فوضى السلاح ام سلاح الفوضى



اريد ان اجزم ان ما يحدث في السنوات والاشهر الاخيرة في ام الفحم ليس وليد ظروف موضوعية فقط، انما تتحمل الذات الفحماوية القسط الاكبر لهذه الاسقاطات الخطيرة ليس لهذه الفترة الزمنية فقط انما عبر توريثها للاجيال القادمة والتي تهدد مستقبل ام الفحم بشكل مأساوي صارخ.
كيف بنا ان نشخص هذه الظاهرة من اجل الوصول الى علاج حقيقي يجنبنا ويلات المستقبل؟؟ عندما نلتقي بأصحاب او معارف لنا من خارج مدينة ام الفحم، يُلقى علينا السؤال دائما ماذا جرى لكم في ام الفحم؟ لقد كنتم بلدا متآخيا يمتاز بالتسامح والعطاء والتضحية، اما اليوم فأصبح القتل عندكم ظاهرة عادية وما الى غير ذلك من تعابير.
فنقول لهم انها ظواهر معزولة لا تمثل حقيقة ام الفحم ولا حال ام الفحم. الى هنا فهذا كلام جميل. ولكن من اجل الوصول الى ذلك علينا ان نضع الاصبع على الجرح قبل ان تتضاعف الاعراض السلبية وانه من اجل ان يندمل هذا الجرح علينا معالجته وفي نفس الوقت التعرف على اسبابه.
عندما نجلس امام التلفاز ونبدأ بالتنقل في هذا الكم الهائل من المحطات الفضائية، فإننا نتعرض لعملية تلطيخ او تلويث دماغ. تتخللها مشاهد لا متناهية من الاخلاقيات الساقطة وصولا الى تصوير دقيق لأفظع اعمال العنف والقتل والدمار التي تحدث في العالم واحيانا في بث حي ومباشر.
ان ما تقوم به امريكا واسرائيل من زرع القتل والدمار في العالم، والحديث عن عشرات آلاف القتلى في افغانستان ومئات آلاف القتلى والمغدورين في العراق وآلاف الشهداء بشتى الاعمار في فلسطين لا يحرك في الضمير الانساني ساكنا، وما زلنا نحن اناس فاننا ايضا لا نشعر ولا تهتز خاصرتنا لذلك فاننا نرى بأم اعيننا كيف اصبح الانسان عديم القيمة ولا يساوي احيانا الرصاصة التي قتلته.
في كل المجتمعات في العالم هنالك الصالح وهنالك الطالح والذي لم يتلق التربية الصحيحة في بيته فانه لن يجدها في الشارع ولا في النادي ولا في الجامع، ولذلك تضع هذه المجتمعات القوانين من اجل الحفاظ على سلامة وأمن مواطنيها. والمجتمع السليم هو المجتمع الذي يفرز قيادة جيدة تستطيع ان تطبق القانون فتحميه من المخالفين وتحمي الناس المسالمين والصالحين بواسطته. ولكن الامر في ام الفحم ليس بهذا المنطق انما بمنطق مغاير ومخالف لهذا.
ان نسبة كبيرة من حوادث العنف والخلافات بين الناس تبدأ في الشوارع ونسبة لا بأس بها على حق الاولوية في الشوارع. فعلى سبيل المثال وليس الحصر هنالك شوارع في المدينة لا تحتمل ان تكون ذات اتجاهين وهنالك مفاصل حساسة، على البلدية ان تبادر وتنظم السير بها كي لا تبقى هذه الاماكن بؤر توتر وعصبية قد تثير اقل الناس عصبية.
لقد اثرت جميع هذه النقاط على مدار السنوات الاخيرة امام لجنة الهندسة البلدية هذا بالاضافة الى بؤر التوتر القائمة من عدم فتح شوارع مخططة بسبب معارضة مواطنين وارسلت رسائل عديدة لكل اصحاب القرارات في بلدية ام الفحم وشركتها الاقتصادية ولكني لا زلت حتى اليوم اصرخ في واد سحيق ولا من مجيب.
السبب الاهم والذي اود ان اطرحه عل وعسى ان افتح بابا لنقاش مستقبلي على مستوى كل الذين يكتبون في ام الفحم والذين يسعون جاهدين من اجل احتواء العنف وتهدئة الاجواء في ام الفحم والعودة والعلو معا مع ام الفحم متآخية متسامحة ومزدهرة. يترافق التطور الاجتماعي والاقتصادي المادي للبشر بشكل عام بتطور اسري عائلي سلبي لا ينسجم مع التطورات التي قد تحدث مع الانسان في هذا العصر الرأسمالي المتوحش. فعندما يشعر الانسان بالاكتفاء والاستقلال الاقتصاديين، فيمكن ان تصيبه حالة من الغرور والنشوة المالية تجعله يبتعد عن اهله واصدقائه ويكرس وقته لكسب المزيد من الارباح. كل ذلك يستطيع ان يفعله لأنه ليس بحاجة لاحد. فسيارته الجديدة وبيته الراقي مع كل مستلزمات العصر وادواته الكهربائية والالكترونية تجعله ليس بحاجة لأحد.
ولكن الامر لا يتوقف الى هنا ولأن صاحب المال هو صاحب السيطرة يمكن ان يسعى الى سيطرة اجتماعية، خاصة اذا كان يمثل عائلة كثيرة الشباب فيصبح من غير المعقول ان تلاقيه وجها لوجه في شارع ضيق وان تطلب منه الرجوع قليلا او ان ترفع صوتك اكثر من المسموح لأنك ايضا ترزح في هذا المكان فترة زمنية غير قليلة، واذا قفزت عن هذه "الممنوعات" كلها فان احدا من طرفه قد يطلق على بيتك طلقات تحذيرية تجعلك تعرف مع من وقعت. الامر الثاني هو الخلافات بين الناس على حدود الاراضي بينهم وعلى الارث والعقارات وما الى ذلك وايضا آفة العصر على علاقة الرجال بالنساء واستعمال الضرب كإبراز للرجولة امام عائلة الزوجة.
ان هذا الامر غاية في الخطورة حيث تكون النتيجة سيئة في كل المقاييس الاجتماعية. فالخلاف على الاراضي والعقارات والارث عادة ما يكون بين الاقرباء، فتشتعل نار الحقد والكراهية بين افراد العائلة الواحدة، فتتفكك هذه العائلات تاركة هذه المآسي لجيل المستقبل في حين ان آفة ضرب النساء قد تفرز جيلا عنيفا يمارس العنف بشكل تلقائي لأنه نما وترعرع على هذه الموبقة الخطيرة.
وعودة الى التربية في البيت، فاني ادعو الاهل دون استثناء، الاغنياء والفقراء المتعلمين وغير المتعلمين ابناء العائلات الكبيرة والقوية وابناء العائلات الصغيرة والضعيفة ان تضع نصب اعينها التربية والاخلاق اولا ثم العلم والعمل ومن ثم من يبحث عن التواضع فله شأنه ومن يبحث عن الجاه والوجاهة فله شأنه.
في كل الاعراف الاجتماعية وخاصة الدين الاسلامي هنالك تشديد على ان المسلم هو من سلم الناس من لسانه ويده. لست في امور الشرع كي ابحث عن آيات واحاديث اخرى انما يكفيني هذا الحديث الشريف.
اخيرا وليس آخرا اقترح على كل الغيورين على مصلحة ام الفحم وعلى اصحاب القرار والشأن وذوي الامكانيات اطلاق حملة التسامح والتآخي في ام الفحم من اجل نزع كل بؤر التوتر والخلافات بين الناس قدر المستطاع.

(ام الفحم)

محمد محمود حصري *
الأثنين 7/4/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع