لا يكفي التوقيع على اتفاق صنعاء:النوايا والإرادة هي الأساس



*الحذرون يقولون إن الخلافات العربية ورغبة هذه الدولة أو تلك بالتفرد بالمسالة الفلسطينية، وكذلك الرغبة في إفشال مساعي هذه الدولة العربية أو تلك بسبب  التنافس والخلافات العربية "التاريخية"، تلعب دورا هاما في قضية الاتفاق أو الاختلاف الفلسطيني. فمن يضمن بأن هذا الرئيس العربي أو ذاك سوف يكون راضيا عن توقيع الاتفاق في عاصمة اليمن؟*


مع توصل طرفي "النزاع" في قيادتي حركتي فتح وحماس، أو "الأخوة الأعداء" إذا جاز التعبير، إلى الاتفاق حول المبادرة التي أطلقها الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، سرت حالة من "البهجة والسرور" في الشارع الفلسطيني، وقد شاهدت كما وسمعت العديد من المواطنين وهم يتبادلون التهاني والتبريكات بهذه المناسبة، كما لاحظت على وجوه البعض بسمة حقيقية تعبر عن حالة من الانفراج والفرح.

رغم أن هذه الحالة- السرور والغبطة- كانت السمة العامة في الشارع، إلا أنه وبالمقابل كانت هنالك حالة من الحذر الشديد لدى الكثيرين حول توقيع الاتفاقية أو المبادرة، والتي يمكن فهمها بدون شك، وذلك لكثرة الاتفاقيات التي تم توقيعها بين الطرفين، والتي كانت تنتهي، بحسب بعض المواطنين،  بكلمات "رنانة وشعارات طنانة  لم يتم ترجمتها على الأرض بشكل حقيقي" عن حرمة الدم الفلسطيني وحرمة الاقتتال وضرورة الوحدة الفلسطينية وجميع المحرمات والخطوط، بغض النظر عن لونها سواء كانت الحمراء منها أو غير الحمراء.

على أي حال فإننا نعتقد أن كلا الحالتين مبررة ومشروعة، ولا يمكن إلا أن نجد العذر لكلا الطرفين. فالأول يعتقد بأن هذا الخبر يبعث على التفاؤل والسعادة وهو كذلك  يعتقد بأن هذا الاتفاق قد يعيد إلى القضية الفلسطينية رونقها وأهميتها وأن تعود فتأخذ مكانتها ومكانها الطبيعي في الأحداث الدائرة في المنطقة، خاصة لما لهذه القضية من أبعاد في الضمير العربي والإسلامي، والأممي أيضًا.

وأما بالنسبة للطرف الثاني- الحذِر - فهو أيضا معه الحق كله، خاصة في ظل التجربة لا بل التجارب المريرة والسيئة وغير المشرقة التي مرت بها الساحة الفلسطينية في أحداث خلال المرحلة القريبة الماضية والتي سقط فيها من الضحايا من أبناء فلسطين بأيد فلسطينية ما لم يقع من قبل، وربما فاق ما سقط على أيدي قوات الاحتلال الإسرائيلي في الفترة المحددة نفسها.

المتفائلون يعتقدون بإن من سقط من ضحايا سواء قتلى أو جرحى أو معوقين، وما وقع خراب وتدمير كبيرين – وخراب بيوت كثيرة وتشتيت شمل، خاصة من قطاع غزة-  قد يكون هو الدرس الذي تعلمه طرفا "النزاع" الفلسطينيين. ويعتقدون بأن ما سال من دم مجاني خلال دورة "الصراع والعنف" على السلطة قد يكون "اشبع  نهم" من كانوا سببا في  إسالة دماء كثيرة واشبع بالتالي غريزة القتل الموجودة لدى هؤلاء.

أما المتفائلون بحذر، فإنهم يذكّرون بكل الاتفاقات، ومنهم من يقول بأن لا مشكلة مع كل الاتفاقات التي تم توقيعها في غزة وغير غزة، لا بل يقولون إنهم لن يتوقفوا أمام كل تلك الاتفاقيات، إلا أنهم يصرون على التوقف أمام اتفاق مكة، هذا الاتفاق الذي تم برعاية  الملك السعودي عبد الله حيث تم توقيع الاتفاق المذكور في أقدس بقعة في العالم بالنسبة للمسلمين، وقد كان الكثير من تصريحات الوفدين في حينه تشير إلى هذه القضية -  قدسية المكان- لا بل إنهم قالوا بان اختيار مكة جاء على تك الخلفية وحتى "لا  يتجرأ أحد" على نقض تلك الاتفاقية بسبب أو بدون سبب.

ويضيف هؤلاء بأن من لم يحترم اتفاقية مكة – بغض النظر عن كل سابقاتها- لن تكون لديه مشكلة أو مانع في أن ينقض اتفاقية اليمن أو صنعاء أو أي اتفاقية أخرى في أي دولة أو عاصمة أخرى، خاصة أن الاتفاق بين الفلسطينيين صار عرضة للتدخلات العربية وغير العربية وصارت بعض الأجندات، سواء العربية منها أو الإقليمية أو الدولية، تلعب دورا كما  وتتدخل بشكل سافر في المسألة الفلسطينية.

 الحذرون يقولون أيضا بأن الخلافات العربية ورغبة هذه الدولة أو تلك بالتفرد بالمسالة الفلسطينية، وكذلك الرغبة في إفشال مساعي هذه الدولة العربية أو تلك بسبب  التنافس والخلافات العربية "التاريخية" التي يعرفها الجميع، تلعب دورا هاما في قضية الاتفاق أو الاختلاف الفلسطيني. فمن يضمن بأن هذا الرئيس العربي أو ذاك سوف يكون راضيا عن توقيع الاتفاق في عاصمة اليمن؟ وعليه فإنه لن يكون غريبا إذا ما عملت هذه الدولة أو تلك على إفشال الاتفاق الذي تم توقيعه.

في خضم هذه المشاعر التي تعم الشارع الفلسطيني والتي هي كما قلنا مبررة ومشروعة، فانه صار لزاما على قيادتي الحركتين أن تدركا بأن "الحل والربط"  برغم التأثير  الهائل للعوامل الخارجية (العربية، الإسرائيلية، الإقليمية والدولية) -وهم بالضرورة مدركون لذلك- إنما هو أمر في اليد الفلسطينية. وهذه القيادات قادرة على إجهاض وإفشال أي محاولات للتدخل في الشؤون الفلسطينية إذا ما كان هنالك حرص حقيقي على  القضية الفلسطينية وعلى المصالح العليا للشعب الفلسطيني، أو إذا ما توفرت النية الصادقة من أجل بناء البيت الفلسطيني أو ترميمه وإعادة إعماره وإعادة اللحمة الى شطري الوطن المُحتلّ.

بالإضافة إلى هذا فإن على قيادتي الفصيلين أن يتوقفا عن التعامل مع القضية الفلسطينية وكأنما هي "ملكية" خاصة أو "مزرعة" تورثها هذا الفصيل أو ذاك عن "آبائه وأجداده"، فليس من حق أي منهما أن يرمي بها في مهب الريح "إكراما" لمصالح فصيله. كما أن لدى الناس بشكل عام أمل في قادة حركة حماس بـأن يتوقفوا عن استعمال سيف "الدين" على رقاب العالم من اجل الترهيب والترغيب لان هذا بتقديرنا خطر لا يماثله أي خطر، وان يتعاملوا على قاعدة أن الدين لله والوطن للجميع. وأخيرا فإننا نتمنى أن تكون النوايا صادقة لدى طرفي "النزاع" وذلك من أجل الوصول بالقضية الفلسطينية وبالشعب الفلسطيني إلى شاطئ الحريّة الأمان.


(بيت لحم)  

رشيد شاهين*
الثلاثاء 25/3/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع