إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



توتر بين المعارضة والائتلاف على خلفية نية الحكومة قلب أصول "اللعبة البرلمانية"

الثلاثاء 30/6/2009
برهوم جرايسي- "المشهد الاسرائيلي" رام الله

*الحكومة تبادر إلى سلسلة قوانين تتعلق بالأغلبية المطلوبة لحجب الثقة عن الحكومة، وامكانيات انشقاق الكتل البرلمانية، على أن يبدأ تطبيقها منذ الدورة الحالية بخلاف عما هو متبع في الكنيست *رئيس الكنيست الذي تبنى بداية موقف الائتلاف بدا يساند نوعا ما مطالب المعارضة *مبادرات تقويض مكانة الكنيست لم تبدأ منذ الآن بل من فترة حكومة "كديما" السابقة*



يشهد الكنيست الإسرائيلي (البرلمان) في الأسبوعين الأخيرين حالة غير مسبوقة في تاريخه، وهذا بعد أن نفذت المعارضة البرلمانية على مختلف تشكيلاتها وتنوعاتها السياسية، من أقصاها إلى أقصاها، مقاطعة جلسات الهيئة العامة للكنيست، حتى لدى التصويت بالقراءة الأولية على الموازنة العامة للعامين الحالي والمقبل، وذلك احتجاجا على سلسلة قوانين تغير "أسس اللعبة البرلمانية" الإسرائيلية حسب التعبير السائد.
ويجري الحديث عن مجموعة قوانين بادرت لها الحكومة الحالية، إلى جانب إجراءات أخرى، والعامل المشترك في جميعها هو تهميش وزن البرلمان في النظام، وبالأساس التقليل من وزن المعارضة، ومنح قوة أكبر للحكومة، حتى على حساب الجهاز القضائي الذي يواجه في السنوات الأخيرة سلسلة محاولات لنزع الكثير من صلاحيات المحكمة العليا، وخاصة تلك المتعلقة بنقض قوانين يقرها الكنيست.
فمثلا تريد الحكومة أن تصبح الأغلبية المطلوبة لإسقاط الحكومة 65 نائبا من أصل 120 نائبا، بدلا من أغلبية عادية وهي 61 نائبا، على أن يسري هذا القانون فورا، بمعنى أن أي حكومة تعتمد على ائتلاف من 56 نائبا لن يكون بالإمكان اسقاطها بأغلبية 64 نائبا.
كذلك فإن الحكومة تسعى للتقليل من التقييدات المفروضة على عملية انشقاق الكتل البرلمانية، فالقانون الحالي يسمح لما لا يقل عن ثلث الكتلة البرلمانية بالانشقاق، في حين أن الحكومة تريد إفساح المجال لسبعة نواب بالانشقاق عن كتلتهم حتى وإن لم يشكلوا ثلث الكتلة، ويقال إن هذا القانون تم تفصيله كي ينجح منافس ليفني في حزب "كديما" شاؤول موفاز بالانشقاق عن كتلته مع نواب آخرين والانضمام إلى حكومة نتنياهو.
وقد تم اقتباس نتنياهو في الأسبوع الماضي بقوله، "حتى الآن نحن (الليكود) لسنا الكتلة الأكبر"، إذ أن لحزب الليكود 27 نائبا مقابل 28 نائبا لحزب "كديما" المعارض برئاسة تسيبي ليفني.
وحسب مصادر برلمانية وصحفية، فإن نتنياهو يتوقع أن "ينجح" شاؤول موفاز، المنافس الشرس لليفني على زعامة "كديما" في تجنيد ستة نواب آخرين إلى جانبه والانشقاق عن كتلة حزبه والانضمام مجددا إلى حزب الليكود، وراح البعض للحديث عن أن موفاز ينسق خطواته مع نتنياهو.
وكما فإن موفاز "اهتم" في الأيام الماضية بنثر سلسلة من الأنباء المتناقضة المتعلقة بمستقبله السياسي، فمن ناحية نقلت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية قبل أيام عن "مقربين" من موفاز قولهم، إن موفاز قال في اجتماع لعد من المقربين منه، إنه لا ينوي الانشقاق عن كتلة "كديما" بل سيعمل من أجل تولي رئاسة الحزب، وأنه لا يمكن التفكير بالانشقاق والعودة إلى الليكود، لأن هذا لن يحقق له شيئا له ولمجموعته في حال وجدت.
يذكر هنا في محادثات خاصة، استصعب عدد من الصحفيين البرلمانيين جدولة قائمة ستة أسماء إلى جانب موفاز على استعداد للانشقاق عن "كديما"، إذ لا تبدو حالة تمرد على ليفني في داخل الكتلة.
وقال موفاز، إن القانون المذكور ما هو إلا حرب أعصاب يمارسها نتنياهو ضد ليفني، وهاجم موفاز ليفني لرفضها الانضمام إلى الحكومة، وقال إن "كديما" ستخسر في الانتخابات المقبلة ما لا يقل عن 10 مقاعد من قوتها البرلمانية لرفضها الانضمام والعمل من داخلها.
ومن جهة ثانية، فقد قال موفاز "لمقربين" منه، حسب صحيفة "يديعوت أحرنوت"، أنه سيطرح على مجلس حزب "كديما" برنامجا سياسية، يمهد الطريق امام انضمام الحزب إلى حكومة بنيامين نتنياهو، "ومن يرفضه سيتحمل مسؤولية مستقبل كديما ككل".

ضرب البرلمان لم يبدأ الآن

العنوان العريض لما يجري الآن في الكنيست هو استمرار السعي لتقليص دائرة القرار في إسرائيل، وفي الحقيقة فإن هذه المحاولات لم تبدأ مع حكومة نتنياهو، بل بالضبط مع تولي حكومة إيهود أولمرت مهامها في ربيع العام 2006، فخلال الدورة البرلمانية السابقة شهدنا الكثير من الإجراءات والممارسات التي ضربت مكانة البرلماني في النظام الإسرائيلي، وهذا نهج متواصل إلى اليوم.
فحزب "كديما" يجلس اليوم في المعارضة، وقد كان يرأس الحكومة حتى قبل ثلاثة أشهر، وهو يرفع صوته عاليا ضد هذه الإجراءات، ولكن في جوهر صراخه اعتراضه على نية الحكومة تطبيق هذه القوانين فورا وبدءا من الدورة البرلمانية الحالية، رغم أن التقليد المتبع هو أن كل تغيير في قوانين النظام، وطالما لا يوجد إجماع عليه، يبدأ من الدورة البرلمانية التي تلي الانتخابات القادمة كنوع من "نزاهة الحكم"، حسب المفاهيم الإسرائيلية.
ولكن "كديما" لا يستطيع إنكار أنه حزب نشأ أيضا لهذا الغرض من قبل جهات "خفيّة" معنية بتقليص دائرة القرار في إسرائيل، وضرب الجهاز القضائي، وهذه رغبة تلتقي فيها عدة جهات أقواها جهات الطغمة المالية على مختلف تنوعاتها من محلية وخارجية، وحتى تلك المتورطة بجرائم مالية عالمية، ولها أذرع قوية في الحكومة الحالية، لتشارك في هذه المحاولات أيضا جهات سياسية يمينية متشددة ومن بينها مجموعات المستوطنين، تسعى إلى تغيير المنطق الطبيعي للأقلية والأغلبية بهدف تهميش الوزن الانتخابي للفلسطينيين في إسرائيل، وضرب الجهاز القضائي الذي ينتقد في بعض الأحيان جرائم وممارسات الاحتلال وبعض القوانين ذات الطابع العنصري التي تستهدف العرب في البلاد.
وفي حكومة نتنياهو الآن وزير يمثل هذه الأطراف مجتمعة، وهو وزير الخارجية المتطرف أفيغدور ليبرمان، الذي من شروط انضمامه إلى حكومة نتنياهو السعي إلى تغيير النظام بشكل تدريجي، والهدف الأبعد لليبرمان تحويل إسرائيل إلى نظام جمهوري، وكل ما من شأنه أن يقضي على المؤسسة البرلمانية، وكان هذا أحد أهداف ليبرمان حينما انضم لفترة 15 شهرا إلى حكومة إيهود أولمرت السابقة، ولم ينجح في تحقيق شيء بسبب موازين القوى المتضعضعة في حينه.
ولا يمكن النظر إلى هذه التحركات في الكنيست على أنها مجرد احتكاكات عابرة بين معارضة وائتلاف حكومي، بل تعكس جانبا قويا من الأزمة الداخلية، التي ما تزال نوعا ما "خفيّة" تدور من وراء الكواليس، فما ينحصر اليوم في مسألة كيفية اتخاذ القرارات، سينعكس لاحقا على الشارع الإسرائيلي، لأن هذا لن يؤثر فقط على شكل السياسة الخارجية ومواجهة الصراع الإقليمي، الذي ليس بالضرورة يقف على رأس أهداف هذه التغيرات، بل هناك ما هو أبعد من ذلك، ليصل إلى مستوى حريات وحياة الفرد اليهودي في إسرائيل، الذي سيجد نفسه في مرحلة لاحقة أمام أقلية منظمة وموحدة تتحكم في تفاصيل ومجريات حياة السواد الأعظم في الشارع، غير المنظم وغير الموحد وراء اتجاهات واحدة.
بطبيعة الحال فإن هذا موضوع واسع ومتشعب، ولكن أورد هنا أربع قضايا عينية تجري الآن في إسرائيل ولها علاقة بمسألة تغيير النظام وهي: الحكومة الحالية عادت لتمارس سياسة اقتصادية صقرية تقشفية تضرب الشرائح الفقيرة والضعيفة وحتى الوسطى، بعد ضمان شراء أصحاب القرار في الجهاز النقابي، وتغدق على كبار أصحاب رأس المال، لتتسع أكثر الفجوات الاجتماعية، التي هي أصلا الأكبر مقارنة مع الدول المتطورة في العالم.
ثانيا: تغيير لجنة تعيين القضاة، بحيث باتت الأغلبية لقوى اليمين المتشدد والمستوطنين، وهذا بعد أن نجح ليبرمان بأن يكون جميع ممثلي الكنيست والحكومة من المقربين منه شخصيا، وهو أحد الأمور الذي أثار حفيظة المعارضة، إذ أن هذا تم بعد كسر الكثير من القوالب والتفاهمات السائدة عادة بين المعارضة والائتلاف، بأن يكون ممثل المعارضة هو مندوب كتلة المعارضة الأكبر، وما سنشهده لاحقا هو زيادة وزن القضاة المتدينين وغيرهم من ذوي التوجهات اليمينية العنصرية، على حساب وزن القضاة العلمانيين والى جانبهم ذوي الاتجاهات الليبرالية.
ثالثا: يرفع المتدينون الأصوليون المتشددون (الحريديم) رأسهم من جديد لفرض إملاءاتهم على مستوى الحياة العامة لدى العلمانيين، وقبل أسبوعين شهدنا مواجهات دامية في القدس المحتلة، على خلفية فتح موقف ضخم للسيارات يوم السبت.
رابعا: يعلن المستوطنون أشبه "بحالات تمرد، وهم ويتجهون نحو ذروة جديدة في إجراءاتهم وتحديهم للأجواء العامة في الأسرة الدولية، التي من المفترض أنها تحاصر حكومتهم في الحلبة الدولية، ويعلنون عن إجراءات تمرد واستيطان منفلت وسط تواطؤ وسكوت حكومتهم.
وتبقى هذه عينات آنية وسريعة، ولكن كل واحدة منها تحمل مؤشرات إلى ما هو أبعد على مستقبل شكل النظام في إسرائيل، فشكل النظام على مر السنين أخذ بعين الاعتبار أن المجتمع الإسرائيلي هو عبارة عن مجموعات أثنية متعددة جدا، ولم تنجح السنوات الستين من صهره كليا وما تزال تنخر فيه الصراعات الطائفية وغيرها، وتغيير "أساليب اللعبة" كما يقولون، سيصل في مرحلة ما إلى تأجيج هذه الصراعات من جديد وبشكل أقوى، وهذا ما قد نشهده لاحقا.

لعبة شد الحبل مع رئيس الكنيست

على أي حال فإن رئيس الكنيست رؤوفين رفلين الذي ظهر في اللحظات الأولى لاندلاع الخلاف بين المعارض والائتلاف يتبنى موقف الحكومة والائتلاف، غير موقفه بعد يوم أو يومين، وكما يبدو بعد أن استوعب حقيقة أن ما تبادر له الحكومة لن يمر مر الكرام في أوساط الرأي العام، ولهذا فقد جمّد تشريع عد من القوانين التي بادرت لها الحكومة، وخاصة قانون حجب الثقة السابق ذكره، وقانون "موفاز" كما اصطلح على تسميته وهو المتعلق بإمكانيات انشقاق الحكومة.
وقد أدى قرار رفلين، حسب مصادر برلمانية إلى توتر بينه وبين رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، الذي ما يزال يصر على إقرار القانونين، وكل القوانين التي تبادر لها الحكومة.
إلى جانب هذا فإن التوتر تصاعد أكثر بين الاثنين على خلفية الموقف من "قانون التسويات" وهو سلسلة من القوانين والإجراءات التي تطلب الحكومة سنويا إقرارها بزعم أنها تسهل عملية تنفيذ ميزانية الدولة، ويضم مشروع قانون التسويات قوانين ذات بعد استراتيجي، مثل قانون الأراضي وغيره.
ويصر رفلين على فصل عدد من البنود في هذا القانون وطرحها على جدول أعمال الكنيست كقوانين مستقلة، وحتى الآن لا يوجد اتفاق حول هذا الأمر.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر