"التهديدات الاستراتيجية" الحقيقية



في خبر مقتضب، سريع وعابر، أعلنت حكومة أولمرت مطلع الأسبوع عن تفكيك الوزارة المسماة بـ "وزارة التهديدات الاستراتيجية". وهكذا تم توزيع مكاتبها ودوائرها ما بين مكتب رئيس الحكومة و"مجلس الأمن القومي".
لقد أقيمت هذه الوزارة ذات الاسم الرنّان من أجل دخول النائب المأفون بالعنصرية أفيغدور ليبرمان الى الحكومة، ولكن حين قرّر الخروج لم يعد هناك مبرّر لهذه الوزارة ذات الوقع "النووي"..\

 

هذه الحادثة تثبت أشياء كثيرة عن السياسة، وعن الثقافة السياسية، في اسرائيل. إنها مثال واضح عن سوء استخدام "الأمن" من أجل خدمة مصالح سياسية ضيقة وانشاء ائتلافات حكومية. وهذا مُشتقّ بالطبع من سوء استخدام الأمن عامة، وتحويله في هذه المؤسسة الى ذريعة للقيام بشتى الموبقات، السياسية منها والاقتصادية.

 

فباسم "الأمن" يجري تبرير مشروع الاحتلال برمّته، بجرائمه وتوسّعه ومستوطناته وجوهره العدائي-الاعتدائي على الجوار السياسي، والفلسطيني في مركزه. وباسمه، يتم أيضًا تكريس شتى أشكال ومناهج التمييز العنصري والقمع القومي لجماهيرنا العربية في وطنها هنا.

 

إن الأمن الحقيقي لا يمكن أن يتألف من الدبابات والطائرات المقاتلة فقط. الأمن الحقيقي هو ما يقوم على المناعة السياسية، التي لا ت يمكن أن تقوم بدورها سوى على مفاهيم السلم والعدل. أما "الأمن" القائم على مشاريع احتلال وحرب، فهو هو التهديد الاستراتيجي الحقيقي. خطورة هذا التهديد أنه يطال شعوب المنطقة برمتها، بمن فيه الاسرائيليون أيضًا.

 

لن نتوقف كثيرًا عند معنى إسناد حقيبة ثقيلة ملأى بقضايا من الوزن الثقيل الى سياسيّ أقام حزبه على دعائم العنصرية والتخويف والقومجية الخطيرة. ما يمكن ويجب قوله هو إن وضع تلك القضايا بين يدين تحرّكهما تلك العقلية هو أشبه بعملية انتحارية. وهذا ما يحدث بالتأكيد حين تكون الأنوف السياسية مزكومة بالقوّة والاستعلاء والعدوانية.

 

من المهمّ أن هذه الوزارة الشاذة قد انتهت الى التفكيك، ولكن من المهم أكثر التوقف عند العبرة خلف هذا.و ليت هذا المجتمع الاسرائيلي، الصامت بمعظمه على المقامرة بمصيره من قبل حكّامه، يصل الى الاستنتاج المطلوب: إن "الأمن" بالمفردات الرسمية المعتمدة من قبل حكومات اسرائيل هو أكبر تهديد على أمنه الحقيقي. وهو ما يتطلّب تغييرا جوهريًا و"استراتيجيًا" في النظرة؛ سواء كانت النظرة الى الذات أو النظرة الى المحيط السياسي. فلن يكون لهذا نتائج ايجابية على صعيد الأمن السياسي والعسكري فحسب، بل أيضًا على صعيد الأمن الاجتماعي والاقتصادي الذي يتعرّض لمساس قاتل جرّاء تحويل معظم أموال الجمهور لمشاريع تتقنّع بـ "الأمن" لكنها تقف، كما أسلفنا، على النقيض التام منه.

(الاتحاد)

الثلاثاء 15/4/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع