إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



من دون ضغط لا قيمة للخلاف

الجمعة 22/5/2009
برهوم جرايسي- "الغد" الأردنية

حتى أشد المناهضين للسياسة والهيمنة الأميركية، وبشكل خاص بعد ثماني سنوات دموية لإدارة جورج بوش، لا يمكنه تجاهل أن شيئا ما، ولو محدودا، يتحرك في البيت الأبيض، وأن هذا التغيير برز خلال لقاء الرئيس الأميركي باراك أوباما برئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو مساء الإثنين الماضي.
ولكن من جهة أخرى، فإن أكثر المتفائلين عليه أن لا يسارع للاحتفال بهذا التغيير، طالما أنه حتى الآن ينحصر في إطار الكلام، وعليه الالتفات إلى التجربة مع السياسة الأميركية، فالخلاف الحاد بين مواقف أوباما ونتنياهو سيبقى من دون قيمة طالما انه بقي من دون ضغط فعلي على إسرائيل، لإجبار حكومتها على تغيير توجهاتها.
الانطباع السائد في إسرائيل هو أنه لم تكن مفاجأة في هذا اللقاء، ولكن في نفس الوقت فقد اعتبره محللون سابقة في العلاقات الإسرائيلية الأميركية، نظرا لمستوى الخلاف واتساع الفجوات بين مواقف الجانبين، وبرودة اللقاء بينهما، فقد تحدثت الصحافة الإسرائيلية وحتى الأميركية مطولا عن التغيرات الجارية في سياسة البيت الأبيض مع دخول باراك أوباما إليه، ولهذا فإن أوباما لم يفاجئ أحدا بمواقفه، ولكن من جهة أخرى فإن نتنياهو فاجأ بعض المحللين الإسرائيليين الذين توقعوا منه أن يتحدث في واشنطن بصياغات التفافية في محاولة للتستر على حجم الخلاف القائم.
إلا أن نتنياهو حافظ هو أيضا على مواقفه مستندا بهذا على أمرين رئيسيين، الأول: أن لديه في الكنيست أغلبية برلمانية واضحة داعما لمواقفه السياسية، وستشكل حامية له أمام أي ضغط سياسي أميركي عليه، فالائتلاف الحاكم اليوم يرتكز على 74 نائبا من بينهم خمسة متمردين من حزب "العمل" بزعامة وزير الحرب إيهود باراك، ولكن حتى لو نظريا، انسحب "العمل" من الحكومة على خلفية عدم التقدم بالعملية السياسية، فإن لنتنياهو 61 نائبا من أصل 120 نائبا، لينضم اليهم أربعة نواب آخرين من كتلة "هئيحود هليئومي" التي تمثل مستوطني الضفة الغربية، بمعنى دعم سياسي ثابت من 65 نائبا.
أما الأمر الثاني، فهو أن نتنياهو ما يزال يراهن على قوة المحافظين الجدد في الولايات المتحدة، الذين كانوا الداعم الأكبر لإدارة جورج بوش، وقد يعتقد نتنياهو أنه بالإمكان في مرحلة ما توحيد قوة المحافظين الجدد مع اللوبي الصهيوني، من أجل ممارسة ضغط مواز على باراك أوباما لمنعه من ممارسة أي ضغوط على حكومته.
ففي ظل إدارة بيل كلينتون حاول نتنياهو تشكيل ضغط أميركي داخلي على البيت الأبيض، وفي اتجاهات مختلفة، ولن ندخل هنا إلى ما قيل في حينه أن أصابع اللوبي الصهيوني ومن خلفه نتنياهو لم تكن بعيدة عن قضية بيل كلينتون مع سكرتيرته مونيكا لوينسكي، ورغم ذلك فإن نتنياهو لم ينجح في حينه، كما أن المرحلة الحالية تشهد متغيرات كثيرا على الساحة الأميركية الداخلية، اقتصاديا وسياسيا، لا تضمن مساندة قوية لنوايا نتنياهو وحتى أن رسالة 76 سيناتورا لأوباما هذا الأسبوع، دعما لإسرائيل، لا يمكن اعتبارها دعما مطلقة لأجندة نتنياهو السياسية.
من جهة أخرى، واستنادا للدعم البرلماني الإسرائيلي، فإنه لا يمكن توقع أي تغيير في سياسة حكومة نتنياهو من دون ممارسة الضغط عليها، لأنه حتى الرهان على أي شرخ في القاعدة البرلمانية الداعمة لنتنياهو هو رهان خاسر، حتى قبل أن يظهر.
وإمكانيات الضغط موجودة لو أرادت إدارة أوباما استخدامها، فإسرائيل تحصل سنويا من واشنطن على دعم عسكري بقيمة 3 مليارات دولار بالمعدل، في حين أن 30% من مجمل الصادرات الإسرائيلية إلى العالم تتجه إلى الولايات المتحدة، إضافة إلى الدعم المالي والتقني للمشاريع العسكرية الإسرائيلية التطويرية لأهداف تجارية أيضا.
ولكن الأهم هو أن الكثير من الدعم السياسي الدولي لإسرائيل في العالم نابع من ضغط أميركي على دول في العالم، وهذا أيضا مكتسب إسرائيلي بالإمكان استخدامه كوسيلة ضغط عليها.
في العام 1991 قررت إدارة جورج بوش الأب الضغط على حكومة يتسحاق شمير، بسبب تعنتها ورفضها التقدم بالعملية التفاوضية التي انطلقت في مؤتمر مدريد في خريف نفس العالم، بأن حجب بوش عن حكومة شمير ضمانات مالية أميركية لإسرائيل بقيمة 10 بلايين دولار، وفي ربيع العام 1992 سقطت حكومة شمير، أيضا بسبب متغيرات ايجابية في الشارع الإسرائيلي بفعل انتفاضة الحجر الفلسطينية، فإن شذ بوش الابن عن درب والده، فهل سيختار أوباما التعلم من تجربة أحد أسلافه؟.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر