إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



القوانين العنصرية ضد فلسطينيي 48

السبت 29/5/2009
برهوم جرايسي- "العرب" القطرية

استأنف الكنيست الإسرائيلي في الأيام الأخيرة عملية سن القوانين العنصرية الموجهة بالأساس ضد فلسطينيي 48، إضافة إلى قوانين أخرى تعزز سلطة الاحتلال وهي موجهة ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، ويجري الحديث عن عشرات القوانين التي تحاول بشكل بائس انتزاع الهوية الوطنية لفلسطينيي 48، وإجبارهم على "التعهد بالإخلاص" لإسرائيل كدولة "يهودية صهيونية ديمقراطية".
وكان سن هذه القوانين قد تصاعد في السنوات الأخيرة، وسجل في الدورة البرلمانية قبل الحالية ذروة غير مسبوقة، وكما يبدو، إلى درجة التأكد، فإننا أمام دورة برلمانية ستسجل ذروة أعلى من سابقتها، وقد بدأت بمشروع قانون يمنع فلسطينيي 48 من إحياء ذكرى نكبة شعبهم، وقانون آخر يفرض عقوبة السجن لمدة عام على كل من يرفض اعتبار إسرائيل "دولة يهودية ديمقراطية".
ومسلسل القوانين العنصرية في إسرائيل بدأ منذ الأيام الأولى لإسرائيل على المستوى المؤسساتي، بمعنى بمبادرة حكومات إسرائيل مباشرة، ومن أبرزها سن ما لا يقل عن 40 قانونا، "تجيز" لإسرائيل مصادرة الأراضي العربية، إن كانت للمطرودين من وطنهم، وتم تسجيلهم "غائبين"، أو لأولئك الذين بقوا في وطنهم ورغم ذلك تم تسجيلهم "غائبين" لكونهم لم يكونوا في منطقة سكناهم أثناء تسجيل السكان، أو المصادرة لغاية المصادرة من ملاكين، بزعم "خدمة مشاريع دولة".
وتبع ذلك سلسلة من القوانين، مثل قانون الهجرة الذي يمنع أي فلسطيني من العودة إلى وطنه، وقوانين ذات طابع سياسي أشد، مثل منع الالتقاء بممثلي منظمة التحرير الفلسطينية، وهذا ما كان في سنوات الثمانين، والكثير من القوانين التي يصعب حصرها هنا.
إلا أنه في السنوات الأخيرة بدأنا نشهد قوانين بمبادرة خاصة من أعضاء كنيست عنصريين، يسعون أولا وقبل كل شيء إلى تطبيق أفكارهم وأيديولوجياتهم العنصرية، وأيضا في إطار السعي للشهرة والبقاء في الساحة السياسية، إذ أن مقياس العنصرية بات هاما جدا لإيصال الشخص إلى دائرة القرار، كما رأينا مثلا حزب "يسرائيل بيتينو" بزعامة الإرهابي بامتياز أفيغدور ليبرمان، الذي حل في المرتبة الثالثة في الانتخابات الأخيرة، بعد حملة انتخابية عنصرية ضد العرب، ويقف حزبه الآن على رأس المبادرين لهذه القوانين العنصرية.
وقسم كبير من هذه القوانين حظي بدعم الحكومة، وغالبيتها تم إقرارها من الهيئة العامة للكنيست بشكل مبدئي، وبقي أمامه ثلاثة مراحل، وبسبب انتهاء الدورة البرلمانية دون نقلها إلى مراحل التشريع الثلاث الأخرى، فمن المتوقع أن يتم طرحها من جديد لإقرارها مبدئيا.
وفي هذه الدورة فقد تبنت الحكومة قانونا يمنع الفلسطينيين من إحياء ذكرى النكبة، وقانونا آخر يفرض عقوبة السجن لمدة عام على من يعلن ما يلغي كون "إسرائيل يهودية ديمقراطية"، ونحن في انتظار سلسلة رهيبة من القوانين، من بينها ما قد يطرح خلال أيام على الكنيست للتصويت عليه، مثل إجبار كل مواطن على التوقيع على تعهد باعترافه بإسرائيل كونها "دولة يهودية صهيونية ديمقراطية" كشرط للحصول على بطاقة الهوية، حتى وإن ولد في وطنه، والمستهدف هنا العرب.
ومن القوانين المعدة للتصويت عليها، قانون يسمح لوزير الداخلية سحب مواطنة كل من يرفض الاعتراف بيهودية إسرائيل، وقانون آخر يتشرط الخدمة العسكرية في جيش الاحتلال للقبول في الجامعات الإسرائيلية، وقانون أقر مبدئيا في الدورة الماضية، يلغي صبغة العنصرية عن مؤسسة حكومية تسمى بـ "دائرة أراضي إسرائيل"، في حال رفضت بيع أو تأجير أراض لعرب، رغم أن الغالبية الساحقة من هذه الأراضي هي بالأساس أراض عربية مصادرة، وغيرها الكثير.
وتحظى هذه القوانين عادة بأغلبية ساحقة في الكنيست، تعتمد على الائتلاف الحاكم، وأيضا من المعارضة اليمينية، في حين ترتكز المعارضة على الكتل الوطنية الثلاث الناشطة بين فلسطينيي 48، إضافة إلى أعضاء كنيست يهود بالأساس من اليسار الصهيوني، وحتى من أحزاب يمينية عقائدية، وهؤلاء يعارضون قوانين كهذه من منطلق أنها تسيء لإسرائيل أكثر مما تسيء للمواطنين العرب.
لطالما تميز كتاب القوانين الإسرائيلي بعنصريته، إلا أنه بلغ في السنوات الأخيرة ذروة جديدة، بعد أن بات يتضمن سلسلة قوانين، كانت ستتبناها جميع الأنظمة العنصرية التي عرفها التاريخ الحديث في القرن الماضي وما قبله، بمعنى أن قوانين إسرائيل بإمكانها أن تكون مرشدا لأكثر الأنظمة العنصرية في العالم.
من الواضح أن ظاهرة كهذه من شأنها أن تثير القلق بين أوساط فلسطينيي 48، خاصة وأنها قوانين تحاول تهديد بقاءهم في وطنهم، وتقيد حرية تعبيرهم ونشاطهم السياسي، إلى جانب تقييد كل مسارات تطويرهم، إن كان على صعيد السكن والأرض، أو على مستوى التعليم وصولا إلى مصادر الرزق وأماكن العمل.
ولكن هذا القلق لا يعني الخوف، بل روح التحدي والتصدي لهذه السياسة تتصاعد باستمرار، دون أي مؤشر لتراجعها، وهذا مصدر اعتزاز، وفي حال استمرت ظاهرة سن القوانين وتحولت بالفعل إلى قوانين قابلة للتنفيذ، فهذا سيقود إلى مسار تصادمي جديد وأشد بين المؤسسة الحاكمة وفلسطينيي 48.
وهذا المشهد مقروء أيضا لدى جهات إسرائيلية، ليس فقط يسارية، بل أيضا مؤسساتية، وهي قلقة منه، وتدعو إلى وقفه.
ولكن من غير الممكن أن تنحصر المعركة ضد عنصرية إسرائيل بفلسطينيي 48، وهناك حاجة ضرورية إلى رفع الأمر إلى المستويات الدولية، والبدء بمحاسبة إسرائيل أيضا على نظامها العنصري، إلى جانب محاسبتها كدولة تمارس الاحتلال وترتكب جرائم ضد الإنسانية.
فعلى من أن التجربة علمت أن لا أمل من ظهور ضغط دولي على إسرائيل، أو من أن تنصاع لإسرائيل لأي ضغط أو حتى توجهات دولية ضد سياستها، إلا أن تحركا دوليا من شأنه أن يحرك شيئا في الرأي العام العالمي، والنظرة إلى إسرائيل، وهذا الأمر بالذات يثير اهتمام المؤسسة الإسرائيلية.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر