هاني أبو أسعد: على الفلسطيني أن يخلق واقعا جديدا يتمسك فيه بحقه



* ابن الناصرة الذي انتقل من الطيران إلى الفن السابع يوقع ثلاثة عقود جديدة في هوليوود * أبو أسعد: أهل الناصرة يشعرون أنهم ينتمون لبلد ميتروبولي ويتميزون بشعور الأنا المتمكن من وجدانهم، وهو ما يحتاجه السينمائي ليعطيه الجرأة على الخروج من واقعه *

 


بعد مرور سنتين على نيل فيلمه "الجنة الآن" جائزة الجولدن جلوب (الكرة الذهبية) وترشح الفيلم لنيل الأوسكار، شدته السينما الأمريكية ووقع في فخ حلمها فوقَّع في هوليود ثلاثة عقود لانجاز ثلاثة أفلام له الحق في اختيار مواضيعها وكتابة سيناريوهاتها، واليوم هو بصدد تحقيق فيلمه "المفقود" من بطولة الممثل الأمريكي نيكولاس كيدج.
ولد هاني أبو أسعد بمدينة الناصرة عام 1961، ودرس هندسة الطيران في هولندا عام 1981 وعمل فيها سنتين لكن ألمه من فشله في الحب حوّله لعشق السينما ولينجز أفلام نقل من خلالها معاناة شعبه الفلسطيني فحققت بصمة مميّزة في السينما الفلسطينية والعربية. تواضعه يجعله يرى نفسه بشعا في المرآة المفقودة من بيته، ويرى في النجاح طُعما وبدعة ويشعر دائما بالفشل كي لا يسقط بفخ النجاح، ويسيطر الفن السابع على حياته فهو مشاهد مولع بالسينما يمكن أن يتابع 7 أفلام أسبوعيا ويمكن أن يكرر دخوله قاعة السينما أكثر من مرة في اليوم.

 

* سيرة مغرقة بالهم الفلسطيني


أنجز في عام 1992 مع المخرج رشيد مشهراوي فيلمه الأول "لمن يهمه الأمر"، والذي يحاول قراءة الموقف الفلسطيني لحرب العراق الأولى، ونال فيلمه الثاني "بيت من ورق" في عام 1993 جائزة أحسن فيلم روائي قصير في بينالي السينما العربية في باريس في عام 1994، حيث يتناول قصة طفل فلسطيني حقق حلمه ببناء بيته من ورق بعد أن هدمه الاحتلال. وأنجز في عام 2000 فيلمه "الناصرة 2000" ليحكي عن زيارة البابا للناصرة. ثم حقق أبو أسعد عام 2002 فيلمه الروائي الأول "عرس رنا" بالتعاون مع وزارة الثقافة الفلسطينية ليصور فيه قصة الفتاة الفلسطينية رنا التي رفضت السفر مع أبيها واختارت البقاء في وطنها والزواج من حبييها الذي خاضت رحلة بحث عنه في ظل الحواجز والحصار الذي يعاني منه شعبها ونالت بطلته رنا - كلارا خوري ـ جائزة أفضل ممثلة في مهرجان مراكش.
وتلا "عرس رنا" تحقيق فيلمه التسجيلي "فورد ترانزيت" حيث استضاف في سيارة الفورد ترانزيت شخصيات فلسطينية بارزة وتناول من خلاله قضية الحواجز والمعابر التي تشكل أحد قضايا المعاناة اليومية التي يعيشها الشعب الفلسطيني، واختار سيارة الفورد تحديدا لأنها كانت تمنح للعملاء الذين استعملوها لتنقلهم لكن انكشاف هذه الحقيقة جعلهم يبيعونها لتتحول لسيارة عمومية بعد أن كان يحصى عدد العملاء حسب عددها.

 


وفي عام 2005 أخرج أبو أسعد فيلم "الجنة الآن" وهو انتاج مشترك هولندي-ألماني-فرنسي حصل على جائزة الجمهور في مهرجان برلين في شباط 2005، وجائزة أفضل فيلم اوروبي ، وجائزة منظمة العفو الدولية "امنستي انترنشيونال"، أثار الفيلم جدلا وردودا كثيرة كان أبرزها تهجمات وانتقادات لاذعة من قبل مؤسسات صهيونية وصلت إلى حد التضييق عليه في جائزة الأوسكار. ويجسّد الفيلم الساعات الـ24 الأخيرة من حياة انتحارييْن فلسطينيين.
أثناء زيارته الأخيرة للناصرة كان لي معه الحوار التالي:

لماذا تشغل القضية الفلسطينية حيزًا كبيرًا من قضايا أفلامك؟


أنا أنظر اليها من جانبها الإنساني، فهي قضية شعب سلب وطنه وأرضه وألحق به إجحاف مضاعف بجعله متهما لأنه يعيش على أرض أجداده وعلقت قضيته بصراع مستمر لم يقبل فيه هذا الشعب حقيقة أن تكون الدولة لليهود فقط فخاض مقاومة لاسترداده حقه المفقود، مقاومته تنبع من إنسانيته والاستسلام يعني إلغاء كينونته الإنسانية وإبقائه بمكانة الكائن الدوني المستسلم للواقع المفروض عليه فالإنسان الحقيقي لا يقبل الظلم ولا الإهانة. السينما والأفلام التي أقدمها هي جزء من مقاومة أثبت فيها هذا الحق. ضعفنا لا يمنع مقاومة المشروع الصهيوني المدعوم بقوى عالمية مرعبة، فعلى الفلسطيني أن يخلق واقعا جديدا يتمسك فيه بحقه أن يعيش كشريك مع الاسرائيلي ليكون الجميع جزءا من الشرق الأوسط ويحققوا مصالحه وليس تحقيق مصالح دول أخرى.

"الفلسطينيون يستحقون الحرية والمساواة من دون شروط" جملتك حين تسلمت جائزة الجولدن جلوب(الكرة الذهبية)، كيف تعلق عليها؟


المغالطة التي يفهمها العالم عنا هو اننا لا نستحق الحرية لاننا جزء من مقاومة توصم بالإرهاب، المغالطة هنا هي مطالبة شعبنا بالمثالية وهو يعيش تحت الاحتلال، وأؤكد هنا أننا بشر لنا الحق في الحرية وأحاول التذكير أننا نستحق هذه الحرية من دون شروط.

وُوجه فيلمك "الجنة الآن" بتهجّم شديد في إسرائيل. وقالت الكابتة عيريت لينور إن "أبو أسعد سينال الأوسكار ونحن سنستقبل الشهيد القادم"؛ ما ردّك؟


التهجم الذي تلقاه الفيلم ينبع من كونه فلسطينيا، والنقد مرجعه الحساسية الزائدة التي يشعر بها بعض اليهود حين يتعلق الأمر بموضوع اللاسامية. قراءتهم للعمل تتسم بالمزاودة وكأنهم يمثلون جميع القراءات. وامتزاج النقد بحساسية زائدة لا أعتبره نقدا موضوعيا، وأنا لم أقابل عيريت لينور قط في حياتي ولا أعرفها. نقدها تغاضى عن الحقيقة الإنسانية للفلسطيني ولا يأخذ بعين الاعتبار اختلاف الثقافة الفلسطينية ويتعمق بها. أنا ضد اللاسامية وأعارض توثيق أي أفكار مسبقة حول أي شعب في أفلامي فكلنا بشر نتشابه في كثير من النواحي بالرغم من أن جزءا من الإسرائيليين لا يحمل أخلاقيات تشبه أخلاقياتي، الأفكار المسبقة تنبع من المخاوف التي يشعر بها الإنسان فهي تقيده ويجب التخلص منها والتعامل معها بإنسانية وموضوعية وهذا يصب في مصلحة العمل السينمائي.

واليوم، بعد سنتين، هل هناك تغييرات يمكن إحداثها على الفيلم؟


نعم، هناك تغييرات يمكن إحداثها، العمل الفني لا ينتهي وهو دائما قابل للتجديد والتغيير وينتهي العمل به حين تنتهي الميزانية، أنا أنتقد أعمالي بشكل دائم وأعيد التفكير في العمل الذي أقدمه عدة مرات وكل مرة أشعر بتفاعل مختلف مع العمل والأعمال لا تكون كاملة بالنسبة لي وأما بالنسبة "للجنة الآن"، هناك أشياء وأخطاء يمكن تغييرها مثل الشخصية التي قدمتها المغربية لبنى الزبال وهي أحد أخطاء الفيلم.

هل يمكنك أن تحدثنا عن تجاربك السينمائية التي تحضرها في هوليود؟


التجربة السينمائية القادمة من انتاج شركة "فوكس ـ يونيفرسال" لفيلم بعنوان "المفقود" وهو من بطولة الممثل الأمريكي نيكولاس كيدج الذي يجسد شخصية أب أمريكي فقد ابنه الوحيد المُسلم والذي أنجبه بعد زواجه من مغربية وفي بحثه عن ابنه المختفي يخوض معه بحثا عن ذاته من جديد ما يجعله يعيد التفكير في كيفية بناء علاقته مع ابنه، ونفسه ومحيطه.. هي رحلة استكشافية داخلية وجدانية نفسية عميقة يخرج منها الأب بحقيقة أخرى (أيو أسعد أمتنع عن سرد تفاصيل أكثر عن الفيلم قبل إنجازه – هـ.ز).

هل تعتبر أن جائزة الجولدن جلوب التي نالها "الجنة الآن" هي أكبر جائزة ينالها فيلم عربي؟


لا أعتقد هذا، اعتبر مهرجان كان أهم من جوائز أكاديمية الجولدن جلوب فجائزة لجنة التحكيم التي نالها يوسف شاهين في مهرجان كان أهم من هذه الجائزة.

 


رئيس بلدية الناصرة يكرم المبدع هاني ابو اسعد

ما السر الذي أخرج من مدينة الناصرة للسينما العالمية أربعة مخرجين، أنت، وجورج خليفي، وميشيل خليفي، وإيليا سليمان؟


يكمن في الناصرة سحر خاص ومؤثر، سره موجود في مدينة الناصرة ذاتها بالتوازن بين فوضاها مثلا بأزمة سيرها والمشاكل التي تعاني منها وبين نظامها الذي ينبع من معايير ثابتة، عادات وتقاليد خاصة، وروابط عائلية يحافظ أهلها عليها. وأهل الناصرة يشعرون أنهم ينتمون لبلد ميتروبولي، ويتميزون بشعور الأنا المتمكن من وجدانهم وهذا الإحساس يحتاج إليه السينمائي ليعطيه جرأة ويخرج من واقعه. السينما ملائمة لأهل الناصرة.

هل كان لعائلتك دور في ميولك الفنية؟


محبة الفن تلقيتها من جانب أمي فعائلتها تهوى الفن، وعلى عكسهم آل أبو أسعد لا يستهويهم. وأعتقد أن كان لهذا الجفاء تأثير إيجابي على سيرتي.

كيف انتقلت من هندسة الطيران إلى الفن السابع؟


هذا الانتقال للسينما ليس بغريب حيث كانت بوادر محبتها وعشقها بداخلي، ولكن ما أشعل فتيلها هو فشلي بقصة حب كنت قد عشتها، وجرحي والألم نجحا في استخراج الهاجس الداخلي من نفسي ليتحول إلى لغة ومفردات سينمائية عبرت بها عن ألمي فكانت أفلامي وسيلتي الخاصة في التعبير عن ما يختلج وجداني .

كيف تتعامل مع النجاح، والفشل، وما يسمى بـ"الحلم الأمريكي"؟


أشعر أنني في قلب هذا الحلم. وقعت في فخ النجاح وصرت ممن يدورون في فلكه من دون توقف، الكل يركض وأنت تركض وتشعر أن شيئا أمامك يجب أن تصله. بالرغم من أن النجاح سيفرض عليك رقابة من محيطك لذا فاني أشعر أن هذا النجاح ليس سوى بدعة وطعم وأشعر دائما بالفشل فهو سيثبتني في مكاني خاصة حين يحتفى به بالمهرجانات. فأنا لست ممن تستهويهم المهرجانات وأحاول قدر المستطاع الابتعاد عنها. أنا شخصيا أرى نفسي بشعا بالمرآة ولا أنظر إليها وهي غير موجودة ببيتي ودائما أحاسب نفسي على كل ما أقوم به من أعمال ولذا فان أي عمل أقوم به لا ينتهي.

من هم المخرجين الذين تقدرهم؟


أتأثر بأي مخرج يخلق تأثيرا عاما على اللغة السينمائية، وأذكر على سبيل المثال المخرج المصري يوسف شاهين، والإيراني عباس كورستاني، والمخرج مايكل هاينكل، والمخرج الأمريكي فرانسيس كوبولا، والمخرج بول توماس أندرسون، ومن اليابان المخرج كيتا نو.

ما هي الأفلام التي تعتبرها مرجعية وتكرر مشاهدتها ؟


هناك فيلم The Passanger لأنطونيولي، وفيلم "1900" لبورتولتشي، وفيلم Close-up للمخرج عباس كرستياني، و"Cria Corfos" للمخرج كارلوس ساورا، وFour months three weeks and 2 days لبرمين.

كيف ومتى تشاهد الأفلام السينمائية؟


أنا ممن يعشقون مشاهدة الأفلام السينمائية في قاعات العرض وأتفرج بمعدل ثلاثة أفلام أسبوعيا يمكن أن أدخلها سبعة مرات أسبوعيا ويمكن أن أدخلها أكثر من مرة يوميا.

حاورته: هبة فيصل زعبي
الخميس 3/4/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع