إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



باراك حصان طروادة اقتحم "العمل" لتنفيذ أجندة عسكرية


الثلاثاء 2/6/2009
برهوم جرايسي- "المشهد الاسرائيلي

إيهود باراك، وزير الأمن، ورئيس حزب "العمل"، لم يردعه تهاوي الحزب الذي يقوده نتيجة قبوله بدور "حزب الظل" لحكومات اليمين، فانضم إلى حكومة يمين متشدد، ليعطيها ثباتا، بثمن انشقاق محتمل في حزبه، وإذا كان باراك أحد ألغاز الحلبة السياسية، فإن ممارساته الأخيرة فككت الكثير من هذه اللغز، وقدمت الكثير من الأجوبة على التساؤلات، ليتأكد لنا من جديد أن باراك يعمل الآن في حكومة ذات مناخ سياسي مطابق لتوجهاته، فمن أنت إيهود باراك، وأين أنت من اليمين واليسار؟
ولد إيهود باراك في شباط/ فبراير من العام 1942، في إحدى المستوطنات الصهيونية في وسط فلسطين، وانضم إلى الجيش ضمن قانون التجنيد الإلزامي في العام 1959 ضمن وحدة المدرعات، وحتى قبل أن يكمل 18 عاما من عمره، وشارك في حروب إسرائيل التي اندلعت بعد ذلك الحين، حرب حزيران/ يونيو 1967، وتشرين الأول/ أكتوبر العام 1973، وحرب لبنان 1982 ومن قبل ذلك اجتياحات للبنان، والمعارك المتتالية على الضفة الغربية وقطاع غزة وغيرها.
ولكن باراك، المعروف عنه بأنه الحاصل على أكبر عدد من الأوسمة العسكرية في تاريخ الجيش الإسرائيلي، قاد أكثر العمليات تعقيدا، مثل عملية انهاء اختطاف طائرة "سابانا" في العام 1972 في مطار تل أبيب الدولي، وتحرير الطائرة المخطوفة في عنتيبي في أوغندا في العام 1976، ولكنه معروف عنه أيضا أنة قاد جريمة اغتيال القائد الفلسطيني خليل الوزير، ابو جهاد، في نيسان/ أبريل العام 1988 في تونس، وإن أخفى باراك هذه الحقيقة، فإنه لطالما وقف على منبر الكنيست ليتباهى أكثر من مرّة كيف أنه تخفى بزي امرأة في العاصمة اللبنانية بيروت في مطلع سنوات السبعين ليغتال شخصيات فلسطينية.
في العام 1981 حصل باراك على رتبة لواء في الجيش، ومن هناك بدأ يتبوأ مناصب عسكرية رفيعة من أهمها رئاسة قسم التخطيط، ورئاسة جهاز الاستخبارات العسكرية، إلى أن تولى منصب نائب رئيس أركان الجيش في العام 1987، وليتولى رئاسة الأركان في العام 1991 وحتى ربيع العام 1995.
وخلال توليه المنصب الأول في الجيش شارك في العملية التفاوضية ضمن مسار أوسلو مع الجانب الفلسطيني، وأيضا في المسار السوري المتقطع.

بدايات سياسية

كالكثير من رؤساء الأركان الـ 13 الإسرائيليين الذين سبقوه، كان واضحا أن باراك، وبعد أن يخلع البزة العسكرية، سيتجه إلى المعترك السياسي، والغالبية الساحقة من رؤساء الأركان حتى تلك المرحلة وجدوا طريقهم إلى حزب "العمل" بتسمياته السابقة المختلفة، خاصة وأنه انفرد في الحكم على مدى السنوات التسع والعشرين الأولى لإسرائيل، ليتناوب عليه لاحقا مع حزب "الليكود".
ولكن انضمام باراك إلى حزب "العمل" جاء سريعا، وأسرع مما كان متوقعا، فقد خلع بزته العسكرية في ربيع العام 1995، وبعد ثلاثة أشهر استدعاه رئيس الحكومة يتسحاق رابين ليتولى منصب وزير الداخلية دعما لحكومته المتداعية في الشارع، نتيجة احتدام نشاط اليمين المتطرف، الذي قاد نشاطات تمرد وتحريض على القتل، على خلفية المفاوضات مع منظمة التحرير الفلسطينية، ضمن مسار أوسلو، وبلغت حملة اليمين ذروتها باغتيال رابين في الرابع من تشرين الثاني/ نوفمبر من العام 1995.
بعد أيام من الاغتيال شكل شمعون بيرس حكومة بديلة، وكان من الواضح أنها تتجه نحو انتخابات مبكرة، ولكن بيرس أراد باراك إلى جانبه في منصب أرفع تدعيما لعمل الحكومة السياسي، إذ كان بحاجة في حينه إلى شخصية عسكرية "مرموقة" تدعم طابع الجنرالات الذي طغى على حزب "العمل"، خاصة بعد رحيل رابين الذي كانت له مكانة عسكرية خاصة في المجتمع الإسرائيلي.
وفي ربيع العام 1996 جرت لأول مرّة في تاريخ إسرائيل انتخابات لرئاسة الحكومة بالتزامن مع الانتخابات البرلمانية ولكن منفردة، وبشكل مفاجئ خسر شمعون بيرس رئاسة الحكومة لصالح بنيامين نتنياهو بفارق ضئيل، وبأقل من 1%.
وقد نجم عن هذا تحول سياسي كبير في إسرائيل، إذ أن نتنياهو وصل إلى الحكم وبجعبته أجندة تعارض المسار التفاوضي مع الفلسطينيين، إلا أنه وجد نفسه مرغما على الاستمرار في المسار التفاوضي، الذي تعثر مرارا بسبب مواقف حكومة نتنياهو، ولكن أيضا بسبب صعوبات جمّة في داخل حكومته اليمينية.
في المقابل فإن الصدمة وضعت حزب "العمل" أمام أسئلة مصيرية، فلأول مرة في تاريخ الحزب المؤسس لإسرائيل، أسدل الستار عن آخر القيادة التاريخية للحزب، فالمنافسة على قيادة الحزب بين رابين وبيرس استمرت قرابة 18 عاما، وانتهت أولا باغتيال رابين، ومن ثم بخسارة بيرس.
ووجد حزب "العمل" نفسه يبحث عن ذلك الجنرال القادر على أن ينهض بالحزب من جديد، اعتمادا على العقلية المسيطرة بأن جنرالا فقط قادر على قيادة الحزب والدولة، وكان فوز باراك في العام 1997 على جميع منافسيه في الحزب سهلا جدا، خاصة وأن باراك حاز على دعم مطلق مما كان يسمى بـ "جناح الحمائم" وفيه أسماء لامعة، تؤيد العملية التفاوضية، ومواقفها ذات طابع يساري صهيوني، فهذا الجناح تمسك بعقلية الجنرال المنقذ، ورأى بقيادة باراك الخلاص للحزب.
لم يكن باراك قد كشف أوراقه في تلك المرحلة، ولكن الصدام الأول بينه وبين "حمائم" حزب "العمل" انتهى بسرعة وقبل أن يتأجج، وكان هذا حين أراد حزب "العمل" إقرار البرنامج السياسي للانتخابات البرلمانية التي جرت في ربيع العام 1999، ففي حينه عارض باراك إدراج مصطلح "الدولة الفلسطينية"، ولكن ضغط "الحمائم" عليه أجبره على أن يلف ذيوله بسرعة ويتراجع، إذ أنه كان بحاجة لهذا الدعم ليستكمل تركيبة لائحة الحزب للانتخابات البرلمانية.
في تلك المرحلة ظهرت بعض التحركات التي أثارت عواصف في داخل حزب "العمل"، فقد بادر باراك إلى تقليص جهاز الموظفين، وإجراء عدة تغييرات بنيوية في الحزب، ولكن أحدا لم ينتبه إلى ما في جعبة باراك من نوايا، واليوم نقرأ هذه التحركات من جديد، على ضوء ما يفعله اليوم، وهذا ما سنأتي عليه هنا.

باراك رئيس حكومة

فاز إيهود باراك في أيار/ مايو العام 1999 برئاسة الحكومة بسهولة كبيرة على منافسه المتهاوي بنيامين نتنياهو، وقد خلق هذا الفوز حالة من الانفراج السياسي، مع كثرة الحديث عن نية باراك تسريع العملية التفاوضية في مسار أسلو، التي كان مرّ عليها أقل بقليل من ست سنوات، وعلى الرغم مما حققته من تقدم محدود على الأرض، إلا أنها لم تنته في ذلك العام وفق ما كان مخططا لها.
في السنوات الأخيرة بدأنا نقرأ ما فعله باراك في فترة رئاسة حكومته التي استمرت عشرين شهرا بشكل أوضح.
ما يتأكد لنا في هذه المرحلة أن باراك وصل إلى سدة الحكم السياسي مع أجندة عسكرية تهدف إلى قلب جميع الأوراق وإعادة وضعها من جديد، بشكل يمنع إسرائيل من تنفيذ التزاماتها، ومنع قيام الكيان الفلسطيني المنشود فلسطينيا، ولهذا فقد سارع باراك إلى عدة خطوات.
فقد استأنف باراك بداية العملية التفاوضية، على المسارين الفلسطيني والسوري، ولكنه قادهما إلى نقطة صدامية عن سابق تخطيط بهدف تفجير المسارين، فبداية وفي مطلع العام 2000 اتجه إلى المسار السوري وأجرى مفاوضات شيبردستون في الولايات المتحدة، مع وزير الخارجية السوري في حينه، فاروق الشرع، وفجرها خلال أيام، وقيل في حينه أن الخلاف بين إسرائيل وسورية تمحور حول الخط النهائي للانسحاب، إذ رفضت إسرائيل الانسحاب إلى كامل حدود 1967، بمعنى إلى شواطئ طبريا.
في أيار/ مايو 2000 فاجأ باراك العالم بانسحاب سريع جدا من جنوب لبنان، دون أي إنذار مسبق أو انسحاب تدريجي، مستخدما عامل المفاجأة، وتبين لاحقا أن هذا كان بهدف إعادة انتشار الجيش الإسرائيلي، لمخطط سيظهر لاحقا، إذ تبين بعد أشهر طويلة ومن خلال سلسلة تقارير صحفية، أنه في تلك الفترة كان الجيش الإسرائيلي يجري مناورات على اقتحام بلدات فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وبني لهذا الأمر أحياء في صحراء النقب شبيهة ببنية مخيمات اللاجئين والمدن الفلسطينية، في فترة كان فيها مناخ المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين في مستوى مقبول.
في بدايات صيف العام 2000 طرحت الكثير من الأسئلة حول إصرار إيهود باراك على الإسراع في إنهاء المفاوضات مع الرئيس الراحل ياسر عرفات، الذي اتجه إلى كامب ديفيد وسط ضغوط أميركية ودولية، توهمت أوساط عالمية أن في جعبة باراك ما يقود للحل، في حين أن القيادة الفلسطينية لم تكن مقتنعة أن الموقف الإسرائيلي بات ناضجا إلى المستوى المطلوب المتجاوب مع آفاق الحل.
في كامب ديفيد رفض الرئيس الراحل عرفات العروض الإسرائيلية التي كانت تتعارض مع الكثير من أسس الحد الأدنى للمشروع الوطني الفلسطيني الذي هو بحد ذاته حد أدنى للرؤية الفلسطينية.
ولكن هناك حاجة للتذكير أن كل هذا كان يجري في ظل تقارير إسرائيلية مكثفة بشكل ملحوظ ومستغرب، ادعت أن فشل المفاوضات سيقود إلى انفجار يبادر له الشارع الفلسطيني.
ولكن كلنا نعرف كيف بدأ الانفجار، وكيف سمح باراك لزعيم المعارضة في حينه أريئيل شارون باقتحام باحات المسجد الأقصى، وكان الانفجار شاملا ليس فقط ضد فلسطينيي الضفة وقطاع غزة، بل أيضا ضد الجماهير الفلسطينية في إسرائيل، وكانت المقولة الاساسية التي سعى اليها باراك، وأطلقها بسرعة هي: "لا يوجد شريك فلسطيني للسلام"، وهي المقولة التي تمسك بها خلفه في رئاسة الحكومة أريئيل شارون.
فوق هذا كله، هناك حقيقة تؤكدها سلسلة من التقارير الإسرائيلية وعلى رأسها تقرير حركة "السلام الآن"، الذي يؤكد أن أعلى وتيرة للاستيطان في الضفة الغربية منذ بدء مسار أوسلو وحتى حكومتي أريئيل شارون كانت في فترة حكومة إيهود باراك.
وهذا السرد ضروري في هذه الأيام، لتفسير سلسلة من ممارسات باراك في العامين الأخيرين، ولكن دعم الاستنتاجات لتحركات باراك في تلك المرحلة جاء هذه الأيام من السفير الأميركي الأسبق في المنطقة مارتن إنديك، الذي قال في مقابلة مطولة مع صحيفة "يديعوت أحرنوت": "لقد شعر كلينتون أن باراك استغله من أجل احتياجاته وضلله، ولكن كلينتون اضطر باراك لتقديم تنازلات للفلسطينيين، وكانت المرّة الوحيدة التي ضغط فيها كلينتون على باراك في محادثات شيبردستون، إلا أن باراك أصر على مواقفه".
وانديك الأميركي اليهودي تبوأ في الماضي سلسلة من المناصب من بينها سفير بلاده في سورية ثم في إسرائيل، وبعد ذلك مبعوث وزيرة الخارجية مادلين أولبرايت في الشرق الأوسط، ورافق العملية التفاوضية لعدة سنوات عن قرب.
غاب باراك عن المسرح السياسي في أعقاب هزيمته في شباط/ فبراير العام 2001 لصالح أريئيل شارون في انتخابات رئاسة الحكومة، وأطل باراك من جديد على الساحة السياسية بعد ست سنوات، كانت دامية بشكل خاص، وكان أثر حكم باراك ومواقفه مرافقة لجميع الأحداث التي وقعت في تلك السنوات.

حزب "العمل" بعد باراك

لا يمكن تحميل إيهود باراك مسؤولية كل أسباب الانهيارات التي شهدها حزب "العمل" منذ العام 1995، ولكنه يتحمل قسطا اساسيا منها، خاصة وأن كبرى الانهيارات كانت في اعقاب توليه رئاسة الحزب في مرحلتين.
فحزب "العمل" يعاني من أزمة القيادة منذ غياب رابين عن الساحة، وهذا لأن المنافسة على زعامة الحزب تركزت على مدى 18 عاما، منذ العام 1977 وحتى العام 1995، بين الاثنين رابين وبيرس، وعرقل هذا ظهور شريحة أو شخصيات مؤهلة للقيادة، فالغالبية الساحقة من الشخصيات التي ظهرت، إما أنها ليست أهلا لتبوء المركز الأول، أو أن ممارساتها الصقت بها صفة "رجل الظل" لهذه الشخصية أو تلك.
ولشمعون بيرس حصة كبيرة جدا أيضا، في أسباب الانهيارات، فهو لم يسمح على مدى سنوات لرؤساء الحزب الذين توالوا على منصب القيادة من بعده بأن يزاولوا مهامهم، بل كان يختلق لهم المصاعب والعقبات، وليس دائما لأسباب سياسية وإنما أيضا شخصية.
وبطبيعة الحال فإن لغياب البرنامج السياسي الواضح، غير المتلعثم، عن أجندة حزب "العمل" دور مركزي في أزمة الحزب.
ولكن ممارسات باراك في رئاسته للحكومة منذ ربيع العام 1999 وحتى مطلع العام 2001، وتغييب الفوارق المحدودة بين سياسة ونهج حزبه وبين أحزاب اليمين، وتقديم الدعم المطلق لقوى اليمين في ممارساتها وانفلاتها في الشارع الإسرائيلي، وما تبع ذلك من انضمام حزب "العمل"، بزعامة بيرس ثم بنيامين بن اليعيزر، إلى حكومة أريئيل شارون الأولى وتولي مهام اليد الضاربة بالفلسطينيين، ساهم بشكل رئيسي وكبير في تلقي ضربة قاصمة في العام 2003 بهبوطه إلى 19 مقعدا من أصل 120 مقعدا.
وفي فترة غياب باراك عن الساحة لم يغير حزب "العمل" نهجه الذي ورثه عن باراك، وكان في الدورة التالية عام 2005، حزب معارضة هشة، لنصف المدة، ليكمل الدورة البرلمانية كحزب ظل في حكومة اريئيل شارون الثانية، وليحافظ على وضعية الحضيض في الانتخابات التي جرت في نهاية آذار/ مارس العام 2006، بزعامة عمير بيرتس.
تميزت فترة رئاسة عمير بيرتس لرئاسة حزب "العمل"، بأنها حلقة استمرارية لأزمة القيادة في الحزب، التي عمقها بيرتس بشخصيته الضعيفة، حين رضخ لإملاءات إيهود أولمرت، وقبل بمنصب وزير الأمن، الذي كان ابعد ما يكون عن شخص رئيس اتحاد النقابات السابق عمير بيرتس.
وخاضت حكومة أولمرت في عامها الأول حربين ضد الشعب الفلسطيني ولبنان، وكانت حرب لبنان مناسبة للكشف عن سلسلة من العيوب والخلل في بنية الجيش وتجهيزاته، ونشأ جو عام يفسح المجال مجددا أمام باراك للعودة إلى رئاسة الحزب، من خلال الهجوم الإعلامي والسياسي على عمير بيرتس، الذي دفع الثمن بخسارته المدوية في المنافسة على رئاسة الحزب، وعدم انتقاله للجولة الثانية التي انحصرت بين باراك والوزير السابق عامي أيالون، وانتهت بفوز شبه مفاجئ لإيهود باراك.

عودة باراك "المخلص"

عاد باراك إلى رئاسة الحزب في حزيران/ يونيو من العام 2007، وبعد ثلاثة أسابيع تولى منصب وزير الأمن في حكومة إيهود أولمرت، وعلى الرغم من كل ما أشيع عن أولمرت بأنه كان معنيا بفوز باراك برئاسة حزب "العمل" من أجل الإطاحة ببيرتس من منصب ووزير الأمن، إلا أن جميع التقارير الصحفية التي كانت تصدر تباعا، كانت تتحدث عن أجواء متوترة بين الإثنين.
لم يأت باراك بخطاب كالذي كنا نسمعه من قادة حزب "العمل" منذ انطلاق العملية التفاوضية في مدريد في خريف العام 1991، وما تلا ذلك في مسار أوسلو، بل إن الكثير من الأنباء التي كانت تصدر في وسائل الإعلام جرى تأكيدها لاحقا.
فباراك لم يقدم أي دفعة للمسار التفاوضي بين أولمرت ووزيرة خارجيته تسيبي ليفني، وبين القيادة الفلسطينية، وتأكد لاحقا أن باراك تذرع بأسباب أمنية واستخباراتية لرفضه رفع عدد كبير من الحواجز العسكرية المختلفة، المنتشرة في جميع أنحاء الضفة الغربية.
وأكثر من مرّة ظهرت تقارير حقوقية فلسطينية وأممية وحتى إسرائيلية تؤكد انه بدلا من تخفيف الحواجز، فإن باراك كان يأمر بزيادتها، لتصل في مرحلة ما إلى أكثر من 570 حاجزا، منها سواتر ترابية أو إسمنتية أو حواجز مأهولة بجنود الاحتلال وغير ذلك.
ومن ابرز تحركات باراك، وحسب تقرير "حركة السلام الآن"، فإن وتيرة البناء في المستوطنات في العام 2008 ازدادت بنسبة 60% مقارنة مع العام 2007، علما انه حسب قوانين الاحتلال فإن صاحب التوقيع الأخير على مشاريع البناء في المستوطنات هو وزير الأمن.
وفي الفترة الأخيرة لحكومة أولمرت نشرت صحيفة "هآرتس" تقريرا كشف عن أن باراك صادق على بناء ما لا يقل عن 2400 بيت في مستوطنات تقع شرقي جدار الفصل، في مستوطنات صغيرة ونائية يزعم الاحتلال أنه سيخليها في إطار الحل الدائم، وهذا عدا عن قراره بإقامة مستوطنة جديدة في غور الأردن.
أما البؤر الاستيطانية فتبقى حكاية قائمة بحد ذاتها، إذ أن باراك رفض عمليا إخلاء البؤر التي تعهدت إسرائيل أمام الأسرة الدولية بإزالتها، وهنا تأتي الشهادة من رئيس الحكومة السابق إيهود أولمرت، الذي قال في مقابلة صحفية له في صحيفة "معاريف" في مطلع العام الجاري: "كنت أجلس وأتحادث مع باراك من أجل إخلاء بؤرة استيطانية غير قانونية (حسب تعريفه)، وفي كل مرّة كان يعرض علي اقتراحا أنه مقابل إخلاء برميل أو خيمة، عليّ أن ابني مئات الوحدات السكنية في المستوطنات، فهذه هذه خطته للسلام".
وتابع أولمرت قائلا، إن باراك أظهر صعوبة في التعامل مع المفاوضات مع الجانب الفلسطيني، وقال "إن مواقف باراك ليست بعيدة فقط عني بل أيضا عن أعضاء كنيست في حزبه".
وقبل أيام تساءلت وزيرة الخارجية السابقة، زعيمة المعارضة الحالية، تسيبي ليفني، في مقابلة مع إذاعة الجيش الإسرائيلي، عن عدم قيام باراك بإخلاء بؤر استيطانية خلال ولاية حكومة أولمرت، وهو يحاول أن يفعل هذا اليوم.
وهذا يؤكد أن باراك وقف عمليا ضد أي احتمال للتقدم في العملية التفاوضية، رغم ان نوايا أولمرت أو ليفني لم تكن هي أيضا تتجه بالاتجاه الصحيح، ولكن باراك لعب دورا مخربا في هذا المسار التفاوضي.

باراك في حكومة نتنياهو

دون سرد لكل ما جرى خلال محاولات بنيامين نتنياهو تشكيل حكومته، نصل إلى القرار الذي اتخذه إيهود باراك، بمشاركة عدة جهات وقوى، ومن بينها مجموعات من كبار أصحاب رأس المال، وهو ادخال حزب "العمل" إلى حكومة يمين متشدد، بزعم "مصلحة الدولة"، وابعاد القوى اليمينية عن الحكومة.
إذا ما راجعنا تشكيلة الحكومة الحالية، نجد أن نتنياهو استثنى كتلة برلمانية واحدة، "هئيحود هليئومي" من حكومته، بينما انضمت لها كل كتل اليمين المتشدد، وهذا عدا عن أن في حزب "الليكود" أعضاء كنيست ووزراء مواقفهم اليمينية المتشددة بنفس مستوى مواقف "هئيحود هليئومي"، وسياسة الحكومة الملموسة حتى الآن لا تبعد اطلاقا عن نهج اليمين المتشدد، ولا نلمس أي تأثير أو معارضة حقيقية لحزب "العمل" ولوزرائه.
لا بل إن وسائل الإعلام الإسرائيلية أبلغتنا في الأيام الأخيرة أن على جدول أعمال زيارة باراك إلى واشنطن في هذه الأيام مطلب حكومة نتنياهو بالاستمرار في بناء المستوطنات وعدم تجميدها، وهذا النهج السياسي يؤكد من جديد طابع إيهود باراك، وما يسعى له في عمله ونهجه السياسي.
وفي المقابل فإن قرار انضمام حزب "العمل" إلى حكومة نتنياهو تم الحصول عليه اغتصابا في مؤتمر الحزب، وتم اتخاذه بأغلبية، فرضت عليها الكثير من أسئلة الاستفهام، ولكن ما هو واضح منذ الآن، أن هذه الخطوة لن تزيد من رصيد حزب "العمل" شعبيا، وفي حال بقي الحزب في صفوف حكومة نتنياهو، ولم يحصل انشقاق في الكتلة البرلمانية، فإنه منذ الآن بالإمكان الاستنتاج أن حزب "العمل" لن يخوض الانتخابات البرلمانية القادمة بالشكل الذي رأيناه حتى الانتخابات الأخيرة، ولا توجد مخاطرة في الرهان على أن باراك قرّب أكثر نهاية ما تبقى من حزب "العمل" على الخارطة السياسية.
أضف إلى هذا أن باراك شرع يسرع في خطواته نحو تغييرات تنظيمية وبنيوية في حزب "العمل" من أجل تعزيز قبضته عليه، واسكات المعارضة له.

خلاصة

لم يكن وهم بأن ركن الخلاص من السياسة الإسرائيلية يكمن في حزب "العمل"، ولكن في هذا الحزب كانت تيارات مختلفة، قريبة من التوجهات اليسارية الصهيونية، واقرب إلى الجهات التي تنادي بالحل، وكل شيء نسبي، وهذه القوى، التي تلاشت بغالبيتها الساحقة جدا، وضعت الحزب في خانة المؤيد إلى العملية التفاوضية، وكان باراك لاعبا مركزيا في القضاء على ملامح تميز الحزب عن حزب الليكود وباقي القوى اليمينية المتشددة.
بالإمكان الاستنتاج أن باراك تسلل إلى سدة الحكم السياسي عبر حزب "العمل"، من أجل تنفيذ أجندة أجهزة أمنية وعسكرية لم يرق لها مسار العملية التفاوضية، وكانت على قناعة بأن تغيير أوراق اللعبة وموازين القوى، مثل تدمير ما أنجز خلال المفاوضات، من جهة، وفرض وقائع أخرى على الأرض، مثل تكثيف الاستيطان الضخم، من جهة أخرى، من شأنه أن يمنع قيام دولة فلسطينية قادرة على الحياة، كان قد رفضها باراك منذ البداية، وقبلها شكلا وعلى مضض حين رئس حزب "العمل" أول مرة.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر