إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



فساد السلطة الإسرائيلية

السبت 27/6/2009
برهوم جرايسي- "العرب القطرية

كان يوم الأربعاء الأخير يوما مشهودا في القضاء الإسرائيلي، ولكنه أيضا يوما "تاريخيا" في مسلسل الفساد المستشري في سدة الحكم في إسرائيل، وهذا بعد أن أصدرت محكمتان إسرائيليتان قرارين منفردين بحبس وزيرين سابقين في الحكومات الإسرائيلية السابقة لسنوات بتهم الاختلاس وتلقي الرشاوى.
وهما وزير المالية الأسبق في حكومة إيهود أولمرت السابقة، أبراهام هيرشزون، وقد فرضت عليه المحكمة بالسجن لمدة خمس سنوات وخمسة أشهر، بعد إدانته باختلاس 500 ألف دولار من جمعيات اقامها لتنشط في فلك الوكالة الصهيونية، في إطار تحفيز الشبان اليهود على الهجرة إلى إسرائيل.
والوزير الثاني شلومو بنيزري من حزب "شاس" الديني الأصولي، المتهم بتلقي رشاوى حين شغل مناصب وزارية سابقة، وفرضت عليه المحكمة السجن لمدة أربع سنوات.
وقد يرى البعض أن هذا نموذجا للشفافية في الحكم في إسرائيل، ولكن واقع الحال يقول غير ذلك، خاصة على ضوء تزايد أعدد كبار المسؤولين في مختلف مستويات الحكم واتجاهاته المتورطين بالفساد، ففي السنوات العشر الأخيرة فرضت أحكاما بالسجن لسنوات على أربعة وزراء فيما فرضت على ثلاثة آخرين أحكام بالسجن مع وقف التنفيذ، إضافة إلى ثلاثة أعضاء كنيست آخرين فرضت عليهم أحكام بالسجن، وثلاثة نواب بالسجن مع وقف التنفيذ.
ولكن في هذه الفترة أجرت الشرطة الإسرائيلية تحقيقات مع حوالي 30 عضو كنيست ووزير وحتى رئيس حكومة ورئيس دولة، وبالإمكان القول إن جميع رؤساء حكومات إسرائيل منذ العام 1996 وحتى اليوم خضعوا في السنوات الأخيرة لتحقيق الشرطة بشبهات الفساد، وقد فلت رئيس الحكومة الأسبق أريئيل شارون من قضية تلقي رشاوى بملايين الدولارات بسبب سقوطه على فراش المرض في غيبوبة ما زال غارقا فيها منذ ثلاث سنوات ونصف السنة، في حين أن شبهات الفساد ضد أولمرت اضطرته للاستقالة من منصبه، وهو على وشك أن يواجه محاكمة في عدة قضايا في الأشهر المقبلة.
وإذا وصلت حكومة بنيامين نتنياهو إلى الحكم، على خلفية سقوط الحكومة السابقة بسبب تورط رئيسها بالفساد، فإنها ليست بأفضل حال، إذ أن وزير الخارجية فيها أفيغدور ليبرمان متورط في قضية فساد مالي ضخمة ومتشعبة، وهناك من يتحدث عن أن اطراف هذه القضية تصل إلى جهات دولية ضالعة في الجرائم المالية، وحسب الشبهات فهو تلقى ملايين من "جهات غير معروفة".
وحسب مصادر الشرطة الإسرائيلية فإن التحقيق مع ليبرمان الذي كان من المفروض أن ينتهي في نهاية شهر أبريل الماضي، ثم مايو، من المتوقع ان ينتهي في غضون شهرين، مع توصية يرجح أن تدعو لتقديم لائحة اتهام خطيرة ضده.
ويضاف لسجل حكومة نتنياهو الجديدة أنها اقدمت على سلسلة تعيينات مرتبطة بجهازي القضاء وتطبيق القانون مرتبطة كلها بالفاسد ليبرمان، فوزير الشرطة (الأمن الداخلي) يتسحاق أهرنوفيتش هو من حزب ليبرمان، "يسرائيل بيتينو"، وأكدت الصحافة الإسرائيلية أن المدير العام للوزارة هو من المقربين لليبرمان شخصيا.
وليس هذا فحسب، بل إن وزير القضاء يعقوب نئمان الذي تم استحضاره من خارج الأحزاب، كان بتوصية ومن ليبرمان ذاته، وذروة هذه الإجراءات تكمن في مندوبي الكنيست (البرلمان) في لجنة تعيين القضاة، إذ أنهم جميعا من المقربين من ليبرمان أو حتى من حزبه، بمعنى أن ليبرمان الذي من المفروض أنه قد يمثل قريبا أمام المحكمة بات يمسك بزمام الأمور في جهازي القضاء والشرطة.
الانطباع السائد في سدة الحكم في إسرائيل أن الذين ليسوا متورطين بالفساد هم قلائل، وما القضايا التي يتم الكشف عنها، إلا نتيجة لصراعات وانتقامات على خلفيات شخصية وحزبية وسياسية وغيرها.
وللفساد المستشري في إسرائيل أسباب جوهرية، وأخرى فعلية ملموسة نتيجة تطورات على الساحة الحزبية طرأت في السنوات الأخيرة، فمن الناحية المبدئية، لا يمكن لأي دول في العالم تمارس الاحتلال والاستيطان والقتل الجماعي والتطهير العرقي أن تكون ديمقراطية حتى تجاه مواطنيها، وبطبيعة الحال فإن سلطتها لا يمكن أن تكون نزيهة، وهذه قاعدة ثابتة.
ولكن يضاف إلى هذا أنه في مطلع سنوات التسعين بدأت الحلبة السياسية في إسرائيل، وخاصة الأحزاب الكبيرة التي تتناوب على رئاسة الحكومة، تتبنى النموذج الأميركي في اختيار ممثلي ومرشحي الحزب للانتخابات البرلمانية، وأيضا لرئاسة الحزب نفسه، من خلال الاقتراع المفتوح، بمعنى أن كل حزب يفتح باب الانتساب لعشرات آلاف المنتسبين، وهذا الأمر خلق حاجة لدى السياسيين في الأحزاب الكبرى، لتجنيد أموال تدعم حملاتهم الانتخابية، بالأساس من كبار أصحاب رأس المال.
وهذا الحال فتح الباب على مصراعيه أمام الفساد المالي، إذ من يتبرع لذلك السياسي أو غيره سيحتاج منه لاحقا "لخدمات"، وهذه "الخدمات" تنعكس بالأساس في السياسة الاقتصادية الصقرية التي تنتهجا حكومات إسرائيل الأخيرة خاصة، ولكن هناك أيضا "خدمات" على المستوى الشخصي.
وقد عكس استطلاع عالمي نشرت معطيات قبل أسبوعين، واقع الحال في إسرائيل، إذ بين الاستطلاع أن إسرائيل تحتل المرتبة الأولى من 69 دولة شملها الاستطلاع في عدم ثقة الجمهور بالإجراءات والقوانين التي تتخدها الحكومة والحكومة لمواجهة الفساد، إذ عبر 86% من المستطلعين في إسرائيل عن عدم ثقتهم بهذه الإجراءات، وهذا بعد أن احتلت إسرائيل في مسح عالمي أخير المرتبة 33 في قائمة فساد النظام العالمية.
وقد شمل الاستطلاع في إسرائيل 500 شخص، وجرى في شهر فبراير من العام الجاري، في أوج الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية، وكان استطلاع عالمي حول نفس الموضوع أجري في العام 2006 أشار إلى أن 66% من الإسرائيليين لا يثقون بإجراءات منع الفساد، وهذا الارتفاع الحاد جاء على خلفية تكشف سلسلة مكثفة من فضائح الفساد في إسرائيل في الآونة الأخيرة.
إن ظاهرة الفساد في إسرائيل تلعب دورا أساسيا في حالة ابتعاد الجمهور عن دائرة القرار في إسرائيل، من باب عدم الثقة واليأس في شتى الميادين وخاصة السياسية منها، وانعكس هذا في الانتخابات البرلمانية الثلاثة الأخيرة من خلال الانخفاض الحاد في نسبة التصويت، وكل المؤشرات تقول إن هذه الظاهرة في تصاعد مستمر، والمستقبل سيكشف عنها أكثر.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر