إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



الخلاف الاسرائيلي الأميركي بين الشكلية والجوهر


السبت 23/5/2009
برهوم جرايسي- "العرب" القطرية

حاول رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، منذ اللحظة الأولى لمغادرته البيت الأبيض بعد لقائه الرئيس باراك أوباما، وحتى عودته إلى إسرائيل، بث أجواء وكأن هناك نقاط التقاء بين حكومته والإدارة الجديدة في البيت الأبيض، محاولا التقليل من حجم الخلاف المعلن بين الجانبين، وهو ما برز خلال المؤتمر الصحفي الذي جرى في البيت الأبيض بين الطرفين.
بطبيعة الحال لا يمكن الإسراع في استخلاص النتائج وكأن الخلاف بين إدارة أوباما وحكومة نتنياهو هو خلاف على المستوى الاستراتيجي، أو أنه سيؤثر على العلاقات العميقة بين البلدين، لأن مستوى العلاقات الإستراتيجية التي تربط إسرائيل بالولايات المتحدة أعمق بكثير من أن يمس بها مستوى الخلاف القائم، هذا إذا كان الخلاف جوهريا أصلا.
ورغم ذلك فإن الخطاب الصادر من البيت الأبيض في الآونة الأخيرة يختلف كثيرا عن ذلك الخطاب الذي ساد في واشنطن على مدى السنوات الثماني الماضية بالذات، والفترة المقبلة ستكون امتحانا فعليا لهذا الخطاب ومدى قدرته على تحريك المسارات السياسية في الشرق الأوسط في الاتجاهات الصحيحة الكفيلة بإيصال المنطقة إلى مرحلة الاستقرار والهدوء.
والخلاف الظاهر أمامنا تمحور في مسألة الحل القائم على أساس الدولتين، الذي تريده الولايات المتحدة وترفضه حكومة نتنياهو، وأيضا في مسألة الاستمرار في استيطان الضفة الغربية، الذي تطالب الولايات المتحدة بوقفه، والمسألة الثالثة سعي إسرائيل إلى تأزيم الوضع أمام إيران وجر العالم إلى حرب ضدها في أقرب وقت، وموقف الإدارة الأميركية الداعي إلى منح المسار الدبلوماسي أمام ايران فرصة.
ولكن من جهة أخرى فهناك نقاط التقاط وتوافق، فمثلا إدارة أوباما، وكما نفهم من سلسلة تصريحات، لا ترفض طلب حكومة نتنياهو الذي ورثته عن حكومة أولمرت، وهو انتزاع بند تطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل، من مجمل المبادرة العربية للسلام وتطبيقه بداية، من دون أي علاقة بباقي بنود المبادرة التي هي شروط مبدئية لتطبيق بند كهذا، أي أن إسرائيل تريد المكسب من دون أن تدفع "الثمن".
وحسب مصادر إسرائيلية فإن مسألة التطبيع قد تظهر في الخطة السياسية المفترضة، التي قد يعلن عنها الرئيس باراك أوباما في القاهرة، في الرابع من يونيو المقبل.
أما في مسألة الاستيطان، وعلى الرغم من الموقف الأميركي الذي يبدو وكأنه موقفا حازما، فإن أوباما وافق على طلب نتنياهو بإقامة لجنة مشتركة بين البلدين للبحث في مسألة المستوطنات، وهذا على أساس المبدأ السائد في إسرائيل: "إذا أردت أن تقضي على قضية فشكل لها لجنة"، إذ يسعى نتنياهو إلى استغلال لجنة كهذه من أجل المماطلة والتهرب من تجميد فوري للاستيطان، تحت غطاء أن الأمر قيد التفاوض مع الإدارة الأميركية.
وحتى ما نشر عن خلاف حول كيفية التعامل مع المشروع النووي الإيراني، فهو أيضا ليس جوهريا إطلاقا، أضف إلى هذا أن الولايات المتحدة تتعامل بشكل انتقائي مع المسألة النووية في الشرق الأوسط، وتواصل إتباع "السياسة الضبابية" في كل ما يتعلق بالمشروع النووي الإسرائيلي، وهذا يعني فعليا منح غطاء أميركي للمشروع النووي الاسرائيلي الأخطر في المنطقة، وعدم مطالبة إسرائيل بالتوقيع على معاهدة حظر نشر السلاح النووي في العالم، على الرغم من أن مساعدة لوزيرة الخارجية الأميركية دعت في الآونة الأخيرة إسرائيل للتوقيع على المعاهدة، كمطالبتها بالأمر ذاته من الهند والباكستان.
يرى مراقبون أنه يجب عدم الاعتماد على اللقاء الأول بين أوباما ونتنياهو لتقييم المرحلة المقبلة، رغم أن هذا اللقاء بالإمكان اعتبره مؤشرا لما سيأتي، ولكن كما هو الحال في العقدين الأخيرين، فإن توقعاتنا تقفز من تاريخ إلى تاريخ، والتاريخ الجديد هو الرابع من يونيو المقبل، الموعد الذي سيلقي فيه أوباما خطابا سياسيا في القاهرة، وسيتضمن مواقف سياسية أميركية تتعلق بالصراع الشرق الأوسطي، وهناك من يرى أن الخطاب هو عبارة عن خطة سياسية جديدة، وهناك من يقول إن الخطاب سيكون تعبيرا عن سلسلة مواقف وليس خطة سياسية متكاملة.
على أي حال، فإن ذلك الخطاب من المفترض أن يكون نقطة بداية فعلية للمرحلة المقبلة، ترسم بالأساس طبيعة العلاقات الأميركية مع دول الشرق الأوسط، ولنعي من خلال الخطاب مدى جدية التوجهات السياسية الجديدة في البيت الأبيض.
ورغم ذلك فإن معادلة التغيير المنشود واضحة، وهي أنه من دون ضغط دولي فعلي على إسرائيل، وبالذات من حليفتها الإستراتيجية التاريخية، الولايات المتحدة، فإنه لا يمكن انتظار أي تغيير سياسي داخل إسرائيل، خاصة وأن نتنياهو مطمئن لأغلبية برلمانية يمينية متطرفة تضمن بقاء حكومته، طالما أن أزمتها هي مع العالم من جانب سياسي.
ولكن بطبيعة الحال لا يمكن انتظار الضغط الأميركي فقط، خاصة وأنه مشكوك بحجمه قبل أن يظهر، بل هناك دور أوروبي عليه أن يأخذ دوره، كما كان في سنوات سابقة، حين اضطرت الإدارة الأميركية إلى أخذ الدور الأوروبي في حساباتها لدى تقييمها مسألة التعامل مع إسرائيل.
والأهم هو رص الموقف العربي، وعدم الاستجابة إلى توجهات إسرائيلية، قد نقرأها في المستقبل القريب ضمن الخطاب الأميركي، مغلفا "بإغراءات" تبقى على الورق، والقصد هنا انفتاح إسرائيل على الدول العربية، إن كان على مستوى التطبيع، أو على مستوى تعديل المبادرة العربية، أو بتعبير أصح، "تمييع المبادرة العربية، في قضية عودة اللاجئين وغيرها، لأن هذا ليس فقط ثمن يدفع لإسرائيل من دون مقابل، بل سيكون عمليا تشجيع إسرائيل على الاستمرار بسياستها الرفضية تجاه العملية التفاوضية، إن كان على المسار الفلسطيني أو السوري.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر