إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



إنسانية إسرائيل

الثلاثاء 4/8/2009
برهوم جرايسي- "الغد" الاردنية

تشهد إسرائيل في الأيام الأخيرة زوبعة متجددة، حول قرار وزارة الداخلية الإسرائيلية طرد عدد من أبناء العمال الأجانب وعائلاتهم المقيمين فيها منذ سنوات طويلة، ومنهم من وُلد في إسرائيل، إن كانوا من حملة تأشيرات العمل أو من دونها، لتتخيل وكأنك أمام مجتمع تعج فيه الحركات والقوى السياسية المناصرة لحقوق الإنسان، أي إنسان، شرط أن لا يكون فلسطينيا.
ويدور الحديث حول آلاف ولربما عشرات الآلاف من أبناء عائلات العمال الأجانب، ويصعب حصرهم بسبب تضارب المعطيات الرسمية وغير الرسمية، ففي حين تدعي وزارة الداخلية أن عددهم يصل إلى 300 ألف شخص، فإن حركات ومنظمات سياسية واجتماعية تقول إن العدد أقل بكثير.
وقد أطلقت الوزارة ذاتها في الأسابيع الأخيرة، حملة لترحيل عائلات العمال الأجانب بدعوى أنهم مواطنين غير شرعيين، وهنا ثارت مختلف وسائل الإعلام الإسرائيلية الكبرى، والى جانب حركات اجتماعية، وحتى قوى سياسية، من اليسار وحتى اليمين، "تستصرخ الضمائر"، وتكثر الحديث إلى أبعد الحدود عن الجانب "الإنساني"، وأنه "كيف من الممكن طرد أطفال وشبان ولدوا هنا، وباتوا إسرائيليين جدا"، ومنهم من اللغة العبرية باتت لغته الأولى، و"منهم من تجند للجيش"، وغيرها من المبررات.
للوهلة الأولى، وحينما تراقب هذا المشهد، وعناوين الصحف الصارخة، ومنها ما احتل الصفحة الأولى كلها من الحجم الوسط، وحين تراقب حركات الاحتجاج التي وصلت إلى حد المظاهرات في تل أبيب، وحين يُصدر رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو "بيانا فوق العادة"، وبسرعة فائقة يصدر تعليماته لوزير الداخلية لتجميد الإجراءات لمدة ثلاثة أشهر إلى حين إعادة النظر في الموضوع، تعتقد أنك أمام دولة طبيعية، ومجتمع طبيعي، لا همّ له سوى الدفاع عن حقوق الإنسان وعن الإنسانية والمجتمع الإنساني.
ولكن هذه الصحف ذاتها والغالبية الساحقة جدا من القوى السياسية والمنظمات الاجتماعية، خاصة اليمينية منها، تقف في الجانب الوحشي والاحتلالي القاتل، في أكبر قضية لجوء مناقضة لكل الأسس الإنسانية وحقوق الإنسان، فهؤلاء كلهم الذين يسعون لتجميل حقيقتهم أمام العالم، هم أنفسهم من يعارضون بشدة إلى درجة الإجماع، عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم وأراضيهم وقراهم، إن كانوا اللاجئين خارج الوطن، أو اللاجئين في وطنهم، الذين يراقبون يوميا بلداتهم التاريخية التي أقيمت على انقاضها مستوطنات، وحتى من بين مستوطنيها اليوم، من ينادي بحقوق العمال الأجانب وعائلاتهم.
وهذه القضية التي تثور من حين إلى آخر، انضمت لها في السنوات الأخيرة قضية أخرى، تتعلق باللاجئين من أفريقيا، الذين يتسللون عبر الحدود مع صحراء سيناء، وغالبيتهم من السودان، وحسب ما ينشر من منطقة دارفور، ولكن أيضا من دول أفريقية أخرى.
وفي هذه القضية أيضا، رأينا نفس المشهد حين "هبّت" قوى من كافة التيارات السياسية الإسرائيلية ترفض طرد وإعادة اللاجئين "لأسباب إنسانية"، وكثرت توجهات المنظمات الاجتماعية للمحاكم الإسرائيلية ضد طرد هؤلاء، أو ضد ظروف إقامتهم في معسكرات مغلقة، وغيرها.
وفي أحد الأيام وقعت بين يدي "عريضة" وقع عليها عشرات أعضاء الكنيست، وكانت فيها أسماء مقززة، من أشرس العنصريين الذين عرفتهم الحلبة السياسية الإسرائيلية في تاريخها، كشفوا عن "وجوه إنسانية" من طراز جديد.
لا يمكن لهذا المشهد الحاصل في إسرائيل، الذي باتت تتناقله وسائل الإعلام العالمية بإبراز ليس وليد صدفة، أن يغيّر حقيقة أن إسرائيل هي أكبر دولة عنصرية في التاريخ المعاصر، وما هذه المشاهد إلا محاولة بائسة لتجميل الوجه الحقيقي القبيح للنظام في إسرائيل، وللأجواء العنصرية السائدة في الشارع الإسرائيلي.
ففي الوقت الذي كانت فيه إسرائيل "الشعبية" تتباكى على حقوق هؤلاء الأجانب، كان مستوطنو الضفة الغربية يحرقون الحقول الفلسطينية ويعتدون على الفلسطينيين، وسط سمع وبصر قوات الاحتلال المتواطئة، ولكن أنباء كهذه بالكاد كانت تظهر في موجز، وليس لأهم الأنباء.
وفي الوقت الذي انشغل فيه الإعلام الإسرائيلي بـ "إنسانية" فوق العادة، كانت "إنسانية الاحتلال" تواصل التهام الأرض الفلسطينية مرتكبة واحدة من أبشع جرائم الحرب ضد الإنسانية: الاستيطان، وأيضا هذا وسط تضليل وإخفاء مبرمج.
المنطق الطبيعي، يقول إن عائلات العمال الأجانب هم بشر لهم حقوق إنسانية، أينما كانوا، ولكن حين تكون قضيتهم في إسرائيل بالذات، فإن قضيتهم تكون وسيلة انتهازية لتبييض سياسة عنصرية شرسة على كافة المستويات.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر