إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



الإعلام الإسرائيلي يتلاعب بنا

الخميس 14/5/2009
برهوم جرايسي- "الغد" الأردنية

مرّة أخرى نقف أمام مشاحنة إعلامية داخلية فلسطينية، تسخّر الشائعات الإسرائيلية المُغرضة لحرب الاستنزاف الفلسطينية الداخلية، التي لا نعلم متى ستتوقف، وهذه المرّة من خلال خبر نشرته صحيفة "معاريف" الإسرائيلية، نسجه "الكاتب السياسي" في الصحيفة بن كسبيت، الشهير بعدم مصداقيته ومواقفه اليمينية العنصرية الوقحة.
وخبر بن كسبيت الجديد، يقول إن في وزارة الخارجية الإسرائيلية "وثيقة رسمية" تدعي أن السلطة الفلسطينية "ضغطت" على إسرائيل لتشن حربا على قطاع غزة، وقد تم اطلاع الوزير العنصري أفيغدور ليبرمان عليها، وأن جهات مسؤولة في الحكومة الإسرائيلية "غاضبة الآن" من أن مسؤولين في السلطة الفلسطينية ذاتها، عملوا بعد تلك الحرب على تقديم دعاوى دولية ضد مجرمي الحرب الإسرائيليين.
وقبل أن تضرب أشعة الشمس صفحات هذه الجريدة العنصرية الصفراوية، لتزيدها اصفرارا، كان الناطق بلسان حركة حماس في قطاع غزة، فوزي برهوم، قد أعد بيانا ساخنا، يتعامل مع هذا الخبر كحقيقة كاملة متكاملة غير قابلة للتأويل، ليواصل على أساسها سياسة التخوين، ثم يذيل بيانه بديباجات الدعوة لمواصلة الحوار، الذي لا ينتهي، وكما يبدو على هذا الحال لن ينتهي.
وهذه ليست المرّة الأولى التي نقف فيها أمام هذا المشهد، وهو واحد من مشاهد كثيرة، تتسلى بها إسرائيل لتتسلى بنا، وهي واثقة من أن "تسلياتها" لن تمر بهدوء على الساحة الفلسطينية، فقبل خمسة أشهر من الآن، صدرت نفس الصحيفة، ونفس الكاتب بعنوان صارخ يدعي أن دولا عربية "تضغط على إسرائيل" لتغتال قيادات في حركة حماس، وفي حينه تم تمرير بضعة أيام ليظهر ناطقون فلسطينيون ليدعوا أن "بحوزتهم معلومات استخباراتية تؤكد أن دولا عربية طلبت من إسرائيل اغتيال قيادات في حركة حماس"، وهذا نموذج واحد، لنماذج كثيرة لا تتوقف.
لا يمكن حتى لعابر سبيل في السياسة إلا أن يقرأ الهدف من دس خبر كهذا، وفي توقيت كهذا، من صحيفة متهاوية في إسرائيل تقترب من حافة الإغلاق، ومن صحفي يفتقر للحد الأدنى من الأخلاقيات الصحفية، حتى الحلبة الإسرائيلية تستهتر بما ينشره.
هذا النبأ يظهر في توقيت تتكثف فيه الأنباء عن برودة الاتصالات الإسرائيلية الفلسطينية، وعن رفض الرئيس الفلسطيني محمود عباس لقاء رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، طالما أنه يصر على مواقفه المتشددة، وسياسة الاستيطان ورفض حل الدولتين، وبتزامن مع توجه عباس إلى سورية للقاء الرئيس السوري بشار الأسد، وكثرة مؤشرات الانفراج في العلاقات العربية العربية، وفوق هذا كله، بوادر لاحتمال تقدم في الحوار الفلسطيني الفلسطيني، وهذا كله يزعج إسرائيل الرسمية، المعنية الأكبر باستمرار الخلافات العربية الداخلية، وأكثر من هذا، فهي معنية باستمرار الخلاف الدموي الفلسطيني الداخلي، لأن كل هذا يصب فقط في مصلحتها هي.
لست في موقع دفاع عن أي طرف فلسطيني، أو مهاجمة طرف آخر، ولا يوجد فصيل فلسطيني كبير بريء من جريمة حالة التشرذم الفلسطينية الداخلية القاتلة، فبقدر ما، فإن الخلافات السياسية الداخلية هي أمر مشروع، طالما أن الخلاف يبقى في إطار الاجتهادات المتعلقة بالمصلحة الفلسطينية العليا، ولا يشكل عائقا أمام تقدم ودفع القضية الفلسطينية إلى الأمام.
ولكن ما هو غير مسموح ومرفوض كليا، هو أن نسمح للعدو ليفرض علينا أجندته ويتحكم بلهيب الخلافات الداخلية، ليكون بقدرته رفع لهيبها متى شاء، طالما أن هذا الخلاف يصب في مصلحته.
ومن المعيب جدا أن تقبل أي جهة فلسطينية كانت، بجعل نفسها عنصرا في الحرب النفسية التي تمارسها إسرائيل طيلة سنوات على الشعب الفلسطيني، وحتى أن تصدق شائعات بهذا المستوى الرخيص، لاستثمارها في حرب تحصيل المكاسب السياسية الضيقة لهذا الفصيل أو ذاك، وبما يضر مسيرة التحرير الفلسطينية.
في هذه الأيام ننتظر جولة جديدة من الحوار الفلسطيني الداخلي، الذي تحول إلى حوار الفضيحة والاستهتار بمصلحة شعب يُذبح يوميا بيد احتلال شرس، وهذا عدا عن الذبح الذاتي، سنوات من الحوار دون أي أفق يُطمئن الشعب الفلسطيني، الذي بات أسيرا ليس فقط تحت الاحتلال، وإنما أيضا لخلافات داخلية، ولهذا يجب الإسراع في وقف هذه المهزلة، والانتقال إلى مرحلة جديدة للشعب الفلسطيني، ليكون قادرا بالفعل على دفع قضيته إلى الأمام، في مساري المقاومة الشعبية الواسعة والمفاوضات.
وإلا فإن استمرار حالة الانقسام والتشرذم، والإصغاء والتجاوب مع الحرب النفسية الإسرائيلية التي تشن علينا دون توقف، يقول إن شعبنا لم يعد بحاجة إلى عدو طالما أننا ننهك قوانا بأيدينا.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر