الجوانب السيكولوجية للقيادة في العمل الحزبي



في  مقاله  " الجانب الأخلاقي في المعايير الحزبية " استبعد الرفيق محمد نفاع أن يكون 
طموحه بعزل ظاهرة التكتلات قريب المنال ، وبودي في هذه المداخلة الاختلاف معه جوهريا ، ففي اعتقادي ما افرزه المؤتمر أل 25 للحزب ، وما افرزه مجلس الجبهة مؤخرا هو ضحد الظاهرة وليس تكريسها ، تحجيمها وتقزيمها وليس تضخيمها كما يدعي  البعض . بل وأكثر من ذلك اعتقد أن الكوادر تجاوزت القيادة في تلك المحطات وانتخبت قيادات جديدة جديرة بثقتها ، فالمشكلة ليست مشكلة الكوادر ، وليس من طبيعة الكوادر أو مصلحتها خلق التكتلات ، وإنما العكس هو الصحيح ، من مصلحة الكادر أن يعمل في جو سيكولوجي منسجم ومتراص ، وتاريخيا لا اعرف حالة واحدة في أي حزب بدأ تكتلا من القاعدة ، والحقيقة إن كل التكتلات بدأت وانتهت في القمة أو القيادة ، لذا لا تخيفني كثيرا مسرحيات التباكي على النتائج  ، وارفض الادعاء أن النتائج " غير طبيعية " . لان الطبيعي أن تنتخب الكوادر قيادات مسؤولة ليس فقط تجاه الحزب أو الجبهة كمجموع أو ( كولكتبف ) وإنما تجاه المجموع الأكبر والأوسع ، تجاه الشعب وقضاياه ، لذا لا يمكن اتهام المعايير التي يتم بموجبها انتقاء أو انتخاب القيادات ، وهنا اتفق تماما مع الرفيق محمد نفاع حول ضرورة " التطرق مرة ومرات إلى تعريف ماهية القيادة للشخص ، للفرد " بل وارى ضرورة أيضا إلى سبر الجوانب السيكولوجية للقيادة في العمل الحزبي .
       لا أضيف جديدا حين أقول أن الانضمام للحزب أو للجبهة هي خطوة فيها الكثير من التضحية، ولكن بنفس الوقت فيها الكثير من الوعي أيضا. ولا شك أن نوع الطاعة في التنظيم الحزبي تختلف جذريا عن أنواع الطاعة المشتقة من الإجبار الاجتماعي أو الطبيعي ، بمعنى طاعة العصا أو طاعة الجوع ، كونها طاعة واعية ومسؤولة يشكل الانضباط الذاتي مرحلة هامة وحاسمة في تحقيق هذا النوع الراقي من الطاعة .  وبالحديث عن مدى الالتزام الذاتي للشخصية الفاعلة في إطار سياسي طوعي فإنني اقصد كل الأشخاص ، قادة وكادر على حد سواء .

 

      إن قضية القيادة وخاصة في التنظيمات الطوعية تخضع لمعايير اجتماعية وسيكولوجية معقدة ، وليس يسيرا بلوغ الكمال في هذه المسالة ، وتعتبر القيادة احد أهم العوامل في التكامل السيكولوجي للنشاط الجماعي وتؤثر مباشرة في طابع وديناميكية هذا النشاط ، وحين تخفق القيادة أو تضعف قدرتها على توجيه الجهود الفردية لأفراد المجموع في نظام موحد للنشاط المشترك، من اجل إحراز أهداف الجماعة ، فإنها تنأى بنفسها وتعزل نفسها عن باقي المجموع ، بل وتتناقض موضوعيا وذاتيا مع الطموحات المشتركة للمجموع ، ومثل هذا الوضع يؤدي بالضرورة إلى محاسبتها ليس في قمة الهرم وإنما من أسفل إلى أعلى ، وفي  اعتقادي هذا هو الشكل الأعلى للممارسة الديمقراطية في التنظيم .

 

      لقد قدر لينين عاليا السمات الشخصية للقائد ، واعتبر رسوخ المعتقدات الفكرية والقدرة على الدفاع عن هذه المعتقدات والمواقف الحزبية والطبقية ، إلى جانب الإحساس بالجديد والمبادرة إلى تحقيق الأهداف ، اعتبرها من أهم سجايا الشخصية القيادية ، ونصح بمراعاة الخواص والطبع ومدى الالتزام بالأخلاق الشيوعية ، ورأى انه من غير الجائز للقائد أن يكون فظا ، غليظا أو غير متواضع في معاملة الرفاق . ( لينين – المبادرة الكبرى )
    ليس صدفة أن لينين ربط وفي نفس السياق بين رسوخ المعتقدات وبين التواضع ، أو بين العنصر الاداءي وبين العنصر الحسي ، لان كل قيادة تنطوي على شكلين هامين للقيادة ، واعني القيادة الرسمية أو الشكلية ، والقيادة غير الرسمية أو غير الشكلية .  فان المبالغة بالضوابط التنظيمية كتعويض عن قصور التكامل السيكولوجي للمجموع ، يؤدي إلى تحول القيادة إلى مجرد قيادة شكلية غير قادرة على تحفيز المجموع للمشاركة في النشاط . وكذلك الأمر فان إهمال الضوابط التنظيمية لمصلحة العلاقات الاجتماعية والشخصية يؤدي إلى تنامي القيادة غير الرسمية أو غير الشكلية وفي الحالتين المتضرر هو التنظيم .  لذا على القائد أن يجمع بشكل صائب وسليم بين كونه مركزا اداءيا وكونه مركزا شعوريا أو حسيا ، أي من جهة يمتلك القدرة على رسم وتوجيه النشاط ، ومن جهة أخرى القدرة على تحقيق التكامل السيكولوجي للمجموع أو الجماعة . ومثل هذه السمات لا تتحقق عفويا وإنما من خلال النشاط والعمل المرتبط بأهداف سامية ، ومن خلال علاقات إنسانية راقية .

 

     الطريقة التي تطرق بها الرفيق محمد نفاع إلى ظاهرة التكتلات والقوائم الاسمية ، ذكرتني بالعصافير المحنكة التي تأبى الوقوع بالفخ ، إذ طاف حولها لكنه لم (يدقرها) مباشرة ، وفي اعتقادي هذا خطأ . لان مثل هذه الأخلاقيات بعيدة كل البعد عن تنظيمنا ويجب عدم السماح بها أو مسايرتها .

 

    أوافق على معالجتها بحنكة ، لكن لا استطيع أن أتفهم موقفا (يطنّش) هذا السلوك ، ولا التسليم بوضع يخرج به البعض إلى الصحافة المتربصة خارج التنظيم ويهدد بالاستقالة ، إذ يمكن معالجة كل وضع داخليا على أن يبقى داخلي ، ولكن حين تتجاوز هذه السلوكيات حدود الغنج والدلال وتخرج إلى العلن ، فان الأمر يقتضي أكثر من معالجة ، ولا أتورع أن أقول إنها تقتضى المحاسبة ، خاصة في غياب مراجعة ومحاسبة الذات .


ام الفحم

بقلم : عبد اللطيف حصري
الأثنين 31/3/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع