إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



"زلة لسان" ساركوزي

السبت 4/7/2009
برهوم جرايسي- "العرب القطرية

ضجّت إسرائيل في الأيام الماضية، بعد الكشف عما قاله الرئيس الفرنسي فرانسوا ساركوزي لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو خلال لقائهما في العاصمة باريس قبل أقل من أسبوعين، إذ دعا ساركوزي نتنياهو للتخلص من وزير خارجيته العنصري أفيغدور ليبرمان.
وكان ساركوزي قد قال لنتنياهو وبحضور عدد من المسؤولين الإسرائيليين، "عليك أن تتخلص من هذا الشخص (أفيغدور ليبرمان) أخرجه وأدخل تسيبي ليفني (إلى الحكومة) معها ومع (إيهود) باراك بالإمكان صنع تاريخ، لقد استقبلت دائما وزراء خارجية إسرائيليين، وقد رغبت جدا باستقبال تسيبي ليفني هنا في قصر الاليزيه، ولكن أن استقبل هذا (ليبرمان) فأنا لا استطيع".
فرد عليه نتنياهو قائلا، "في المحادثات الخاصة بالإمكان سماع ليبرمان بشكل آخر"، فأجاب ساركوزي قائلا، "في المحادثات الخاصة أيضا جان ماري لو بن (المتطرف الفرنسي) هو شخص لطيف".
فرد نتنياهو مدافعا عن ليبرمان قائلا، "ليبرمان ليس مثل لو بن، لا مجال للمقارنة"، حينها قال ساركوزي، إنه لا يريد المقارنة بين الاثنين.
ولم يبق أحد من الأحزاب الصهيونية إلا وهبّ يدافع عما يسمى بـ "الديمقراطية الإسرائيلية" ودعوة ساركوزي بعدم "التدخل بقرار الناخب الإسرائيلي"، وشرع بعض الصحفيين في مهاجمة الرئيس الفرنسي، ومن بينهم المحللة السياسية للقناة الأولى للتلفزيون الإسرائيلي أيالا حسون، التي قالت "إن من يستقبل معمر القذافي الذي ينصب الخيام في أوروبا ويستقبل هوغو شافيز، لا يستطيع التحدث عن ليبرمان"، وبطبيعة الحال فإن الوقاحة الإسرائيلية لم تتوقف عند هذا الحد.
وكان من الناطقين الإسرائيليين من اعتبر تصريح ساركوزي "زلة لسان" وعليه التراجع عنها، وفي هذه النقطة بالذات، بالإمكان القول إن ساركوزي سقط بالفعل بزلة لسان ليست حكيمة، ولكن من منظور آخر.
فأولا ساركوزي طالب نتنياهو بالتخلص من ليبرمان كونه متطرفا، ولكن الرئيس الفرنسي كان عليه أن يفكر مرتين، ليستدرك أن محادثه في تلك اللحظة ليس بأفضل من ليبرمان، وكلاهما يتنافسان على من يحتل أولا أسفل حضيض العنصرية، ومن منهما يتشدد أكثر بسياسة الرفض لكل آفاق حل الصراع في الشرق الأوسط.
لربما بالإمكان القول إن ليبرمان أنه هذه النقطة فإن "أفضل" من نتنياهو كونه يُفصح ويجاهر بكل ما عنده من مواقف عنصرية حاقدة متشددة تجاه كل من هو عربي، وتجاه آفاق الحل.
وثانيا، حين عرض ساركوزي على نتنياهو أن يسعى لضم وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة، زعيمة المعارضة الحالية، تسيبي ليفني إلى الحكومة، إلى جانب وزير الحرب إيهود باراك، كان عليه أيضا أن يفكر مرتين ليستدرك أن هذين الاثنين ليسا بأفضل من ليبرمان، والوقائع على الأرض تحكي كل شيء.
فليفني التي تتقمص في هذه المرحلة دور "داعية السلام"، كانت حتى قبل أشهر قليلة وزيرة خارجية لحكومة سجلت أعلى ذروة للاستيطان في الضفة الغربية، محطمة بذلك الذروة التي سجلتها حكومة إيهود باراك في العام 1999 و2000.
ولشديد السخرية أنها حين تدعو نتنياهو للتفاهم مع الإدارة الأميركية حول سبل استئناف المفاوضات، فإنها تتجنب الحديث عن مواصلة الاستيطان، وهذا لأن ما تنفذه حتى الآن حكومة نتنياهو من استيطان، هي مشاريع أقرتها حكومة ليفني، التي كان يرأسها إيهود أولمرت، هذه الحكومة التي شنت ثلاثة حروب، اثنتين على الشعب الفلسطيني وثالثة على الشعب اللبناني، وخلال 1058 يوما لهذه الحكومة سقط على مذبح هذه الحروب حوالي 3300 فلسطيني ولبناني، بمعدل ثلاثة شهداء في اليوم الواحد، لتكون واحدة من أكثر الحكومات دموية.
أما مجرم الحرب بامتياز إيهود باراك، الذي لا يوجد مثله في إسرائيل من يتباهى بتاريخه الدموي، فهو أكثر شخصية إسرائيلية سياسية نفذت مشاريع استيطان في السنوات العشر الأخيرة، فحسب أنظمة الاحتلال فإن مشاريع الاستيطان يجب أن تحظى بمصادقة وزير الحرب، الذي ما أن تسلم مهامه قبل نحو عامين، حتى قفزت وتيرة الاستيطان بنسبة 60% زيادة عن الفترة السابقة، حسب تقارير رسمية.
أما ثالث جانب لزلة لسان ساركوزي، هو أنه تماشى مع نتنياهو رافضا تشبيه ليبرمان بالعنصري الفرنسي المتطرف جان ماري لو بن، ونحن لا نريد وضع الاثنين على مسار المنافسة، ولكننا نعرف ليبرمان أكثر مما نعرف الآخر، ونعرف أيضا أن جميع مواصفات الإرهاب تنطبق عليه، بدعواته الشرسة الدموية.
ولكن الملاحظ في رد نتنياهو هو أنه لم يعترض مباشرة على دعوة ساركوزي، وإنما استنفر للتمييز بين العنصري ليبرمان والعنصري لو بن، وهذا من منطلق الفكر الصهيوني المتجذر، الذي ينظر إلى اليهود "كشعب" فوق الشعوب، أو "الشعب المختار"، وهذه عقلية كانت في جوهر أشد الأنظمة عنصرية، التي شهدها التاريخ الحديث.
وعلى أساس هذه العقلية فإن إسرائيل ترفض تسمية "مجرم حرب" لأحد منها، حتى ولو ارتكب أبشع الجرائم، وبطبيعة الحال ترفض تسمية "إرهابي"، حتى لو أحد منها ارتكب مجزرة وقتل العرب، فأمثال هؤلاء فيتحولون إلى أبطال و"قديسين،" مثل مرتكب مجزرة الحرم الإبراهيمي في الخليل عام 1994، أو مرتكب مجزرة مدينة شفاعمرو عام 2005، الذي تمت تصفيته خلال الجريمة وتحاكم إسرائيل بعضا من أبناء المدينة العرب لأنهم منعوه من أن يقتلهم، وأفيغدور ليبرمان ليس بعيدا عن هذه الأسماء، فهو مستوطن وقريب منهم.
كان الأجدر بالرئيس ساركوزي، وليس وحده، بل نأخذه هنا نموذجا، أن يستدرك طبيعة الحكومة الإسرائيلية الحالية وسابقاتها، ليستدرك أن ليبرمان ليس الصوت النشاز ولا "الولد العاق" في حكومة نتنياهو، بل هو الصوت المعبر الحقيقي عن هذه الحكومة، ولهذا فإن استنتاج ساركوزي من التعامل مع ليبرمان يجب أن يسري على كل الحكومة الإسرائيلية.
لقد عرف النصف الثاني من سنوات الثمانين من القرن الماضي، وحتى مطلع سنوات التسعين، شبه مقاطعة دولية، ومنها أوروبية، لحكومة إسرائيل، على وقع انتفاضة الحجر الفلسطينية الباسلة، وهذه المقاطعة كانت أحد أسباب التحولات في الرأي العام في إسرائيل، في تلك الفترة، وأطاح بحكومة رفضية، وإذا كان قادة أوروبا على قناعة بضرورة دفع العملية التفاوضية وحل الصراع فليتفضلوا ويكرروا التجربة، إن لم يكن سياسية فعلى الأقل اقتصاديا.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر