إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



الصراع "الخفي" على النظام في إسرائيل

الأحد 21/6/2009
برهوم جرايسي- "الغد" الأردنية

شهد الكنيست الإسرائيلي في الأسبوع الماضي إجراء غير مسبوق في تاريخه، إذ قررت المعارضة البرلمانية على مختلف تشكيلاتها وتنوعاتها السياسية، من أقصاها إلى أقصاها، مقاطعة جلسات الهيئة العامة للكنيست، حتى لدى التصويت بالقراءة الأولية على الموازنة العامة للعامين الحالي والمقبل، وذلك احتجاجا على سلسلة قوانين تغير "أسس اللعبة البرلمانية" الإسرائيلية حسب التعبير السائد.
ويجري الحديث عن مجموعة قوانين بادرت لها الحكومة الحالية، إلى جانب إجراءات أخرى، والعامل المشترك في جميعها هو تهميش وزن البرلمان في النظام، وبالأساس التقليل من وزن المعارضة، ومنح قوة أكبر للحكومة، حتى على حساب الجهاز القضائي الذي يواجه في السنوات الأخيرة سلسلة محاولات لنزع الكثير من صلاحيات المحكمة العليا، وخاصة تلك المتعلقة بنقض قوانين يقرها الكنيست.
فمثلا تريد الحكومة أن تصبح الأغلبية المطلوبة لإسقاط الحكومة 65 نائبا من أصل 120 نائبا، بدلا من أغلبية عادية وهي 61 نائبا، على أن يسري هذا القانون فورا، كذلك فإن الحكومة تسعى للتقليل من التقييدات المفروضة على عملية انشقاق الكتل البرلمانية، فالقانون الحالي يسمح لما لا يقل عن ثلث الكتلة البرلمانية بالانشقاق، في حين أن الحكومة تريد إفساح المجال لسبعة نواب بالانشقاق عن كتلتهم حتى وإن لم يشكلوا ثلث الكتلة، ويقال إن هذا القانون تم تفصيله كي ينجح منافس ليفني في حزب "كديما" شاؤول موفاز بالانشقاق عن كتلته مع نواب آخرين والانضمام إلى حكومة نتنياهو.
يجلس في المعارضة اليوم حزب "كديما" الذي كان يرأس الحكومة حتى قبل ثلاثة أشهر، وهو يرفع صوته عاليا ضد هذه الإجراءات، ولكن في جوهر صراخه اعتراضه على نية الحكومة تطبيق هذه القوانين فورا وبدءا من الدورة البرلمانية الحالية، رغم أن التقليد المتبع هو أن كل تغيير في قوانين النظام، وطالما لا يوجد إجماع عليه، يبدأ من الدورة البرلمانية التي تلي الانتخابات القادمة كنوع من "نزاهة الحكم"، حسب المفاهيم الإسرائيلية.
ولكن "كديما" لا يستطيع إنكار أنه حزب نشأ أيضا لهذا الغرض من قبل جهات "خفيّة" معنية بتقليص دائرة القرار في إسرائيل، وضرب الجهاز القضائي، وهذه رغبة تلتقي فيها عدة جهات أقواها جهات الطغمة المالية على مختلف تنوعاتها من محلية وخارجية، وحتى تلك المتورطة بجرائم مالية عالمية، ولها أذرع قوية في الحكومة الحالية، لتشارك في هذه المحاولات أيضا جهات سياسية عنصرية شرسة، تسعى إلى تغيير المنطق الطبيعي للأقلية والأغلبية بهدف تهميش الوزن الانتخابي لفلسطينيي 48، وضرب الجهاز القضائي الذي ينتقد في بعض الأحيان جرائم الاحتلال وبعض القوانين العنصرية.
وفي حكومة نتنياهو الآن وزير يمثل هذه الأطراف مجتمعة، وهو وزير الخارجية العنصري أفيغدور ليبرمان، الذي من شروط انضمامه إلى حكومة نتنياهو السعي إلى تغيير النظام بشكل تدريجي، والهدف الأبعد لليبرمان تحويل إسرائيل إلى نظام جمهوري، وكل ما من شأنه أن يقضي على المؤسسة البرلمانية، وكان هذا أحد أهداف ليبرمان حينما انضم لفترة 15 شهرا إلى حكومة إيهود أولمرت السابقة، ولم ينجح في تحقيق شيء بسبب موازين القوى المتضعضعة في حينه.
ولا يمكن النظر إلى هذه التحركات في الكنيست على أنها مجرد احتكاكات عابرة بين معارضة وائتلاف حكومي، بل تعكس جانبا قويا من الأزمة الداخلية، التي ما تزال نوعا ما "خفيّة" تدور من وراء الكواليس، فما ينحصر اليوم في مسألة كيفية اتخاذ القرارات، سينعكس لاحقا على الشارع الإسرائيلي، لأن هذا لن يؤثر فقط على شكل السياسة الخارجية ومواجهة الصراع الإقليمي، الذي ليس بالضرورة يقف على رأس أهداف هذه التغيرات، بل هناك ما هو أبعد من ذلك، ليصل إلى مستوى حريات وحياة الفرد اليهودي في إسرائيل، الذي سيجد نفسه في مرحلة لاحقة أمام أقلية منظمة وموحدة تتحكم في تفاصيل ومجريات حياة السواد الأعظم في الشارع، غير المنظم وغير الموحد وراء اتجاهات واحدة.
بطبيعة الحال فإن هذا موضوع واسع ومتشعب، ولكن أورد هنا أربع قضايا عينية تجري الآن في إسرائيل ولها علاقة بمسألة تغيير النظام وهي: الحكومة الحالية عادت لتمارس سياسة اقتصادية صقرية تقشفية تضرب الشرائح الفقيرة والضعيفة وحتى الوسطى، بعد ضمان شراء أصحاب القرار في الجهاز النقابي، وتغدق على كبار أصحاب رأس المال، لتتسع أكثر الفجوات الاجتماعية، التي هي أصلا الأكبر مقارنة مع الدول المتطورة في العالم.
ثانيا: تغيير لجنة تعيين القضاة، بحيث باتت الأغلبية لقوى اليمين المتشدد والمستوطنين، وهو أحد الأمور الذي أثار حفيظة المعارضة، إذ أن هذا تم بعد كسر الكثير من القوالب والتفاهمات السائدة عادة بين المعارضة والائتلاف، وما سنشهده لاحقا هو زيادة وزن القضاة المتدينين وغيرهم من ذوي التوجهات اليمينية العنصرية، على حساب وزن القضاة العلمانيين والى جانبهم ذوي الاتجاهات الليبرالية.
ثالثا: المتدينون الأصوليون المتشددون (الحريديم) يرفعون رأسهم من جديد لفرض إملاءاتهم على مستوى الحياة العامة لدى العلمانيين، وقبل أسبوعين شهدنا مواجهات دامية في القدس المحتلة، على خلفية فتح موقف ضخم للسيارات يوم السبت.
رابعا: المستوطنون يستشرسون ويتجهون نحو ذروة جديدة في إجراءاتهم وتحديهم للأجواء العامة في الأسرة الدولية، التي من المفترض أنها تحاصر حكومتهم في الحلبة الدولية، ويعلنون عن إجراءات تمرد واستيطان منفلت وسط تواطؤ وسكوت حكومتهم.
وتبقى هذه عينات آنية وسريعة، ولكن كل واحدة منها تحمل مؤشرات إلى ما هو أبعد على مستقبل شكل النظام في إسرائيل، فشكل النظام على مر السنين أخذ بعين الاعتبار أن المجتمع الإسرائيلي هو عبارة عن مجموعات أثنية متعددة جدا، ولم تنجح السنوات الستين من صهره كليا وما تزال تنخر فيه الصراعات الطائفية وغيرها، وتغيير "أساليب اللعبة" كما يقولون، سيصل في مرحلة ما إلى تأجيج هذه الصراعات من جديد وبشكل أقوى، وهذا ما قد نشهده لاحقا.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر