إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



تحالف الصهيونية مع النازيين الجدد

السبت 23/5/2009
برهوم جرايسي- "العرب" القطرية

احتفلت أوساط واسعة في العالم في التاسع من الشهر الجاري بالذكرى الرابعة والستين للنصر على النازية، وهي ذكرى دخول الجيش الأحمر السوفييتي إلى برلين ورفع علمه الأحمر على الرايخستاغ النازي (البرلمان)، وسقوط النظام النازي كليا في المانيا.
وليس غريبا أن إسرائيل رفضت على مدى عشرات السنين الاعتراف بهذا اليوم، ليس من منطلق عدم الاعتراف بدور الاتحاد السوفييتي في دحر النازية في الحرب العالمية الثانية، وإنما لأن هذا اليوم هو نصر لكافة الشعوب التي وقعت ضحية للاجتياحات النازية وجرائمها، بينما إسرائيل والحركة الصهيونية من خلفها، لا تريدان الاعتراف بأن هناك شعوبا عانت وتعذبت من الإرهاب النازي، لا أقل مما واجهه أبناء الديانة اليهودية، ولن ندخل في حرب إحصائيات، ولكن تكفي الإشارة إلى أن الاتحاد السوفييتي وحده، سقط فيه حوالي 20 مليون ضحية في تلك الحرب، وبالإمكان القول إن هذه الحرب كلفت كل شعب من الشعوب الأوروبية مئات الآلاف وحتى الملايين من الضحايا.
وهذا الموقف الإسرائيلي الصهيوني لم يأت من فراغ، بل يستند إلى الأيديولوجية الصهيونية، التي هي أيضا كأيديولوجيات عنصرية خطيرة شهدها التاريخ، تعتبر أبناء الديانة اليهودية شعبا، وتضعه بنظرة استعلائية فوق كل الشعوب، بدءا من بدعة "شعب الله المختار"، وصولا إلى استنتاج بأن جرائم النازية هي الأخطر في التاريخ البشري، وحتى كل الجرائم ضد الإنسانية التي وقعت وستقع بعد النازية، لن تكون بمستواها، ولهذا فإن "الشعب اليهودي" هو المعذب الوحيد على الأرض، ويحق له ما لا يحق لغيره، وكل من يناهض سياسة الإجرام الإسرائيلي، يكون معاديا لما يسمى بـ "السامية"، ومعاديا لليهود.
لقد حولت إسرائيل جرائم النازية ضد اليهود إلى مسألة تستثمرها لتبرير سياستها العنصرية القاتلة، ولتبرير إرهاب الدولة الذي تمارسه ضد الشعب الفلسطيني، وتسعى من خلال هذه المسألة دس انفها في سياسات دول العالم، وهي مسألة جرى بحثها مرارا.
هناك ضرورة للتأكيد على أن هذه أيديولوجية وسياسة تفرضها الحركة الصهيونية، وتبث أجوائها بين الجمهور في إسرائيل وبين أوساط يهودية في العالم، ولكن هذا لا يعني إطلاقا تذنيب اليهودية بأسرها بهذه القضية.
إن طرح هذه القضية مجددا يأتي على خلفية ما ظهر مؤخرا من تحالف بين قوى النازية الجديدة وقوى أوروبية مقربة جدا منها، وبين قوى صهيونية إسرائيلية عنصرية متطرفة خاصة من عصابات المستوطنين، وهذا التحالف المعلن جهارة يعكس حقيقة وطبيعة الصهيونية كأيديولوجية عنصرية بامتياز، وأنها نموذج لأيديولوجيات عنصرية ظهرت في التاريخ، وخاصة التاريخ الحديث، وعلى هذا الأساس فإن إسرائيل ليست بحاجة إلى تسميات مثل "نظام أبرتهايد" و"نظام فاشي" لتوضيح طابعها العنصري.
في الأسبوع الماضي، ولشديد السخرية، بتزامن مع الاحتفال بالنصر على النازية، عقدت قوى النازية الجديدة وقوى عنصرية أوروبية أخرى، مؤتمرا عنصريا في كولونيا الألمانية ضد الاسلام والمسلمين في أوروبا، وما يُثلج الصدر أن حركة المناهضة لهذا المؤتمر كانت بالذات محلية من المانيا وأوروبا ذاتها.
وقد برز في هذا المؤتمر الحضور الإسرائيلي الصهيوني، وظهر عدد من المشاركين في المؤتمر العنصري وهم يلتفون بالأعلام الإسرائيلية تباهياً، وما كان من أن أحد المراسلين العرب في إحدى قنوات التلفزة الإخبارية العربية إلا أن عبر عن استهجانه لهذه المشاركة، ولكن بطبيعة الحال فإنه أطلق تساؤله هذا بنية حسنة، ولا يمكن تذنبيه، وكما يبدو لكثرة حديث إسرائيل عن النازية، ليلاقي الأعلام الإسرائيلية أمامه في مؤتمر بهذا المستوى.
وهذه ليست المشاركة والتعاون المكشوف الأول بين قوى صهيونية عنصرية وقوى نازية، فمثلا أحد أعضاء الكنيست العنصريين في إسرائيل، آرييه إلداد، عقد في العامين الأخيرين في إسرائيل أكثر من لقاء مشترك مع قوى النازية الجديدة بتسمياتها المختلفة، تحت عنوان "خطر الاسلام" أو "خطر الإسلام على أوروبا"، وغيرها من التسميات، وهذه اللقاءات كانت مفتوحة تدعى اليها وسائل الإعلام.
وعلى الرغم من أن طبيعة المشاركين الأوروبيين معروفة جدا لساسة إسرائيل وأجهزتها القضائية ولوسائل الإعلام الإسرائيلية، فإن أحدا لم يعترض على هذه اللقاءات، لا بل لاقت ترحيبا لدى الكثيرين.
وهذه ليست الحالة الوحيدة لهذا الشراكة والتلاقي في المواقف بين إسرائيل والصهيونية والقوى العنصرية في أوروبا، فمثلا في الماضي القريب سعت جهات إسرائيلية لتبرير عنصرية الفرنسي لا بن، الذي نافس أكثر من مرّة على الرئاسة الفرنسية، بأن عنصريته ليست موجهة ضد اليهود، بمعنى أنها عنصرية "مشروعة"، طالما انها ضد العرب والمسلمين.
ولا تستطيع إسرائيل أن تتنكر لهذا التحالف الوثيق بين قوى سياسية بارزة لديها، وبين قوى النازية الجديدة في أوروبا، أو أن تدعي أن هذا لا يمثل السياسة الإسرائيلية الرسمية، لأن هذه القوى الإسرائيلية تتحرك بشكل فعال وواضح، وذات تأثير متنامي باستمرار على الحلبة السياسية، وصولا إلى أرفع مستويات الحكم في إسرائيل، ممثلة بأحزاب المستوطنين التي تتحالف ضمن كتل برلمانية مختلفة، وأيضا حزب "يسرائيل بيتينو" الذي يتزعمه الوزير العنصري بامتياز أفيغدور ليبرمان.
إن من يتابع جرائم عصابات المستوطنين الدموية ضد الشعب الفلسطيني، وغض الطرف الإسرائيلي عنها، إن لم يكن دعمها "من رواء الكواليس"، يأتي بدعم إضافي للاستنتاج غير القابل للتأويل بأن الأيديولوجية الصهيونية والحركة الصهيونية برمتها هي واحدة من أخطر الحركات العنصرية في العالم، وما قرار الأمم المتحدة في سنوات التسعين الماضية، بإسقاط صفة العنصرية عن الصهيونية، كثمن لأجواء انفراج محدودة شهدها الشرق الأوسط، ما هو إلا غبن إضافي ضد الشعب الفلسطيني والشعوب العربية، وتزوير فاضح للحقيقة التاريخية.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر