مجلة "الجديد" في نصف قرن: مسرد ببليوغرافي



(إعداد وتقديم بروفسور محمود غنايم)

 

"تُعتبر مجلة "الجديد" مصدرا أساسيا لدراسة الحركة الثقافية العربية في إسرائيل لأنها كانت رائدة المنابر الثقافية التي صدرت في البلاد، وظلّت على مَدار السنوات التي تقترب من الأربعين مُواكبة هذه الحركة بكل ما رافقها من قفزات وكبَوات، وكانت "الجديد" المجلة التي حضنت الأقلام الواعدة والتي عرَفنا على صفحاتها رموز الحركة الأدبية في مختلف مجالات الإبداع".
يوم كتبت هذه الكلمات في دراستي الجامعية "تطوّر الحركة الشعرية العربية في إسرائيل من خلال مجلة الجديد" والتي صدرت في كتاب عن دار الهدى للنشر – كفر قرع عام 2003 قصدتُ التركيز على الدور الثقافي والفكري والأدبي الهام الذي قامت به مجلة الجديد في بلورة وتكوّن الوعي لدى جماهير شعبنا العربي في إسرائيل.
وأبرزت في دراستي هذه الدافع الأساسي لإصدار مجلة الجديد كما وضحه القائمون على الحزب الشيوعي في حينه:
1- تعاظم انتشار صحيفة "الاتحاد" وإهمالها الناحية الأدبية والفنية والتركيز فقط على نشر الأنباء المحلية والعالمية والتعليقات السياسية.
2- الموقف الإعلامي المعادي للإتحاد السوفييتي والمنظومة الإشتراكية، والرغبة في تعريف القراء على هذا العالم الذي هو أمل المعذبين والمضطهدين.
3- الواجب في تعريف الشعب بالعالم الجديد، حيث الانسان أثمن رأسمال، بأدبه وفنّه وطُرق حياته.
 وكذلك الهدف الذي حدّدوه وراء إصدار المجلة: "إننا نرجو، وسنعمل جهدنا من أجل أن يكون "الجديد" محورا تتجمّع حوله أقلام جريئة شريفة تُدرك أنّ رسالة الأدب هي الإرتباط بالنضال الثوري الذي تشنه الطبقة العاملة، والإلتحام العضوي بين أماني الفرد الإبداعية ومصالح الناس العاديين.
وقد كان إميل حبيبي واضحا في تحديد الهدف بقوله: " إنّ الأدب الذي ندعو له هو أدب الشعب. أدب يخدم الشعب في نضاله نحو سموّ مستقبله، أدب يُثير الوعي الذاتي في نفوس الشعب، ويمنح الشعب فَهم دوره وفهم العالم المحيط به، وفهم التناقض الأساسي القائم في المجتمع، بين غامسي اللقمة بعرق الجبين وسارقي هذه اللقمة، هذا التناقض الأساسي الذي من الضروري أن يكون مصدر الصراع في العمل الأدبي الذي ننشده، وينفخ فيه الحياة."
وحدّد المَسار الذي على المبدع أن يتّخذه: " يجب أن يكون الأدب انسانيّا، تقدميّا، اشتراكيّا في مضمونه، وقوميّا في شكله. ويؤكد على الأديب أن يذكر دائما أنّ الأدب هو أدب النفس وأدب الدّرس. وأنّه بدون الموهبة الأدبية والحسّ الفني لا يكون الأدب. ولكنه ليس أحاسيس فنيّة فقط، فمضمونه لا يُنقل إلاّ بواسطة اللغة، وبدون التمكن من اللغة، بمفرداتها وتشابيهها واسلوبها القومي الخاص، وكلّ ما ادّخرته اللغة خلال خبرة تاريخية طويلة الأمد، لا سبيل إلى إظهار الحسّ الفنيّ وإلى إفادة القارئ".
وكان العدد الأول من "الجديد" قد صدر في شهر تشرين الاوّل عام 1951، ثم صدرت المجلة باسم "الإتحاد" كملحق ثقافي شهري لجريدة "الإتحاد" ثم بشكلها المنتظم المستمر في شهر تشرين الثاني 1953 حتى شهر إيلول 1991.
وفي مقالة للبروفيسور ساسون سوميخ كتبها حول دراستي عن مجلة الجديد بعد صدورها في كتاب عن دار الهدى ونشرها في جريدة هآرتس يوم 13.5.2005 تحت عنوان "حياة وموت مجلة أدبية" قال محدّدا أهمية مجلة الجديد من وجهة نظره "كانت مجلة أحادية اللغة وثنائية القومية" مبرزا بذلك دور مجلة الجديد في احتضان الكتاب العرب واليهود خاصة الذين قدموا من الدول العربية ومن العراق بالتحديد، وكان ساسون سوميخ أحدهم.
وجدير بمجلة الجديد أن أوجز بعض الخلاصات التي توصلت إليها في دراستي عن " تطوّر الحركة الشعرية العربية في إسرائيل وتطوّرها من خلال مجلة الجديد" (ص 329-332):
1- استطاعت مجلة الجديد خلال السنوات الطويلة التي تقترب من الأربعين عاما أن تنقل للقارئ العربي في إسرائيل النماذج الشعرية المختلفة والواضحة في موقفها الأممي الانساني الثوري، إذا كان ذلك من الشعر العربي أو العبري أو العالمي وخاصة العالم الاشتراكي والروسي خاصة. وعرّفت القارئ على كبار الشعراء أمثال: بابلو نيرودا، بريخت، لوركا، ناظم حكمت، طاغور، يفتيشنكو، إيلوار، محمد مهدي الجواهري، بدر شاكر السيّاب، عبد الوهاب البياتي، صلاح عبد الصبور، نزار قباني، محمد الفيتوري، أدونيس وسعيد عقل.
2- نجحت مجلة الجديد في المساهمة الجادّة في خلق حركة أدبية وشعرية عربية داخل دولة إسرائيل استطاعت في أواخر الستينيات وما بعدها أن تُجاري الحركة الشعرية في العالم العربي وتكون جزءا مكمّلا لها.
3- برزت في القصائد التي نشرتها مجلة الجديد مَراحل تطوّر الحركة الشعرية العربية في إسرائيل من المرحلة الرومانسية مارّة بالذاتيّة والواقعيّة والرمزيّة، كما برزت مراحل التطوّر في شكل القصيدة من مرحلة التقليد للشعر العموديّ إلى مرحلة الشعر المَقطعي وتوزيع التفعيلة بحريّة ثم مرحلة القصيدة الحرّة
4- لقد برزت في قصائد الشعراء العرب داخل إسرائيل كلّ الأدوات الفنية التي عرفتها الحركة الشعرية العربية في العالم العربي، ونجح الشعراء العرب في الإبداع والخروج من محليّتهم.
5- شهدت سنوات السبعين وما بعدها حركة شعرية مزدهرة ومتشعبة ساهم فيها العشرات من المواهب الشابّة، وقد حضنت مجلة الجديد العشرات منهم وشجّعتهم بنشر القصائد العديدة لكل منهم.
6- رغم صدور العديد من المجلات الأدبية إلاّ أن مجلة الجديد وحدها التي استمرت بالصدور على مدار الأربعين عاما، ولهذا فقد كانت المنبر الوحيد الذي نستطيع من خلاله أن نترسّم مراحل تطوّر الحركة الأدبية والشعرية خاصة.
7- لقد نجحت مجلة الجديد في تطوير الحركة الشعرية العربية داخل دولة إسرائيل إضافة إلى خَلق كوادر عديدة من الأجيال المثقفة الواعية والمبدعة، وكذلك أن تُوجّه الحركة الفكرية إلى حدّ ما، في الاتجاه الذي خطّط له الذين أصدروا مجلة الجديد في أوائل الخمسينيات من القرن العشرين.
ويجيء عمل البروفسور  محمود غنايم "الجديد في نصف قرن- مسرد ببليوغرافي، مركز دراسات الأدب العربي- بيت بيرل"، ليؤكد أيضا على مكانة مجلة "الجديد" ودورها المهم الخاص والمتميّز، وعلى كونها المصدر الأساسي لكل باحث ودارس لحركة وعي جماهيرنا العربية في إسرائيل على مختلف الصعد، وخاصة الثقافية والأدبية والفكرية منها.
وقد قال: "عندما خطرت ببالنا هذه الفكرة لم نكن نتوقع أننا سنكتشف كنزا لا يُقدّر بثمن من الثقافة المحلية التي ضمّتها مجلة الجديد على مدى نصف قرن. اعتقدنا أنّ العملية يُمكن أن تنحصر في عدّة صفحات من كراسة صغيرة ومتواضعة، لكن الغوص في هذه المجلة الهامّة كشفَ لنا عالما مُدهشا وجانبا هاما من التاريخ المحلي على امتداد النصف الثاني من القرن العشرين. وكم كانت المسؤولية كبيرة ونحن نتعامل مع تاريخ يتكون للشعب الفلسطيني في هذه البلاد، إنّها حضارة روحيّة في غاية الأهمية، وكان لا بدّ من فهرستها بطريقة يسهل التعامل معها." (صviii ).
وحدّد مضمون المسرد الذي أعدّه بقوله: "هذا المسرد الببليوغرافي لمجلة الجديد يضم المقالات الثقافية/ الأدبية التي نشرت في الجديد على مدى نصف قرن تقريبا."(ص vii). ويوضّح اختياراته في مسرده بهدف أن تكون الفائدة أكثر تناولا وسهولة "لم ندرج المقالات التي لا تحمل طابعا ثقافيّا ادبيا، كالمقالات السياسية الخالصة أو الاقتصادية وغيرها من المقالات التي يصعب ان توضع في إطار الأدب بمعناه الواسع. كما خلا هذا المسرد من الإبداع الأدبي كالشعر والقصة والمسرحية وغيرها.
وشرح سبب اختياراته هذه: "وهذا الانفراد بالمقالات الثقافية/ الأدبية، في رأينا، يسهل على القارئ أن يجد ضالته إذا كانت في مجال النقد الأدبي والثقافي. ونعتقد أن الكم الهائل الذي ضمّه هذا الكتاب من مقالات ثقافية /أدبية يُبرّر هذا التخصص الذي رأيناه، إذ أنّ ضمّ الإبداع الأدبي مثلا إلى هذا المَسرد لا يضع القارئ في مشكلة البحث الصعب فحسب، بل يُربكه بكم هائل من الإبداعات الأدبية التي نعتقد أنّ إفراد مَسرد خاص بها يفي بالغرض بصورة أفضل."(ص viii ).
يتوزّع المسرد إلى ثلاثة أقسام:
الأول: ترتيب زمني للأعداد حسب السنوات وضمّ المقالات الثقافية والأدبية التي نشرت في كل عدد من أعداد المجلة. وقد راعى اسم كاتب المقال، العائلة فالاسم الشخصي، اسم المقال، رقم العدد، السنة والصفحات. وقد تكرّر هذا الترتيب الببليوغرافي نفسه في القسمين الآخرين.
الثاني: ترتيب أبجدي للمؤلفين حيث رتّب المقالات التي وردت في القسم الأول بترتيب أبجدي حسب المؤلفين دون مراعاة للترتيب الزمني. ويمكن من خلال هذا القسم مراجعة مقالات لنفس المؤلف أو فحص مادّة معيّنة حسب كاتبها.
الثالث: ترتيب حسب الموضوعات، وقد اختار ستة عشر موضوعا فرضتها المجلة نفسها، كالأدب الروسي والأدب الشعبي والأدب الفلسطيني..ألخ. وحصرَ موضوعات المجلة في عدد محدد. وفي هذا القسم الثالث رتّب بعض المقالات في عدّة موضوعات، فقد يرد مقال ما تحت موضوع الأدب الفلسطيني، ثم يرد ثانية تحت موضوع الفنون او الأدب الشعبي.
وقد قدّم لهذا المَسرد المهم بمقدمة تحدّث فيها عن مجلة الجديد ودورها الهام في مواكبة ورصد الحركة الأدبية العربية في إسرائيل على مَدار النصف الثاني من القرن العشرين. وأنّ الجديد كانت الرائدة في نقل الأخبار الثقافية من العالم العربي، ووضعها أمام القارئ المحلي الذي كان يتعطّش لهذه المعلومات. وأكّد على ما كان للكتابات النقدية والإبداعية التي كانت تنشرها الجديد لكُتّاب من العالم العربي من أثر فعّال في تطوّر الأدب المحلي وفي تحديد توجهاته وتحرّكاته.
وتوقّف البروفسور محمود غنايم عند موضوع النقد ومدى عناية الجديد به ورأى أنّ حركة النقد التي نشطت من خلال الجديد مرّت بمراحل وتغيّرات شتّى على امتداد خمسين عاما، وأن الموضوعات التي تستحق البحث من خلال النظر في مقوّمات هذه الحركة أكثر من أن تُحصى. وأن موضوع الهويّة جذب الانتباه من خلال النظر في المسرد الزمني للأعداد حيث أنّ النقاد الفاعلين في الخمسينيات كانوا في معظمهم من النقاد المحليين، وكانوا فاعلين في مجال السياسة، وقد حاولوا توجيه الأدباء من منطلق سياسي، وكذلك بروز ظاهرة النقاد اليهود، القادمين الجدد، وخاصة من العراق. واهتمام النُقّاد بالترجمات من النقد والأدب الروسيين. (ص xviii-xix ).
 وتوقف البروفسور  محمود غنايم عند ظاهرة الناقد المبدع وخاصة في السنوات الأولى لصدور الجديد حتى نهاية الستينيات. ثم ركز كلامه على محرري الجديد وما تركه كل منهم من أثر على المجلة وتطورها. ففي سنواتها الأولى عندما رأسها جبرا نقولا سيطرت الأيديولوجية الحزبية على المجلة. لكن في فترة رئاسة إميل توما اتسمت بالبعد الحزبي الماركسي بينما في فترة رئاسة صليبا خميس طفا على السطح البعد القومي وتنامت الهوية الفلسطينية، سواء كان ذلك من خلال المقالات الرئيسية في المجلة أو عبر الكتابات الأخرى، سياسية كانت أو ثقافية/ أدبيّة. وبرز الاهتمام بالجانب الشعبي من التراث والأمثال الشعبية والشعر الشعبي الفلسطيني في فترة رئاسة توفيق زيّاد للجديد. وفي فترة رئاسة تحرير كل من محمود درويش وسميح القاسم اكتسبت المجلة طابعا أدبيّا- ثقافيّا خاصا، واستقطبت العديد من الكتاب الفلسطينيين الذين كتبوا على صفحاتها، كما اتّسعت رقعة الأدب فيها وتناقصت المقالات السياسية. واتبع إميل توما في فترة رئاسته الثانية وكذلك سالم جبران، سياسة الانفتاح واحتضنت المجلة مجموعة كبيرة من الكتاب غير المنتمين حزبيا.
وأكّد البروفسور محمود غنايم على أهميّة وجود مثل هذا المَسرد الذي قدّمه لنا، وأنّ عمله ليس إلاّ بداية يأمل أن تتبعها محاولات أخرى لتغطية النواقص، ليس بما يخص مجلة الجديد فحسب، بل بما يغطي المجلات الأخرى التي صدرت في البلاد قبل وبعد عام 1948. حيث إنّ مثل هذا العمل مهمّة وطنيّة من الدرجة الأولى لحفظ التراث الفلسطيني من الضياع ولتسهيل التعامل مع هذا التراث، الذي يمثّل أحد الأوجه الناصعة في المجتمع المحلي."(صviii ).

د. نبيه القاسم
الجمعة 28/3/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع