إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



نتنياهو والغطرسة الإسرائيلية

الثلاثاء 16/6/2009
برهوم جرايسي- "الغد" الأردنية

كما دائما، هذه المرّة أيضا، كان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو على قدر التوقعات، نجح في أن يشد إليه الأضواء الإعلامية المحلية والعالمية التي يعشقها، ليقول أن لا جديد لديه، وكل ما في الأمر إعادة صياغة لنفس المواقف الجوهرية، وليعلن رسميا تثبيت سياسة اللاءات الإسرائيلية تجاه كل آفاق الحل.
إلا أن من يتابع ردود الفعل في الحلبة السياسية الإسرائيلية، وبالذات في الائتلاف الحاكم برئاسة نتنياهو نفسه، يعرف الدهاء في حبكة خطاب نتنياهو، إذ أنه لم يكتف بعرض هذه المواقف،
بل أراد أكثر من ذلك، ففور القاء الخطاب ظهرت أصوات المعارضة بالذات من حزب "الليكود" الذي يرأسه نتنياهو، تعترض على مجرد ذكر "الدولة الفلسطينية"، رغم أن نتنياهو يريدها ممسوخة، لا يمكن أن يقبل بها أي فلسطيني.
ورسالة نتنياهو إلى العالم: أنظروا أي وضع سياسي تعيشه إسرائيل اليوم، فمجرد دولة فلسطينية بهذه المواصفات لا أجد لها أغلبية في حكومتي، وهي نفس الاسطوانة التي استخدمها بصياغات مختلفة جميع رؤساء الحكومات الإسرائيلية في السنوات العشرين الأخيرة، أي منذ بدء العملية التفاوضية في المنطقة.
وهذا على الرغم من أن جميع استطلاعات الرأي، تشير إلى وجود أغلبية بين اليهود في إسرائيل تؤيد إقامة دولة فلسطينية، وكان آخر هذه الاستطلاعات، استطلاع "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، الذي أظهر أن 53% من اليهود في إسرائيل يؤيدون دولة كهذه، وترتفع النسبة إلى 64% إذا كانت ضمن معادلة "دولتين لشعبين" حسب التفسير الإسرائيلي لهذا المبدأ.
ولربما أن السفير الأميركي الأسبق في الشرق الأوسط مارتن إنديك (يهودي) أجاد في الرد الإستباقي على نتنياهو، قبل أن يشكو حال ائتلافه، وقال إنديك في مقابلة مع صحيفة "يديعوت أحرنوت" الإسرائيلية قبل ثلاثة أسابيع، "إذا لم يشأ نتنياهو فعل شيء فلماذا نساعده، بيبي (نتنياهو) لا يستطيع التصرف كالولد الذي قتل والديه ويطلب الرحمة لكونه بات يتيما، وهو لا يستطيع القول إنه بسبب وجود (أفيغدور) ليبرمان في الائتلاف فإنني لا استطيع تقديم تنازلات".
يعتقد نتنياهو أن بخطابه هذا، وما تبعه من ردود الفعل أنه يلقي الكرة الآن في الملعب الفلسطيني، ولكنه فعليا يلقي بالكرة في الملعب الدولي مجددا، وبالذات في ملعب الإدارة الأميركية، التي باتت الآن أكثر من ذي قبل أمام اختبار التطبيق للخطاب الجديد الصادر عن إدارة الرئيس باراك أوباما، فمن دون الضغط الفعلي على حكومة الرفض الإسرائيلية فإنه لا يمكن رؤية تقدم فعلي في العملية التفاوضية.
إلا أن مسارعة أوباما لمهاتفة نتنياهو "مهنئا" على الخطاب واعتباره خطوة للأمام، يضيء الضوء الأحمر، ويفرض تساؤلات ثاقبة حول حقيقة الموقف الأميركي الجديد، وإذا لهذه الدولة الممسوخة تسعى واشنطن أوباما.
إن الغطرسة في خطاب نتنياهو كانت واضحة، على الرغم من كثرة التعابير التجميلية التي استخدمها في مقدمة خطابه، مثل حديثه عن "السلام" وسعيه للسلام، واستعداده للذهاب إلى دمشق وبيروت للتحدث عن السلام، رغم أنه لم يذكر ما الذي سيقوله لهذين البلدين بشأن أراضيهما المحتلة أيضا، خاصة أنه يجاهر برفضه القاطع لأي انسحاب من هضبة الجولان السورية ومزارع شبعا اللبنانية.
إن الغطرسة الإسرائيلية تستفحل من يوم إلى يوم، وخطاب نتنياهو سجل ذروة لها، وهو يرتكز على حكومة يمينية متشددة ليست أقل غطرسة منه، بدءا من سياسيي الصف الأول، وصولا إلى رعاع سياسيين وصلوا صدفة إلى مقاعدهم البرلمانية، يتمادون بخطابهم العنصري الدموي، دون أي ضوابط.
فخذوا مثلا الوزير من دون حقيبة، يوسي بيليد، وهو جنرال احتياط في جيش الاحتلال، فقد أعد ورقة وزعها على زملائه في الحكومة، يقترح فيها فرض عقوبات على الولايات المتحدة، مثل عدم شراء السلاح منها، رغم أنه يشتري هذه الأسلحة بأموال الدعم العسكري الأميركي التي تصل سنويا إلى ثلاثة بلايين دولار.
قبل نحو أسبوعين كانت الابتسامة في الشرق الأوسط عريضة وهي تستمع في القاهرة لصوت جديد صادر عن البيت الأبيض، رغم أن في داخلها تحفظات وشكوك وعدم اطمئنان، ورد فعل أوباما الأولي على خطاب نتنياهو يثبت مصداقية هذه الشكوك، إلا إذا أثبتت الإدارة الأميركية غير ذلك.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر