إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



إسرائيل لا تمارس إرهابا في القدس!

السبت 11/7/2009
برهوم جرايسي- "العرب" القطرية

لم يترك الاحتلال الإسرائيلي بقعة واحدة، مهما صغر حجمها، في الضفة الغربية، كما هو حال الممارسات الإسرائيلية في كل فلسطين التاريخية، إلا وارتكب ضدها واحدة أو أكثر من الجرائم ضد الإنسانية، ولكثرة أصناف هذه الجرائم يصعب أحيانا جدولتها من حيث الخطورة والأهم، ولكن في المحصلة هي تضرب الأرض والإنسان، من حيث الجوهر.
أما الجرائم الممارسة في القدس المحتلة فتبقى ذات طابع خاص، ففيها تجد كل أصناف الجرائم الاحتلالية، ولكن هناك جرائم موجهة بالذات لمدينة القدس وشعبها، الذي يئن تحت وطأة حياة باتت شبه مستحيلة، فتلك المدينة التي عرفناها حتى قبل سنوات تعج بناسها وشعبها العربي الفلسطيني، باتت أجزاء كبيرة منها أشبه بمدن أشباح، وهي تلك التي اعتمدت على التواصل الدائم بين جميع أطراف المدينة، التي باتت مقطعة بجدار الفصل العنصري.
قيل ونقول الكثير عن الأهمية الدينية لواحدة من أقدس المدن في العالم، والمؤامرة الخطيرة التي تواجهها المقدسات الإسلامية والمسيحية، إن كان من خلال محاصرتها وأبعاد أهلها عنها بهدف التفرد بها، أو سعيا إلى ما هو أخطر، تدميرها، ودائما يتم تسليط الضوء على الجانب الديني بما يستحق، ولكن في أوج هذه الضجة يغيب كثيرا الوضع العام للمدينة بأطرافها المتناثرة.
ففي هذه الأيام يستكمل الاحتلال نهائيا، بناء جدار الفصل العنصري في قلب المدينة المقدسة بطول يتراوح ما بين 40 إلى 50 كيلومترا، بهدف فصل ما لا يقل عن 150 ألف فلسطيني عن مركز مدينتهم الأم، وهذا من أصل حوالي 250 ألف فلسطيني من فلسطينيي مناطق القدس التي احتلت في العام 1967، وهذا الفصل هو خطوة تحاول سلطات الاحتلال التستر على ما يليها، إذ في جعبتها قانون احتلالي أقرته قبل سنوات قليلة، وهو ما يعطي "الحق" لوزير داخلية حكومة الاحتلال بسحب "الهوية" (البطاقة الشخصية) من كل مواطن "لم تكن إسرائيل مركز حياته الأساسي في السنوات الخمس الأخيرة"، حسب نص القانون، وفي حالات معينة تكفي ستة أشهر للقيام بهذا الإجراء.
وبطبيعة الحال فإن هذا القانون ليس موجها لأكثر من 700 ألف يهودي إسرائيلي مقيمين في الخارج بشكل دائم كمهاجرين، وترفض السلطات اعتبارهم مهاجرين لئلا يخل هذا بالميزان الديمغرافي أمام فلسطينيي 48، وإنما موجه ضد فلسطينيي القدس، باعتبار أن الاحتلال ضم القدس إلى "سيادته" المزعومة، ويفرض على المدينة القانون الإسرائيلي.
فبعد استكمال الجدار نهائيا ستعلن سلطات الاحتلال أن منطقة نفوذ المدينة هي تلك الواقعة في قلب الجدار، بعد أن تم فصل كبرى الأحياء العربية، مقابل ضم مستوطنات وأحياء استيطانية، تبدأ من شمال مدينتي بيت لحم وبيت جالا وصولا إلى جنوب رام الله، فالمدينة التي كانت مساحتها في حزيران 1967 حوالي 39 كيلومترا مربعا، باتت مساحتها اليوم 109 كيلومترات مربعة، وقد تصل هذه إلى حوالي 125 كيلومترا مربعا بعد ضم المستوطنات، وحينها سيبدأ تفعيل القانون المذكور، لاعتبار أن كل من يقطن "خلف" الجدار، يعيش في منطقة لا يسري عليها القانون الإسرائيلي، بمعنى خارج إسرائيل، حتى وإن اعتاد أن يصلي الفجر عند سماع مؤذن المسجد الأقصى المبارك، كما هو الحال عند طرفي حي أبو ديس وحي العيزرية.
وحين نقول الجدار، فإنه أيضا ليس كالجدار الذي يمر في داخل الضفة الغربية المحتلة، بل هذا يقطع أحياء في داخل المدينة، وفي كثير من الأحيان فصل بيت الأخ عن بيت أخيه المجاور، ومن كان ينتقل إلى الحي المجاور بدقيقتين سيرا على الأقدام، بات عليه اليوم أن يسافر لأكثر من ساعة عبر حواجز الاحتلال التي هي جريمة أخرى.
أما عن هدم البيوت، فلا نعلم عن مدينة واحدة في العالم صدر فيها أوامر هدم لما لا يقل عن 20 ألف بيت كما هو في القدس، بحجة عدم ترخيص البناء بموجب قوانين الاحتلال التعسفية، ومئات البيوت تهدم سنويا في هذه المدينة، وهذا جرح ينزف بصمت رهيب.
ومن أهداف هذه الجريمة المتشعبة ليس فقط أن تكون المدينة ذات أغلبية يهودية بشكل مصطنع، بل دفع ما سيتبقى من عرب فيها على الرحيل، تحت وطأة الخنق الاقتصادي، إذ تنعدم في المدينة فرص العمل التي تدفع فيها رواتب بامكانها أن تضمن مستوى معيشة كريمة، فالبطالة تسجل أعلى المستويات، وهناك من يتحدث عن نسبة 20% إلى 25%، وهذا عدا عن البطالة المتسترة، التي تتمثل في توجه العاملين إلى أعمال خدماتية مؤقتة يتقاضون فيها الفتات من المال لضمان قوت اليوم، ولولا هذه الأعمال لسجلت البطالة نسب أعلى من 50% بكثير.
والحال ليس أفضل بالنسبة للقطاع التجاري، فهذا الكم الهائل من المحال التجارية الذي كان يستقطب يوميا مئات الآلاف من المدينة ومنطقتها، باتت هي أيضا تعاني من شح القوة الشرائية وضعف القوة الشرائية الباقية.
وهذا وحده لا يكفي، بل إن سلطات الاحتلال تتعمد ضرب الحياة الاجتماعية في المدينة، ومن واجبنا أن لا نتستر على مأساة انتشار آفة تعاطي المخدرات والتجارة بها، وحجم الجريمة المنتشرة في الأحياء العربية، وهذا ليس صدفة، لأن هذه الظاهرة بالذات نجدها أيضا في المدن الفلسطينية التاريخية في مناطق 1948، التي باتت ذات أغلبية يهودية، مثل عكا ويافا واللد والرملة، وهذه جريمة تتم بإشراف إسرائيلي مباشر، يهدف إلى ضرب المجتمع الفلسطيني من أجل أن لا يقوى على المقاومة في هذه المدينة التي تبكي حالها.
لا نستطيع القول إن معالجة هذه الجوانب الأساسية الجريمة الإسرائيلية تجاه القدس تحظى بمكانة خاصة في أولويات النضال الفلسطيني، أو في جدول اهتمامات الدول العربية والعالمية، فإذا كان الإرهاب مصطلحا لوصف أعلى مستويات الجرائم ضد الإنسانية، فإن إسرائيل تجاوزت هذا المصطلح إلى ما هو أخطر، وهذا ما يتطلب اهتماما أكبر من كافة الجهات التي تهمها القدس بمكانتها، ويهمها الإنسان الفلسطيني المقدسي، كإنسان أولا، ثم بدوره للحفاظ على مكانة المدينة ورموزها الدينية والدنيوية.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر