إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



عبارة هامشية قالها نتنياهو

السبت 20/6/2009
برهوم جرايسي- "العرب" القطرية

حين وقف رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أمام أضواء وسائل الإعلام المحلية والعالمية يلقي خطابه السياسي، كان رهانه الأول على رد الفعل الدولي، وبشكل خاص رد واشنطن، ليس من باب أنه أبدى "تنازلا" كما توهم البعض في العالم، أو أراد ذلك البعض أن يتوهم خدمة لحساباته السياسية، بل لأنه أراد رؤية الرد على تحديه لمواقف الأسرة الدولية المعلنة كلاميا، برفضه لكل التوجهات لحكومته بوقف الاستيطان والتوجه إلى مفاوضات حقيقية، والإقرار بضرورة إقامة دولة فلسطينية ذات قدرة على الحياة.
المحلل السياسي في صحيفة "يديعوت أحرنوت" ناحوم بارنيع انتبه إلى أمر مثير، وهو أن نتنياهو ذكر في خطابه مصطلح "دولة فلسطينية" ثلاث مرات، ولكن فقط في السياق السلبي الرفضي، وليس في المفهوم الايجابي، وفقط في الجزء الأخير من الخطاب.
وفي اليوم التالي للخطاب قلل أحد أكثر وزراء حكومة نتنياهو تشددا، وزير ما يسمى بـ "التهديدات الاستراتيجية" موشيه يعلون، من شأن مصطلح "الدولة الفلسطينية" الذي ردده رئيس حكومته في خطابه، وقال: "إذ الكيان السياسي الفلسطيني سيكون منزوعا من السلاح وتحت وصاية دولية لضمان نزع السلاح، وبشرط عدم عودة اللاجئين إلى نطاق دولة إسرائيل، وبشرط أنهم (الفلسطينيين) يعترفون بكيان إسرائيل كدولة يهودية، فحينها ليطلقوا على هذا الكيان ما يريدون".
وليس هذا فحسب بل إن نتنياهو وبعد أن تحدث عن شكل الدولة الممسوخة التي يريدها، وحتى أنها مشروطة بأن يعترف الفلسطينيون بالكيان الإسرائيلي على أنه "دولة يهودية"، ورفضه لحق عودة اللاجئين بالعودة إلى مناطق 1948، ورفضه للانسحاب من القدس المحتلة، قال بصوت منخفض: "أما باقي القضايا فإن موقفي معروف بشأنها".
ولكن أيا من مطلقي ردود الفعل الايجابية في العالم لم يتلفت إلى هذه العبارة، ليس فقط من باب عدم الانتباه، بل أيضا بخبث ملحوظ، إذ أن هذه العبارة من شأنها أن توضح كليا موقف نتنياهو الذي لم يتغير في ذلك الخطاب، وكشف كهذا بطبيعة الحال سيخرب "الزفة" العالمية التي حظي بها نتنياهو على مدى أيام بعد خطابه.
فـ "باقي القضايا" التي يتحدث عنها نتنياهو، هي تلك التي تتعلق بشكل الدولة الممسوخة التي اقترحها على الفلسطينيين، وخاصة مساحتها، فنتنياهو صرّح أكثر من مرّة أنه لن يخلي أي مستوطنة في الضفة الغربية المحتلة، بما فيها البؤر الاستيطانية، ليبقي الضفة الغربية في أحسن أحوالها مجرد كانتونات جغرافية منفصلة عن بعضها البعض.
وحينما يردد عبارة "لن أبني مستوطنات جديدة"، فإن لم يكمل العبارة التي تعكس واقع الحال وهي أن حكومته وجميع الحكومات السابقة خلال 16 عاما ضاعفت حجم المستوطنات في الضفة الغربية ما بين ثلاثة إلى أربع مرات.
عدا ذلك فإن حكاية "إزالة البؤر الاستيطانية" فيها لغم كبير، فرسميا في الضفة الغربية هناك 120 مستوطنة، والى جانبها 110 بؤر استيطانية، تسميها سلطات الاحتلال "عشوائية" أو "غير مرخصة"، ولكن الحديث عن إزالتها يتعلق فقط بـ 26 بؤرة أقيمت بعد ربيع العام 2001، ولا أحد يتطرق إلى 84 بؤرة أخرى، وهذه بؤر تتطور وتتوسع، وعمليا هناك إقرار بوجودها، لتنضم إلى باقي المستوطنات القائمة.
كذلك فإن من "باقي القضايا" أن نتنياهو يرفض أن يكون للكيان الفلسطيني أي حدود مع العالم الخارجي، وليس فقط انه يحرمه من الأجواء، بل أيضا من الحدود، لتكون معابر "دولة نتنياهو الفلسطينية" خاضعة لجيش الاحتلال.
فأي تقدم حققه نتنياهو في خطابه، كما يدعي سيد البيت الأبيض، وعدد من قادة أوروبا، إن كان نتنياهو تقدم خطوة واحدة، فإنها في اتجاه الانفجار وليس الانفراج، ولهذا من الخطورة بمكان أن يتحول الضغط في هذه المرحلة على القيادة الفلسطينية لدفعها إلى طاولة المفاوضات مع حكومة نتنياهو، إذ أنها ستكون مفاوضات عقيمة.
لقد طغت على خطاب نتنياهو لهجة التحدي للأجواء العالمية، التي بدت أكثر ايجابية منذ أن وصل باراك أوباما إلى البيت الأبيض، وما تبع ذلك من تغير في لهجة أوروبا، ولكن هذه الأجواء باتت ضبابية أكثر بعد لحظات من إنهاء خطاب نتنياهو، وصدور ردود فعل مستهجنة من الدول الغربية، التي تجاهلت كل الألغام التي زرعها نتنياهو في طريق العملية السياسية في المنطقة، ومن الغريب أن هذه الألغام كانت واضحة جيدا لعدد من صناع الرأي في إسرائيل ولكنها غائبة عند أصحاب القرار الدولي، إذ ظهرت سلسلة من المقالات والتحليلات الإسرائيلية التي تؤكد أن نتنياهو لم يغير أي شيء في خطابه.
أمام حقيقة كهذه، واستمرارا للمعالجة التي ظهرت هنا في الأسبوع الماضي، فإن نتنياهو حتى الآن كسب الرهان أمام الرأي العام الإسرائيلي، بأنه قادر على الاحتفاظ بمواقفه العنصرية المتشددة، وأن يمنع أي محاصرة لسياسته في الأسرة الدولية، فها هي كل الحدود والمنابر الدولية مفتوحة أمامه وأمام وزير خارجيته الإرهابي بامتياز أفيغدور ليبرمان، ومشهد كهذا من شأنه أن يعزز أجواء الرفض المنتشرة في الشارع الإسرائيلي.
في الأيام الأخيرة نشر "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب نتائج استطلاع شمل اليهود فقط في إسرائيل، ويتبين من نتائج الاستطلاع أن هناك أغلبية واضحة بين هؤلاء اليهود لإقامة دولة فلسطينية، دون تحديد مواصفاتها، وترتفع النسبة كثيرا في حال كانت دولة في إطار معادلة "دولتين لشعبين" وفق المفهوم والتفسير الإسرائيلي لهذا الشعار.
ولكن ما يلاحظ هنا أن هذه الأغلبية تتراجع من عام إلى آخر، ففي العام 1987 كانت نسبة المؤيدين لدولة فلسطينية بين اليهود في إسرائيل 21% وارتفعت تدريجيا مع السنين لتصل في العام 2006 إلى 61%، ولكنها في العام 2007 تراجعت إلى 55% وفي العام الجاري هبطت إلى 53%، ولهذا فإن التعاطي الدولي مع حكومة نتنياهو وعدم الضغط عليها سيساهم في إضعاف أكثر لهذه الأغلبية، وهذا ما يسعى له نتنياهو واليمين في إسرائيل.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر