إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



نتنياهو يضرب النظام البرلماني

السبت 1/8/2009
برهوم جرايسي- "العرب" القطرية

أنهى البرلمان الإسرائيلي، الكنيست، هذا الأسبوع، دورته الصيفية، ليخرج إلى عطلة تستمر حتى منتصف أكتوبر المقبل، وذلك بعد دورة برلمانية عاصفة، شهدت تحولات وبدايات لتحولات في النظام البرلماني، وتضرب "الحيز الديمقراطي"، إن صح التعبير، من خلال إجراءات وقوانين، ستحتاج لاستكمالها جلسة استثنائية أو أكثر، قد تعقد خلال أيام.
بداية وعلى الرغم مما يُشاع، وكأن في إسرائيل نظام ديمقراطي، فإن هذه تسمية مشوهة ولا يمكنها أن تتماشى مع الواقع، لأن الديمقراطية والعنصرية لا تتوافقان، وإسرائيل التي تنتهج أبشع سياسة تمييز عنصري في التاريخ الحديث، ضد فلسطينيي 48، عدا عن سياسة الحرب والاحتلال والاستيطان، في الضفة الغربية وقطاع غزة وهضبة الجولان السورية المحتلة، لا يمكنها الإدعاء بأن نظامها ديمقراطي، بالمفهوم الدولي والمنطقي لنظام كهذا.
وقد "ينبهر" البعض من الحراك السياسي لفلسطينيي 48، وانتظامهم في أحزاب والمشاركة في الانتخابات العامة، ولكن لهذا العمل السياسي ثمن باهظ، إذ أن سياسة الاضطهاد لم تتوقف، وإن حقق فلسطينيو 48 انجازات لهم على مر السنين، فهذا بفضل النضال العنيد، وليس بسبب تغيرات في السياسة الإسرائيلية أو بسبب "نوايا إسرائيلية حسنة".
ولكن بشكل عام، وخاصة تجاه المجتمع الإسرائيلي، فما يزال النظام نظاما برلمانيا مؤسساتيا، فيه الأحزاب الحاكمة والمعارضة، وهناك أسس عمل برلماني قائمة منذ عشرات السنوات وتطور ذاتها.
إلا أنه في الدورة البرلمانية المنتهية، وعلى الرغم من قصر مدتها، ثلاثة أشهر، سارعت حكومة بنيامين نتنياهو لسن عدة مشاريع قوانين، لم تنجح بعد في إقرار جميعها، ولكنها ما تزال مطروحة على جدول الأعمال، وقد يتم استئناف النظر بها في الدورة الشتوية المقبلة، وتهدف إلى تقليص دائرة القرار في إسرائيل، من خلال تقليص صلاحيات البرلمان، وتهميش دوره في الحياة السياسية.
ودوافع هذا الاتجاه تعود لأمرين: الأول سياسي في اتجاهين، وهما سيطرة اليمين المتشدد على مؤسسات الدولة السياسية والعسكرية والقضائية، وتهميش الوزن الانتخابي لفلسطينيي الـ 48، أما الأمر الثاني، فهو ضمان حرية الحراك الاقتصادي، للتجاوب مع كبار أصحاب رأس المال، المحليين وحتى الخارجيين، إذ يتبع نتنياهو، وحتى منذ أن كان وزيرا للمالية في حكومة أريئيل شارون السابقة، سياسة اقتصادية شرسة، يسمونها في إسرائيل "سياسة خنازيرية"، نظرا لقسوتها على الشرائح الفقيرة والضعيفة، وحتى أنها تطال بشكل متواصل الشرائح الوسطى.
ومن أبرز القوانين التي حاولت حكومة نتنياهو تمريرها، كان قانون يلغي الأغلبية العادية لإسقاط الحكومة، أي 61 نائبا من اصل 120 نائبا، لتكون الأغلبية المطلوبة 65 نائبا، من أصل 120 نائبا، وهذا ليس اختيار صدفة، إذا تنبهنا إلى حقيقة أن الكتل الوطنية الثلاث الناشطة بين فلسطينيي 48 تضم 11 نائبا، ولكن هذا القانون لم يقر نهائيا بعد.
وجرى تغليف هذا القوانين بمزاعم ثبات الحكم في إسرائيل، على ضوء أنه خلال 61 عاما جرت 18 انتخابات برلمانية، ولم تكمل سوى خمس دورات برلمانية ولايتها كاملة، وكانت آخر دورة تلك التي بدأت في العام 1984 وانتهت في العام 1988، ومعدل ولاية الكنيست اليوم حوالي ثلاث سنوات بدلا من أربع حسب القانون.
وهذا العقلية لا تنحصر فقط في اسقاط الحكومة، بل هناك سعي لاقرار قانون يلزم بإجراء استفتاء عام، في حال تم التوصل إلى اتفاق يقضي بانسحاب إسرائيل مما تعتبره "جزءا منها"، مثل هضبة الجولان السورية المحتلة والقدس المحتلة، بعد ضمها للقانون الإسرائيلي، وما يعيق اقرار هذا القانون، الذي لا شرعية له إطلاقا، هو الجدل الدائر حول الأغلبية المطلوبة لهذا الاستفتاء، إذ تطالب قوى اليمين المتشدد أغلبية 60% وهذا أيضا بهدف تحييد الوزن الانتخابي لفلسطينيي 48.
إلى ذلك، فإن الحكومة تسعى إلى إقرار قانون، في جلسة استثنائية قد تعقد الأسبوع المقبل، يغير موازين القوى في داخل البرلمان، من خلال تخفيف القيود المفروضة على انشقاق الكتل البرلمانية الكبيرة، وحسب ما يدور في الأروقة السياسية، فإن القانون يهدف إلى زعزعة مكانة حزب المعارضة، "كديما"، برئاسة وزيرة الخارجية السابقة تسيبي ليفني.
ولكن ما يؤجج الضجة حول هذا القانون، هو أن الحكومة الحالية تريد تغيير أساليب اللعبة البرلمانية، بأن يبدأ تطبيق القانون فورا، خلافا للتقليد القائم، وهو أن كل تغيير في قوانين النظام يبدأ تطبيقه بعد الانتخابات التالية، وليس خلال الدورة البرلماني التي أقر فيها التغيير، إلا إذا كان حوله إجماع.
كذلك فإن حكومة نتنياهو سرّعت عملية سيطرة اليمين المتشدد على جهاز القضاء، من خلال تركيبة ممثلي الحكومة والكنيست في لجنة تعيين القضاة، إذ أن غالبيتهم إن لم يكن كلهم من المستوطنين، فاليمين لا يكتفي بما تثبته دراسات أكاديمية إسرائيلية حول تغلغل العنصرية في جهاز القضاء، بل يريد سيطرة كلية على هذا الجهاز.
وهذه التحركات قادت إلى إجراءات غير مسبوقة من المعارضة مثل مقاطعة عدة جلسات للكنيست احتجاجا على سطوة الحكومة، التي تضرب أسس اللعبة البرلمانية التقليدية.
إن المشهد الحاصل في الحلبة الداخلية الإسرائيلية الحالية، هو أن مجموعات صغيرة، دينية أصولية واستيطانية، وحتى أنها مجتمعة لا تشكل أغلبية من بين السكان، تسعى للسيطرة على النظام، على حساب الأغلبية العلمانية، مستغلة بذلك أجواء سياسية وموازين قوى برلمانية، وكونها الكتلة الصغيرة المرجحة وتقرر أي من الأحزاب الكبيرة يتولى الحكومة.
كل المؤشرات تدل على أن المجتمع الإسرائيلي عاد ليسير نحو مرحلة استقطاب بصيغة جديدة، فإن كان في النصف الأول من سنوات التسعين من القرن الماضي في مرحلة استقطاب سياسي، فإن الاستقطاب الجديد سيكون بين القوى الدينية والسياسية المتشددة، وبين الجمهور الأوسع، الذي سيرفض قيود دينية أخرى تفرضها هذه المجموعات الصغيرة على حياته اليومية، اضافة إلى تقليص أكثر للحيز الديمقراطي، وهذا الاستقطاب الذي نرى بداياته الأولية في هذه المرحلة، سيتحول إلى أزمة داخلية جدية في المجتمع الإسرائيلي.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر