أعداء "إعلان صنعاء"



أثارَ توقيع "إعلان صنعاء" بين حركتي فتح وحماس ارتياحًا فلسطينيًا ملموسًا، لما يُعقد من آمال عليه نحو الخروج من حالة الانقسام الداخليّ الخطيرة. مع ذلك، لا يمكن للعين والأذن أن تغفلا الحذرَ في التعاطي مع هذه الخطوة الهامة، خاصة أنه ليس الاتفاق الأول بين الفصيلين المتنازعين على سلطة لا تزال تحت الاحتلال، بل سبقته اتفاقات لم تحظَ بما يكفي من حرص لدى موقّعيها على تطبيقها.
المرحلة اللاحقة لتوقيع "الإعلان" ستكون الأصعب، كونها تلك التي تنتظر تطبيق بنود المبادرة التي صاغتها دولة اليمن. هناك إشكاليات سترافقها وهذا أمر متوقّع، ويجب التعاطي معها بنفَس طويل، بعيدًا عن اللهجات الفصائلية المتعنّتة التي شهدناها لبضع سنوات خلت. فالمسألة لا تنحصر في انجاز خطوات رسميّة، على أهميتها، بل تستدعي تغييرًا جذريًا في التعامل المتبادل بيثن الفصيلين القياديين الأكبر في المناطق المحتلة عام 1967.
والى جانب الاشكاليات القابلة للحلّ، هناك مخاطر حقيقيّة قد تواجه العربة الفلسطينية في أثناء انطلاقها على سكّة العودة للوحدة الوطنيّة. عنوان هذه المخاطر واضح، ولا يتم ايراده هنا من باب التقدير ولا الإشتقاق..
فقد سارع مسؤولون اسرائيليون رسميون الى التصريح علانية، أن دولتهم سوف تقطع "مفاوضاتها" مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس اذا ما عاد الى سلطة وطنية موحّدة تضم ممثلي حماس. وهذا ما يشكّل ابتزازًا صفيقًا في وضَح النهار لتلك الجهة التي لا تريد أي مصالحة ولا أي مصلحة وطنية فلسطينية. ومن هنا يُنتظر من جميع الأطراف الفلسطينية الوقوف بحزم أمام ابتزازات حكّام اسرائيل، ولهم ولنا جميعًا عبرة، ومفخرة أيضًا، في الموقف البطولي المُنير الذي اجترحه القائد الفلسطيني الراحل ياسر عرفات!
الى جانب حكّام اسرائيل، هناك بالطبع حكّامهم الأمريكان.. فداعية الحرب والارهاب ريتشارد تشيني، نائب الرئيس الأمريكي، تفوّه بتلميح تهديدي قائلا إنه "لا يعتقد" أن الرئيس عباس سيوافق على المصالحة مع حماس. ولا يصحّ وضع هذا التصريح بطبيعة الحال في باب "تكهّنات تشيني"،وإنما في باب التهديد والابتزاز.
هذه الصفاقة الامريكية-الاسرائيلية كانت ولا تزال تشكّل الخطر الأكبر على الوحدة الوطنية الفلسطينية وعلى القضية الفلسطينية برمّتها. هذا هو الباب الذي تأتي منه الريح السَّموم، الذي يتطلب إرادة وإصرارًا فلسطينيين وحدويين لصدّ جميع محاولات تعميق الشرخ الفلسطيني التي تهبّ منه. فلن يتمكن هذا الشعب من فرض أجندة حقوقه الثابتة إلا من داخل بوتقة الوحدة الوطني. وكم علمنا التاريخ أنه خلافًا لهذا سنعود على الدوام الى نفس مربعات المماطلة الاسرائيلية القاتمة.
وعليه، فليكن "إعلان صنعاء" دربًا نحو العودة الى الوحدة الوطنية الفلسطينية، ومنها الى انجاز حقوق هذا الشعب الصامد.

"الاتحاد"

الثلاثاء 25/3/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع