 1967، وفي الأشهر الـ 12 الأخيرة لها، أقرت مشاريع استيطانية لبناء ما لا يقل عن 10 آلاف بيت استيطاني في الضفة الغربية، أكثر من 7 آلاف بيت منها في القدس المحتلة والمستوطنات المجاورة لها، والباقي في مستوطنات متفرقة في جميع أنحاء الضفة الغربية.
وعززت حكومة أولمرت مكانة أكثر من 100 بؤرة استيطانية وحولت ما لا يقل عن 34 بؤرة منها إلى مستوطنات ثابتة، وفي غالبية هذه البؤر يجري بناء ثابت، رغم تعهدات إسرائيل أمام الأسرة الدولية بإزالتها من الضفة الغربية المحتلة.
وهذا كله عدا عن سياسة الحصار والتجويع التي ثبتتها حكومة أولمرت ضد قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة، لتصبح واقع حال وعملية قتل بطيء لملايين الشعب الفلسطيني.
وبطبيعة الحال فإن نتنياهو، ورغم كل المخططات التي خلفتها له حكومة أولمرت، إلا أنه يريد هو أيضا ترك بصمات شخصية له على عملية تدمير آفاق الحل المنهجية، وهو يعلن جهارة، وبتحدي تطغى عليه العنجهية الإسرائيلية، بأنه يرفض إطلاقا حل الدولتين، وبالفعل فهو سيواصل فعل كل ما من شأنه تدمير هذا الحل.
إن تسيبي ليفني التي تحاول الآن التستر بقناع "حمامة السلام" ما هي إلا غراب، تواجه الغراب نتنياهو، وما نشهده في إسرائيل من حرب كلامية بين أطراف الحلبة الإسرائيلية، ما هو إلا صراع غربان، مليء بالضجيج والنعيق.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر