المواطن العربي كمشتبه به دائم



* مشاعرنا تبلـَّـدت وغابت حدبتنا العنصرية عن ناظرنا، ولكن لم تختف ولن تغيب عن عيون ضحاياها وستقصم ظهرنا جميعًا *

قبل فترة وجيزة بتت المحكمة العليا في التماس جمعية حقوق المواطن ضد التصنيف (Profiling) المعمول به لمواطني الدولة العرب في المطارات. وكما جرت العادة في الآونة الأخيرة، لم يحظ النقاش باهتمام جماهيري. ورغم إبقائها على ساتر الضباب، أقرّت الدولة ضمنيًا في ردّها على الالتماس بأن الوضع القائم اليوم هو التالي: كل مواطن عربي، لمجرّد كونه عربيًا، يحظى بـ"تعامل خاص" في المطار. ويخضع هو وحُمولته لتفتيش أدق من الذي يخضع له المواطن اليهودي.
ونحن نعبّر عن احتجاجنا، كأبناء شعب وقع ضحية لتصنيفه كـ"مجموعة مشتبه بها". ونحذّر، كأبناء هذا المجتمع، من الأثمان التي ندفعها وسندفعها لقاء هذا. فكل عملية تصنيف تعميميّة على أساس القومية (أو العرق أو الدين) تحمل في طياتها ثلاثة أضرار على الأقل في آن واحد.
الضرر الأول، والذي وعدت الدولة بالتخفيف من وطأته، هو المساس بالحق في الخصوصية، والإهانة المرافقة للفحص المختلف العلني. لقد صرّح ممثلو الدولة أمام محكمة العدل العليا بأنه سيتم تدريجيًا وحتى كانون الثاني 2011 استخدام أجهزة كشف متطورة وبأنّ فحص "حُمولة بطن" المسافرين العرب (الحمولة التي ترسل إلى بطن الطائرة) لن يتم أمام المسافرين الآخرين. أما فيما يخصّ المسافر نفسه وحمولة اليد فقد اكتفت الدولة بوعد عام ببذل جهد "للتقليل قدر الإمكان من التمييز بين مواطني الدولة". أي، بكلمات أخرى، أنّه سيتم تقليص المس في الخصوصية والإهانة العلنية بدرجة ما غير معروفة، لكنهما لن يختفيان.
إلا أنه حتى لو أجريت هذه التعديلات، فهي لا تغيّر المس العميق بالمواطنين العرب من جرّاء قيام دولتهم بتصنيفهم، بسبب انتمائهم لا غير، كأشخاص خطيرين يشتبه باستعدادهم للمس بالأبرياء. ولا يمكن لأية أجهزة كشف أن تغيّر هذا المس، الذي يجري حتى لو جرى استخدام آلية رقابة أخرى وبلطافة وفي ممر جانبي. فلبّ الموضوع هو إدراك المواطنين العرب لعزلهم من قبل دولتهم وتصنيفها إيّاهم كأشخاص أكثر خطورة. وهو ما يضيف ضررًا ثالثًا، ينبثق عن إدراك المواطنين اليهود للتصنيف المذكور. فهذا التصنيف يتغلغل قدمًا، ويغذي التمييز القاسي الذي يواجهه مواطنو إسرائيل العرب الذين يحاولون استئجار شقة أو الدخول إلى مكان عام أو الحصول على العمل. فإذا كان "الشاباك" - العالم بكل شاردة وواردة - يشتبه بكل مواطن عربي، فكيف لنا أن نلوم المواطن اليهودي العادي الذي لا يملك آلة كشف ولا إمكانية إجراء تحقيقات معمّقة؟ إنّ قصر نظر "الشاباك" في سياسة التصنيف هو أمر "خلاب"، لأنه يشكل إسهامًا في الخلايا العنصرية للواقع الإسرائيلي، و يتعامى عن العلاقة بين العنصرية واستقرار إسرائيل الداخلي.
هل في مستطاع أحد تبرير هذه الأضرار الشديدة؟ الحقيقة هي أنّه لم يكن هناك مواطن عربي واحد ضلع في عملية إرهابية جوية. يدّعي مؤيدو سياسة التصنيف أنّ المهم ليس الضلوع في عملية جوية بل في أية عملية تخريبية عدائية. ولكن لا يمكن لهذا الادعاء أن يحوّل جمهورًا كاملا إلى جمهور مشتبه به. فهل حقيقة أن الشباب الشرقيين يشاركون أكثر من غيرهم في الشجارات في النوادي الليلية تبرّر إجراء فحص خاص لكل شاب شرقي قبل دخوله النادي؟ الدولة الدمقراطية (يُفترض أن) تشترط المس بمواطنيها بوجود تخوّف عيني منه وبدرجة عالية من الاحتمالية. ويدّعي هؤلاء أيضًا أنّ الدولة لا تخشى الإرهابيين وحسب بل "السذّج الذي قد يغرَّر بهم". إلا أن بحثًا موثوقًا دلـَّـل على أنّ أيًا من "السذّج المغرّر بهم" لم يكن مواطنًا عربيًا. فكل هؤلاء "السذّج" كانوا من الأجانب، ومن النساء الأوروبيات تحديدًا. وبكونهم أجانب، يتم استثناؤهم من التصنيف الإثني. وبناءً عليه، يتوجب إعطاء الأولوية للفحص العشوائي، بحيث لا يتم المساس المسبق بأي شخص.
وأخيرًا، يتوجب تناول الأمر من الجانب المعياري. فإذا لم يكن الفحص العشوائي كافيًا، لماذا لا يتم إجراء فحص موحّد وشبيه لكل المواطنين الإسرائيليين المسافرين على متن الطائرة؟ عملية كهذه قد تتطلب تشغيل المزيد من الفاحصين، وقد يرافقها عدم ارتياح ينعكس في بضع دقائق إضافية من الفحص. ولكن ليس في مستطاع الدولة الدمقراطية التوفير في الآليات أو في وقت المسافرين اليهود على حساب إحاطة مواطنيها العرب بالشبهات. وحتى في أكثر الأيام صعوبة وخوفًا التي تلت 11 أيلول لم تتبنَّ الولايات المتحدة أو كندا أو بريطانيا أو اسبانيا أو ألمانيا أو فرنسا تصنيفًا إثنيًا لمواطنيهم العرب أو المسلمين. إلا أنّ مشاعرنا قد تبلـَّـدت، وغابت حدبتنا العنصرية عن ناظرنا. ولكن هذه الحدبة لم تختف ولن تغيب عن عيون ضحاياها، وستقصم ظهرنا جميعًا ذات يوم.

* الكاتبان محاضران في القانون الدستوري في كليتيّ الحقوق في الجامعة العبرية وجامعة حيفا (ترجم النصّ وأعدّه للنشر: رجا زعاترة)

د. براك مدينا ود. إيلان سبان *
السبت 5/4/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع