إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



حاييم رامون شهاب عابر في فضاء السياسة الإسرائيلية بقي طويلا وغاب دون أثر

الثلاثاء 14/7/2009
برهوم جرايسي- "المشهد الاسرائيلي" رام الله

*أمضى جل سنوات عمله الحزبي والسياسي متمردا على كل شيء، يقفز على قطع خشبية عائمة في أروقة الحزب والحلبة السياسية من يسارها إلى يمينها، سعيا في الوصول إلى القمة إلى أن سقط دون ان يترك أثرا*


حزم الوزير السابق حاييم رامون "أمتعته" في الكنيست الإسرائيلي (البرلمان) ورحل مستقيلا، ليصبح منذ مطلع الشهر الجاري عضو كنيست سابق، يقال إنه يريد التفرغ "لأعماله الحرّة"، وإن كان سيتولى منصب رئيس مجلس حزب "كديما" الشاغر منذ الانتخابات الأخيرة، بعد أن هجره رئيسه السابقة مئير نيتسان، رئيس بلدية ويشون لتسيون السابق، عائدا إلى حزبه "الأم"- الليكود.
في الأيام القليلة التي انشغلت فيها وسائل الإعلام الإسرائيلية لتغطية نبأ نية رامون استقالته من الكنيست، ثم الاستقالة الفعلية، والإعلان عن توليه رئاسة مجلس حزبه "كديما" دون منافسة، ظهرت عدة تقارير تلخص نشاطه السياسي على المستوى العام، وكان خط واحد يجمع المحطات السياسية التي توقف فيها رامون، بدءا من العام 1978، حين وصل إلى قيادة قسم الشباب في حزب "العمل"، وصولا إلى الفضيحة المختلف عليها، والحكم عليه قبل نحو عام ونصف العام، هو أنه كان طيلة الوقت في فريق المعارض لكل رئيس لحزبه "العمل"، وكان بارزا في مناورات حزبية وسياسية مقتها الجمهور في أكثر من مرّة، والأهم من كل هذا، أن قفزه الدائم على الألواح الخشبية العائمة في نهر السياسة الصاخب لم يوصله إلى هدفه المنشود: "زعيم من الدرجة الأولى".

بدايات

ظهر الشاب حاييم رامون على الساحة السياسية "الخلفية"، بمعنى في دهاليز حزبه "العمل" في العام 1978، كقائد لقسم الشبيبة في الحزب بعد أشهر من الإطاحة لأول مرّة بحزب "العمل" عن سدة الحكم في إسرائيل، ليتحول الى حزب معارضة بعد 29 عاما من الحكم شبه الانفرادي له في السلطة، وكما قيل في الأيام الأخيرة، فإن رامون الذي كان له من العمر 28 عاما، لم يرتدع في تلك الأيام، عن مواجهة قدامى الحزب، الذي كان في تلك الأيام يتلمس درب الخروج من الصدمة التي أصابته جراء هزيمته الانتخابية.
وفي العام 1981 ترشح رامون على لائحة الحزب في الانتخابات البرلمانية،
بتعيين مباشر من لجنة قيادية خاصة كانت تعد اللائحة في الحزب، إلا أنه لم ينجح في الانتخاب مباشرة عضوا في الكنيست، وفقط بعد مرور عامين، وفي أعقاب استقالته أحد النواب، دخل رامون إلى الكنيست لأول مرة في شهر أيار/ مايو من العام 1983، ومنذ ذلك الحين لم يترك عضوية البرلمان الكنيست إلا في مطلع الشهر الجاري بتقديم استقالته.
ولكن "نجم" رامون في الحلبة البرلمانية برز على وجه الخصوص بعد الدورة الثالثة له، التي بدأت في خريف العام 1988، في ظل الولاية الثانية لحكومة الوحدة القومية، وكانت الأولى بعد انتخابات 1984، فقد كان رامون واحدا من ستة أعضاء كنيست من حزب "العمل" الذي شكلوا ما يسمى بـ "السداسية" الحمائمية، وتحولت لاحقا إلى "الثمانية"، وكانت هذه المجموعة أحد مظاهر التحولات في الشارع الإسرائيلي، التي أحدثتها انتفاضة الحجر الفلسطينية، التي انطلقت في التاسع من كانون الأول/ ديسمبر من العام 1987 واستمرت لسنوات، فقوة شعبيتها وحالة رد الفعل التضامنية العالمية معها، نجحت في اختراق الشارع الإسرائيلي أيضا، وبروز تيارات ومجموعات سياسية تنادي بحل الصراع.
وفي العام 1990 كان رامون من الذين نادوا بفض الشراكة مع حزب "الليكود" في حكومة الوحدة القومية، وقيل أنه كان عنصرا مركزيا في ما أسمته الحلبة السياسية بـ "المناورة النتنة"، التي حاول فيها رئيس حزب "العمل" في حينه شمعون بيرس، إحداث انقلاب على رئيس الحكومة الليكودي يتسحاق شمير، من خلال إقامة تحالف جديد بمشاركة كتلة دينية أصولية متشددة، ولكن الأمر تكشف بسرعة، وقادت هذه الخطوة إلى خروج حزب "العمل" كليا من الحكومة، إذ كان ينادي الحزب في حينه بالتجاوب مع التوجهات الدولية وخاصة الأميركية، لعقد مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط.

القفز خطوات أكبر

في فترة التقاطب في حزب "العمل" بين زعيمي الحزب شمعون بيرس ويتسحاق رابين، كان رامون قبيل انتخابات 1992 في جناح الرئيس السابق يتسحاق رابين، الذي عاد لرئاسة الحزب بعد 15 عاما، وقاد الحزب لفوز محدود في الانتخابات البرلمانية في ذلك العام، إذ ما كان بإمكانه تشكيل حكومة وإعادة حزبه إلى رئاسة الحكومة لولا ما عرف بتسميته في حينه "الجسم المانع" بمعنى المانع لحكم الليكود، وهذا بفضل كتلتي الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، التي كان لها 3 مقاعد، والحزب الديمقراطي العربي مقعدين، وشكلت هاتان الكتلتان بيضة القبان، التي رجحت كفة "العمل" دون الانخراط في حكومته.
ولكن قبل تلك الانتخابات قاد رامون مع آخرين انتقال الحزب إلى طريقة الانتخابات المفتوحة أمام الجمهور الواسع لاختيار مرشحي الحزب على اللائحة الانتخابية، في الانتخابات البرلمانية، أي على الطريقة الأميركية "برايمرز"، ولكن هذه ليست فقط أنها لأول مرة يتم اتباعها في إسرائيل، بل أن هذه الطريقة وضعت حدا لسيطرة القيادة التقليدية المقلصة في الحزب، التي كانت تفرض على أعضاء الحزب لائحة انتخابية.
وتسلم رامون في حكومة يتسحاق رابين منصب وزير الصحة، وقاد في تلك الفترة سن قانون الصحة الجديد، الذي قلب كل ما كان قائما، ولكنه وضع أسسا رأسمالية بعيدة عن مصطلح "دولة الرفاه"، وليفسح المجال على وسعه أمام ظاهرة "طب للأغنياء وطب للفقراء"، المستفحلة من عام إلى آخر في السنوات الأخيرة.
إلا أن رامون وكما يبدو لم يكتف بالمنصب الذي تولاه، وأراد القفز إلى أعلى وعيناه متجهتان نحو القمة، ولكن مرحليا لتولي حقيبة ارفع، وكما يبدو فقد اعتقد أن الطريق الأسرع لهذا المنصب قد تمر عبر "عرين" حزب "العمل" حتى تلك السنوات، اتحاد النقابات العامة "الهستدروت"، الساحة الخلفية للحزب، ولكنه يشكل عمودا فقريا في قوة الحزب الميدانية، إذ أنه كان يسيطر على 30% من الاقتصاد الإسرائيلي، ولكن في تلك السنوات فإن حالة التعفن في قيادة الهستدروت وأذرعه لم يعد بالإمكان السكوت عليها، فرأى رامون أن هذه فرصته للانقضاض على زعامة الهستدروت بأي ثمن.
حتى اليوم يُذكر لرامون "خطاب الحيتان" الذي ألقاه في المجلس المركزي للحزب، الذي هاجم فيه القيادة التقليدية للحزب التي تسيطر على الهستدروت، وأحدث خطابه ضجة كبيرة، ولكن رامون لم يقدر على تولي قيادة اللائحة الانتخابية للحزب في انتخابات الهستدروت، فقام بخطوة انشقاقية في داخل الحزب، والى جانبه زميله عضو الكنيست عمير بيرتس، وخاضا الانتخابات النقابية، بعد استقالته من حكومة رابين.
في انتخابات 1994 النقابية نجح رامون في الإطاحة بزعامة حزب "العمل" في الهستدروت، دون أسف كوادر الحزب، ولم يغادر رامون الحزب إطلاقا فقد بقي ضمن كتلته البرلمانية، إلا أن رامون قام بخطوات غير محسوبة في الهستدروت، الغارق في عجز مالي بمئات ملايين الدولارات، إن لم يكن مليارات بعد شمل عجز شركاته الاقتصادية الضخمة، وكانت تلك الخطوات كفيلة بأن ضربت اتحاد النقابات، وخفضت عدد الأعضاء فيه بمئات الآلاف دفعة واحدة، واستمرت العضوية في التراجع.
في أواسط العام 1995، وبعد عام على تلك الانتخابات النقابية، استوعب رامون أن خشبة القفز التي أرادها ليصل إلى القمة انكسرت من تحته، وبدأ يبحث عن مخرج، وكما يبدو فإن رئيس الحكومة يتسحاق رابين في حينه التقط الأمر وعرض عليه العودة إلى الحكومة وزيرا، وبتزامن مع تلك الفترة تم اغتيال رابين، وانضم رامون فورا إلى حكومة شمعون بيرس وزيرا للداخلية لبضعة أشهر إلى حين انتخابات ربيع العام 1996.
في النصف الثاني من سنوات التسعين استوعب رامون أيضا أن رئيس الأركان السابق إيهود باراك سيعرقل كل مساعيه للوصول إلى القمة، ولهذا كانت المنافسة واضحة بينهما، بعد هزيمة الحزب في العام 1996، وخسرها رامون في العام 1997
ليكون نداً دائما
لباراك، حتى عندما وصل باراك إلى رئاسة الحكومة في العام 1999، وكان فيها رامون وزيرا.
بعد أن خسر باراك رئاسة الحكومة في انتخابات 2001، كان رامون أحد عرابي دخول "العمل" إلى حكومة أريئيل شارون، رغم أنه لم ينجح في تولي حقيبة وزارية، ولكن تلك المرحلة كانت بداية علاقة خاصة مع أريئيل شارون، تطورت في محاولات رامون بعد الانتخابات البرلمانية في مطلع العام 2003 لضم حزب "العمل" إلى حكومة شارون الثانية، ولم ينجح رامون إلا في مطلع العام 2005، حينها بات رامون وزيرا بتوصية شارون، حتى وإن كان من دون حقيبة، واستمر في الحكومة 10 أشهر إلى أن غادر حزب "العمل" الحكومة.
ولكن رامون وبتزامن مع خروج "العمل" من الحكومة، سارع الخطى لينضم إلى صديقه الجديد شارون في إقامة حزب "كديما" الذي غالبيته الساحقة منسلخة عن حزب "الليكود" وانضم إلى رامون من "العمل" الزعيم التاريخي للحزب شمعون بيرس والنائبة داليا ايتسيك.

بدايات السقوط

لقد برزت ديناميكية رامون في الحزب الناشئ "كديما"، بعد 42 يوما من سقوط شارون على فراش المرض في غيبوبة ما زال غارقا فيها، إذ قبل ذلك كان تحرك رامون من وراء الكواليس، وبعد انتخابات مطلع ربيع 2006 تولى رامون وزارة القضاء وشرع بعد اليوم الأول لدخوله إلى المنصب بمحاولات لتوجيه ضربة لجهاز القضاء والمحكمة العليا، متبنيا بذلك توجهات قائمة لدى "القوى الخفية" من الطغمة المالية، التي سعت دائما إلى تقليص دائرة القرار في إسرائيل، وفي هذه النقطة بالذات التقت مصالحها مع قوى اليمين المتشدد والمتدينين الأصوليين، التي رأت بالمحكمة العليا عائقا أمام الكثير من طموحاتها السياسية من جهة، والدينية من جهة أخرى.
وكان هذا بتزامن مع ظهور رامون "الحمائمي" السابق في حزب "العمل" بمواقف أكثر يمينية، فمثلا في أيار/ مايو من العام 2006، ولدى دفاعه في الكنيست عن قانون المواطنة العنصري الذي انتقدته المحكمة العليا الاسرائيلية، قال رامون من على منصة الكنيست، إنني اعتز بأن إسرائيل دولة عنصرية.
ولكن رامون وفي ركضه نحو منصات وحلقات متضاربة في الحلبة السياسية لتنضم لها الحلبة القضائية، بدأ يوسع حلقة المعارضين له لأسباب مختلفة، حتى أوقع نفسه في مطب كلفه ثمن مستقبله السياسي، ففي ظهيرة يوم الثاني عشر من تموز/ يوليو العام 2006، وبعد ساعات من عملية حزب الله اللبناني التي أوقعت عدة قتلى بين جنود الاحتلال، وأخذ ثلاثة جنود أسرى، وحين كان رامون في مكتب رئيس الحكومة في قاعدة رئاسة اركان الجيش في إسرائيل، قام بتقبيل مجنّدة تعمل في مكتب السكرتير العسكري لرئيس الحكومة، وقيل لاحقا أنها قبلة بغير ارادة المجندة، التي قدمت ضد رامون شكوى تحرش جنسي.
هذه القضية التي انتهت باستقالة رامون بعد شهرين من منصبه وزيرا للقضاء والحكم عليه بعد أكثر من عام، بالعمل لخدمة الجمهور 120 ساعة، ما تزال حتى الآن قيد فحص مراقب الدولة، في شبهات أن جهات ما في الشرطة وجهاز القضاء دفعت بالملف نحو المسار الجنائي وبالضغط على المجندة لتقدم شكوى بهدف الإطاحة برامون.
ولكن على أي حال، فهذه القضية غيّبت رامون عن الحلبة السياسية لفترة طويلة، وعاد في الأشهر الأخيرة لحكومة إيهود أولمرت كنائب أول له، وبدور باهت سياسيا، ووسط انتقادات جهات حقوقية ومناصرة للمرأة.
وفي الانتخابات البرلمانية الأخيرة وجد رامون نفسه ملقى في المرتبة 17 على لائحة الحزب بموجب التدريج الذي أفرزته الانتخابات الداخلية المفتوحة للحزب، ومنذ تلك الانتخابات وحتى يوم استقالته، كان رامون مجرد اسم مطبوع على لائحة أعضاء الكنيست ولم يشعر أحد بوجوده، وفقط أنه أيد موقف رئيسة الحزب تسيبي ليفني في معارضتها للانضمام إلى حكومة بنيامين نتنياهو.
رامون مكث في أروقة الكنيست 26 عاما وشهرين، وغادرها خائبا دون أن يحصل على ما تمناه، وهناك من يتوقع عودة أخرى لرامون إلى الحلبة السياسية، ولكنه إن عاد فإنه لن يكون اكثر من عضو عادي في كتلة حزبية، ولا أكثر من ذلك.



تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر