رقصة مسائية



نعم هي، انها هناك خلف الجدار تتمايل وتتراقص في احضان غزة.
والنسيم الخفيف يلهو بثوبها كطفل اهله ما هذبوه. يداها دفء الربيع تتمايلان كموجة هادئة يسودها سكون الليل وعتم الربيع، وشعرها الاشقر الذهبي الطويل يلتف على عنقها تارة وتارة حول جسدها.
انها ترقص، ترقص على سكون الليل!!.. ترقص رقصة المساء التي تتوغل فيها روح راقصة ثائرة، تثور على حاضرها الذي طغت عليه حالة من اليأس، فتحاول هي بحركات جسدها ان تثير العاصفة التي تعصف في صدرها عواطف لاجئ ممزقة!
وعيون النجوم ترنو اليها ولسان الدجى يكاد يفوه لشدة روعة رقصها المفعم بشعور الحرية الطاغية على جسدها. ومن شدة روعة الرقصة المسائية ابكت ابنة غزة السماء ونجومها، وانحنت الاشجار لها انحناءة الخادم لأميره.
نعم، انها ابنة غزة عروس الجنوب!!
وفي ظلام حالك تسمع اصوات، فتركض ابنه غزة نحو الصوت واذ تتراءى لها طفلة صغيرة السن، قلبها ابيض، عيناها خضراوان، وجنتاها حمراوان وشعرها اسود.
لم تأبه البنت الغزاوية لها، بل اكملت رقصها الذي بدأت تدخل فيه حركات وخطوات حاولت اعطاء معنى لها.
بدأت ترفع يديها الى اعلى وتنزلهما الى اسفل ببطء تام كالدمعة المنزلقة من المقلتين.. فتمسك الحجر الاخير.. الحجر الاخير الذي سبقته الرصاصة ما زال في يدها!! فإنها ترفعه الى اعلى وترقص معه.
وفجأة تصاب بذهول!.. هدموا بيتها، قتلوا اباها، اغتصبوا امها وسجنوا اخوتها.. انها الآن وحيدة وحيدة، لم يبق لها شيء سوى بعض الكلمات المتبقية في حنجرتها: هكذا تركني حلمي ورحل. كنت احلم ببيت صغير لأبقى فيه وأزرع فيه جنتي، لكنه تركني ورحل!!
 ثم امسكت بيد الطفلة وبدأت ترقص معها وهما تحلقان في السماء كحجل صنين. وبدأ الحجر ينبض بيد الطفلة، وفجأة اختفت.. اختفت الطفلة..
قالت وبصوت عال والروح راحلة عن مقلتيها: اعدك، اعدك سأرقص رقصتك المسائية التي بعثت في روحي الحياة.. وحجرك.. الحجر الاخير الذي سبقته الرصاصة سأقاوم به، سأقاوم!!

(حيفا)

ميساء سبيت *
الأربعاء 16/4/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع