حزبنا الشيوعي يُحيي 90 عامًا من النضال:
ذكريات خِتيار لم تمُتْ أجياله (8)



* قامت السلطات ولاول مرة بهدم بيت لاحد مواطني عرابة في شهر تموز من سنة 1957 بحجة "البناء غير المرخص"، وهو بيت السيد علي ابراهيم الحلو. ولكن رد اهالي عرابة على هذا الاعتداء الهمجي جاء سريعا وقويا، حيث وقفت جماهير عرابة بأكثريتها المطلقة ضد هذا العمل الاجرامي واللاانساني وفي اليوم التالي لعملية الهدم عُقد اجتماع شعبي على انقاض البيت المهدوم وتكلم فيه عضو الكنيست اميل حبيبي، وفي هذا الاجتماع انتُخبت لجنة شعبية من اهالي عرابة من اجل جمع الاموال لاعادة بناء البيت المهدوم* ماير فلنر قال: "بالرغم من أنني علماني ولكن هناك صديق لي في عرابة متدين وعندما كنت في الصين وخلال زيارة لإحدى المكتبات هناك وجدت نسخة من القرآن الكريم، فأحضرتها وقدمتها هدية لهذا الصديق"..* 

في تلك الفترة رفع شعار "مع الشعوب العربية ضد الاستعمار وليس مع لاستعمار ضد الشعوب العربية" وعمليا كانت هناك وحدة في الموقف من اجل صد المؤامرات على الجماهير العربية، وضد السياسة العنصرية المتبعة ضد جماهيرنا ومن اجل الغاء الحكم العسكري البغيض الذي بقي رازحا على كاهل جماهيرنا العربية ردحا من الزمن. بعد هذا المؤتمر الهام بفترة قصيرة كان هناك اعتداء وحشي قد جرى ضد جماهير عرابة البطوف، حيث قامت السلطات ولاول مرة بهدم بيت لاحد مواطني عرابة في شهر تموز من سنة 1957 بحجة "البناء غير المرخص" وهو بيت السيد علي ابراهيم الحلو. ولكن رد اهالي عرابة على هذا الاعتداء الهمجي جاء سريعا وقويا حيث وقفت جماهير عرابة بأكثريتها المطلقة ضد هذا العمل الاجرامي واللاانساني وفي اليوم التالي لعملية الهدم عقد اجتماع شعبي على انقاض البيت المهدوم وتكلم فيه عضو الكنيست اميل حبيبي، وفي هذا الاجتماع انتخبت لجنة شعبية من اهالي عرابة من اجل جمع الاموال لاعادة بناء البيت المهدوم.
وفي اليوم الثاني الذي تلى الاجتماع قام الاهالي باعادة بناء البيت، وحين اقترب الانتهاء من اعادة بناء البيت واذا بقوات كبيرة من الشرطة وحرس الحدود تصل وتبدأ عدوانها على جميع الذين تواجدوا هناك وقد اعتقل عددا من المتواجدين هناك وكان من بينهم الرفيق ابراهيم شكري شمشوم الذي كان سكرتيرا لفرع الحزب الشيوعي في عرابة والذي كان يعمل في مهنة البناء حيث كان في تلك الساعة متواجدا على سطح المنزل الذي اعيد بناؤه. وكان من بين المعتقلين ايضا شقيق صاحب البيت السيد مصطفى ابراهيم حلو، وفي الطريق خلال عملية الاعتقال حاول افراد الشرطة تنظيم مؤامرة لاغتيال الرفيق ابراهيم شمشوم حيث طلبوا من السيد مصطفى الحلو خلال سيرهم بالقرب من قرية ميعار ان ينزل ويعود الى عرابة، وكان قد عرف الهدف من هذا "الكرم الزائد" وعندها رفض ان ينزل ويعود للقرية الا برفقة ابراهيم شكري. وجاء ذلك التآمر على ابراهيم لانه كان معروفا كشيوعي صلب فأرادوا التخلص منه او على الاقل كسر شوكته، ولكنهم فشلوا في اسلوبهم الدنيء هذا.
وفيما بعد جرى ايضا اعتقال عدد اخر من رفاق الحزب ومن اهالي عرابة كان من بينهم بالاضافة لابراهيم شكري، سليم ابراهيم كناعنة، محمد شاكر خطيب، ابراهيم محمد زيدان، مصطفى محمود نعامنة "سمنة"، محمد محمود داهود عاصلة وعلي خليل الموسى، وهؤلاء بعضهم كانوا قد اعتقلوا اداريا حيث توجه المحامي الشيوعي هرتسبرغ بطلب الى اللجنة الاستشارية التي يرأسها قاضي محكمة العدل العليا في ذلك الوقت "فيتكون" من اجل النظر في الاعتقالات الادارية التي جرت في عرابة وطالب باطلاق سراحهم.
على اثر حادث الهدم كتب الرفيق طيب الذكر فؤاد خوري مقالا تحت عنوان "أسياسة تنظيم ام سياسة تهديم واضطهاد"، وارى من المناسب نشر هذا المقال اليوم ايضا لاهميته وملاءمته مع الواقع الذي تعيشه اليوم جماهيرنا في مقارعة سياسة هدم البيوت في هذه الايام.
ان هذه المعركة التي خاضها فرع الحزب الشيوعي في عرابة مع جماهير القرية ضد سياسة هدم البيوت والاقتلاع من الوطن، والتي كانت اول معركة بين الجماهير العربية والسلطات الاسرائيلية من اجل حق هذه الجماهير في المسكن وضد السياسة العنصرية المعادية لجماهير شعبنا في هذه البلاد بشكل عام، ونتيجة لكل هذه المعارك التي خاضها فرع الحزب الشيوعي في عرابة، اصبح واضحا لسلطات الحكم العسكري واعوانه المحليين ان كل هذا التخطيط والمؤامرات التي حاكوها من اجل كسر فرع الحزب الشيوعي واضعافه في القرية جاءت بعكس ما ارادوه من هذا التخطيط وهذه المؤامرات، لا بل رأوا ان تجذّر هذا الحزب يزداد بين جماهير عرابة  واصبح قوة سياسية واجتماعية هامة في حياة القرية وكذلك في حياة منطقة الناصرة الحزبية. ولذلك ازداد اهتمام قيادة الحزب المنطقية والقطرية في هذا الفرع.
أذكر أيضًا في ذلك العام (1957) كيف سافر الرفاق ماير فلنر وفؤاد خوري الى الصين لحضور مؤتمر هناك، وكيف أحضروا هدية خاصة لوالدي هي عبارة عن نسخة من القرآن الكريم، طباعة الصين. تلك الهدية كانت تعبيراً عن العلاقة الخاصة لوالدي مع عدد من الرفاق الذين كانوا يترددون على بيتنا، وبشكل خاص الرفاق: حنا نقارة وفؤاد خوري ومايرفلنر بالرغم من أن والدي لا يعرف اللغة العبرية. كما وأذكر أنه في احد الإجتماعات قال الرفيق ماير: "بالرغم من أنني علماني ولكن هناك صديق لي في عرابة متدين وعندما كنت في الصين وخلال زيارة لإحدى المكتبات هناك وجدت نسخة من القرآن الكريم، فأحضرتها وقدمتها هدية لهذا الصديق." ولا زالت هذه النسخة موجودة حتى اليوم لدى أخي أسعد.
في هذه السنة ايضا وعلى شرف الاول من ايار والمؤتمر الثالث عشر للحزب قدمتُ طلب الانتساب لصفوف الحزب الشيوعي حيث رُفعت من صفوف الشبيبة الشيوعية الى صفوف الحزب الشيوعي. ومنذ ذلك التاريخ وانا احمل شرف العضوية في الحزب الشيوعي الاسرائيلي، وكنت قبل هذه الفترة بحوالي السنتين قد انتخبت سكرتيرا لفرع الشبيبة الشيوعية في عرابة، واستمريت في قيادة هذا الفرع حتى سنة 1965 عندما طلب مني الحزب التفرغ الكلي للعمل بين الشباب. وقد عملت دائما بمثابرة واخلاص من اجل تقوية فرع الشبيبة الشيوعية حيث اصبح عمليا احد الفروع القوية والاساسية في منطقة الناصرة وفي قرى البطوف وكانت تلقى عليّ في ذلك الوقت وقبل التفرغ للعمل في الحزب مهمات من اجل المساعدة والمساهمة في اقامة فروع للشبيبة الشيوعية في القرى المجاورة. وفي تلك الفترة نمت وتطورت فروع الحزب والشبيبة في سخنين وديرحنا والمغار وكان فرع الحزب والشبيبة في عيلبون، من اوائل الفروع في منطقة البطوف. والرفاق هناك قد اسهموا كثيرا في مساعدة فرع عرابة في السنوات الاولى لقيامه، وسائر الفروع الاخرى في البطوف، من اجل تطورها وتقويتها.
ومن الرفاق الذين كان لهم دور هام في تلك الفترة للعمل على تقوية فروع الشبيبة الرفيق فهيم زريق، ولكن لا يمكن لي ان لا اتذكر الدور الهام الذي قامت به قيادة الشبيبة الشيوعية في منطقة الناصرة في ذلك الوقت من امثال حنا ابو حنا ونصر الله كردوش أمد الله في عمرهما وطيبي الذكر عبد الفتاح الزعبي وغسان حبيب. هؤلاء الرفاق كان لهم دور هام واساسي في تربية وتثقيف الرفاق في فروع الشبيبة الشيوعية على الروح الثورية وروح التضحية والعطاء من اجل خدمة قضايا جماهير شعبنا العادلة. وكذلك، هناك الرفاق الذين اسهموا في بناء فروع الحزب الشيوعي في منطقة البطوف امثال طيبي الذكر فؤاد خوري ومنعم جرجورة وتوفيق زياد وسليم القاسم ولطفي زريق، ومن هؤلاء تعلمنا الجرأة في مجابهة نظام الحكم العسكري واعوان السلطة في قرانا العربية. وحتى اليوم عندما التقي بالرفيقين حنا ابو حنا ونصر الله كردوش تعود بنا الذاكرة الى تلك السنوات، سنوات الخمسينات الاولى ومصاعب تلك السنوات وكيف جابهناها بعزيمة قوية وبمثابرة، وكيف كنت انتقل معهم مشيا على الاقدام من عرابة الى باقي الفروع المجاورة مثل ديرحنا وسخنين وعيلبون من اجل عقد الاجتماعات هناك او من اجل التحضير لنشاطات اخرى تنوي الشبيبة الشيوعية القيام بها. واذكر كيف مشيت في احد الايام انا والرفيق نصر الله كردوش من عيلبون حتى مسكنه من اجل الوصول الى الناصرة لحضور اجتماع للشبيبة هناك. انها ذكريات لا يمكن ان تنسى ابدا. وسوف اتحدث عن سنوات 1958و 1959 في مذكراتي حول احداث ايار سنة 1958.

(عرابة البطوف)
(يتبع)

توفيق كناعنة*
الثلاثاء 25/3/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع