لبنان في مهب «الفراغ العربي»: تقطيع الوقت حتى الانتخابات الأميركية



السفير - كتب المحرر الدبلوماسي: وُضع الملف اللبناني على رف الانتخابات الرئاسية الأميركية، وباتت فرص التسوية الداخلية بعيدة في ظل عدوى «فخامة الفراغ» التي انتقلت أيضاً من الواقع اللبناني، الى الواقع الاقليمي، فيما ينتظر الفرنسيون اعلانا رسميا لن يصدر عن جامعة الدول العربية وأمينها العام عمرو موسى، قبل الدعوة الى مؤتمر دولي في باريس يتخذ طابع التحشيد السياسي دعما لحكومة الرئيس فؤاد السنيورة، حتى لا يتم تصويره وكأنه محاولة أوروبية، وتحديدا فرنسية، لمصادرة المبادرة العربية، التي ما زال الخلاف قائما حول تفسيرها بين الرياض التي تقول بأولوية الانتخاب الرئاسي وبين دمشق التي تتمسك بمنطق الخطة المتكاملة، رئاسة وحكومة وقانونا انتخابيا، فيما يشعر قائد الجيش اللبناني العماد ميشال سليمان أن «فخامة الوقت» قد يهدد وصوله الى القصر الجمهوري، بعد الحادي والعشرين من آب تاريخ بدء تقاعده من منصب قيادة الجيش.
في هذا السياق الداخلي الانتظاري، لن يكون مفاجئاً أن تتوقف حركة رئيس مجلس النواب نبيه بري عند حدود زياراته الى دمشق والقاهرة وقطر، لتصبح الزيارة الرابعة التي كانت مقررة، مبدئياً، الى الرياض، محور تساؤلات، في ضوء السقف الذي حددته قمة شرم الشيخ الأخيرة لبنانياً، بأن قاعدة أي تجاوب مع دعوة رئيس المجلس للحوار، تبقى رهن انتخاب الرئيس أولاً، ومن ثم يمكن أن تعطى الاشارة للجامعة العربية للتحرك على خط المصالحات العربية العربية.
وفيما كان رئيس كتلة المستقبل النائب سعد الحريري يواصل زيارته الخاصة الى الرياض، والمستمرة منذ نحو خمسين يوما، توجه رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط الى جنيف في زيارة خاصة، لتصبح الأكثرية «يتيمة الجناحين»، بينما لم تتمكن المعارضة حتى الآن، من صياغة سقف الحد الأدنى تحالفات وبرنامجاً سياسياً.
في ظل هذا المناخ الداخلي، وأرجحية تأجيل جلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 22 الجاري، ونجاح فريق الأكثرية في محاصرة المبادرة الحوارية لرئيس المجلس، جاءت حركة الاتصالات السعودية المصرية والأردنية الفلسطينية والمصرية الأردنية، لتصب كلها في خانة الاستعداد العربي لاستقبال الرئيس الأميركي جورج بوش، في شهر أيار المقبل، بوصفه «الراعي الحصري» لاحتفالات الذكرى الستين لنشوء الكيان الاسرائيلي.
يأتي ذلك في غياب الحد الأدنى من التضامن العربي، بل في ظل المزيد من التفسخ في الموقف العربي مقابل التعنت الاسرائيلي الذي يعكس واقع عدم قدرة أطراف الائتلاف الاسرائيلي الحالي على تقديم أية تنازلات، لا بل بالعكس، فان الحمى الانتخابية الزاحفة، تستدعي تصعيداً في الخطاب السياسي وفي الأعمال العسكرية والأمنية ضد الفلسطينيين المحاصرين من الشقيق قبل العدو.
وتأتي زيارة وزير خارجية مصر أحمد ابو الغيط، اليوم الاربعاء الى واشنطن، وعلى مدى ثلاثة أيام، يجري خلالها محادثات مع نظيرته الاميركية كوندليسا رايس، في اطار محاولة مصرية، تبنتها المملكة العربية السعودية والأردن والسلطة الفلسطينية، من أجل تبني اعلان سياسي، يصدر عن اللقاء الخماسي المقترح عقده في شرم الشيخ خلال زيارة بوش الاحتفالية باسرائيل في الشهر المقبل.
ووفق المعلومات المتوافرة لـ«السفير»، فان الجزء الأكبر من المحادثات المكوكية التي جرت بين الرياض والقاهرة في الأيام الأخيرة، تركزت حول موضوع الاعلان السياسي، الذي يجب أن يكون منسجما مع الوعد السابق الذي قطعه الرئيس جورج بوش خلال لقاء أنابوليس باعلان دولة فلسطينية قبل نهاية العام الحالي، وهو الأمر الذي عبّرت عنه وثيقة
التفاهم المشتركة بين السلطة الفلسطينية ورئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود أولمرت وتضمنت تعهدا بالسعي للتوصل الى اتفاق سلام بحلول عام .2008
واذا كان المصريون لم يشاركوا بفعالية في قمة دمشق الأخيرة، وخاصة في الجلسة التي خصصت لتقييم المسار الفلسطيني الاسرائيلي المتعثر بعد أنابوليس، فان تقرير الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، حول «العمل العربي المشترك»، تحوّل الى ما يشبه «مضبطة اتهام» للسلوك الاسرائيلي العدواني من جهة باستمرار المجازر وبناء الجدار وانشاء وتوسيع المستوطنات واحكام الحصار على غزة، ومن جهة ثانية للموقف العربي الذي لم يرتق الى مستوى المصالح العربية والذي بات يستوجب مراجعة عربية لاستراتيجية السلام منذ مدريد حتى الآن.

 

على هذا الأساس، وعلى قاعدة «ربط النزاع» السوري مع الموقفين السعودي والمصري، لم يتم تجاوز مبادرة السلام العربية، لكن المجتمعين اتفقوا على أن الفترة الممتدة منذ الآن وحتى مطلع حزيران المقبل، ستكون فرصة لتقييم الموقف، حيث سيعقد اجتماع وزاري عربي في القاهرة، يخصص لمراجعة الاستراتيجية العربية وخاصة مرحلة ما بعد مؤتمر أنابوليس.
واذا كان الموقف الاسرائيلي قد عكس التوازنات الداخلية، فإن القيادتين السعودية والمصرية اتهمتا الأميركيين بعدم الوفاء بالتزاماتهم، ولذلك، كان موقف القيادة السعودية، في أعلى مستوياتها حاداً جداً، برفض البحث في الاقتراح الأميركي المصري بعقد قمة خماسية عربية أميركية يمكن أن ينضم إليها رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود أولمرت في الشهر المقبل.

 

ونقل عن الملك عبدالله بن عبد العزيز تلويحه بإعلان موقف يعلن فيه التراجع عن مبادرة السلام العربية، في محاولة لحشر الجمهوريين الذين يحتاج رئيسهم الحالي ومرشحهم الأوفر حظا حتى الآن، الى «انجاز ما» في الملف الفلسطيني الاسرائيلي، ولذلك تقرر أن يضع المصريون نواة اعلان مبادئ وافق عليه السعوديون والأردنيون والسلطة الفلسطينية ومن المقرر أن يحمل الوزير المصري أحمد أبو الغيط مسودته الأولية الى واشنطن اليوم. وفي ضوء الموقف الأميركي تتقرر الخطوة المقبلة، وخاصة في ما يتصل بجدوى عقد اجتماع مع بوش خلال زيارته الاحتفالية لاسرائيل لمناسبة مرور ستين عاما على احتلالها أرض فلسطين.

 

وفي موازاة زيارة أبو الغيط، من المقرر أن يتوجه الرئيس المصري حسني مبارك الى باريس حيث سيلتقي نظيره الفرنسي نيكولا ساركوزي الأحد المقبل، من أجل الحصول على دعم أوروبي للموقف العربي، علما أن الفرنسيين أبلغوا الجانبين السعودي (من المحتمل أن يزور وزير خارجية المملكة سعود الفيصل العاصمة الفرنسية أيضا) والمصري عبر قنوات دبلوماسية رسمية أنهم حثوا الجانب الروسي على المضي في قرار التحضير لإقامة مؤتمر دولي للسلام في موسكو في منتصف شهر حزيران المقبل، على أن يكون «انابوليس 2» بمضمونه وليس محاولة لوضع «أجندة» تقييمية لمسار أنابوليس واحد، اذ أن الأميركيين كانوا قد قدموا تعهدات لجميع المشاركين العرب بأن أنابوليس اثنين سيشكل مناسبة لفتح باقي المسارات (اي المسارين اللبناني والسوري).
وما بدا الروس والأوروبيون والعرب متحمسين له (عقد مؤتمر «أنابوليس 2» في موسكو)، اصطدم بالرفض الأميركي والاسرائيلي، الأمر الذي اعتبره السعوديون بمثابة انقلاب على التزامات سابقة حصلت مع الجانب العربي وأملت مشاركتهم في «انابوليس واحد».

 

في هذا الوقت، سعى رئيس الاستخبارات المصرية اللواء عمر سليمان، بالتنسيق مع جهات عربية، الى اعادة تزخيم قنوات الحوار مع الجانبين الفلسطيني (السلطة و«حماس»)، من أجل برمجة جدول أعمال فلسطيني اسرائيلي عاجل قوامه التهدئة ووقف اطلاق الصواريخ من غزة مقابل وقف الهجمات الاسرائيلية وتجميد عملية الاستيطان في الضفة، على أن يكون ذلك مقدمة لمفاوضات (تردّد إعلامياً أنها قائمة وعلى مستويات عدة بين «السلطة» والاسرائيليين وبعضها برعاية الأميركيين) تتناول الوضع النهائي. وفي الوقت نفسه يسعى الفلسطينيون الى ترتيب بيتهم الداخلي.

 

ونقل عن الجانب المصري قوله إنه لا ضرر في أن يوزع الفلسطينيون الأدوار في ما بينهم، ولكن من ضمن خطة سياسية متكاملة، بحيث يتكامل ما تقوم به «حماس» عسكريا مع المفاوضات التي يخوضها «ابو مازن» وذلك من أجل محاولة تحسين أوراق المفاوض الفلسطيني، ولكن الضغط الأميركي والاسرائيلي حال دون امكان تقديم «السلطة» التنازلات المطلوبة منها لمصلحة اعادة ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي، وهو الأمر الذي تركزت عليه زيارة رئيس السلطة محمود عباس الى العاصمة الأردنية، من دون تبيان ما اذا كانت قد حققت خرقاً في اتجاه الهدنة أم العكس!

 

وفي المقابل، بدت دمشق مسترخية، بعد مرور اسبوعين على انعقاد القمة العربية، ولم تستدرج قيادتها السياسية لأية مواقف في معرض الرد على المواقف السعودية والمصرية، بل ظل لسان حال المسؤولين فيها، وهو الأمر الذي لمسه رئيس الوزراء اللبناني الأسبق سليم الحص وغيره من المسؤولين اللبنانيين، هو الإصرار على سياسة الأيدي المفتوحة.
يعني ذلك أن عين السوريين مفتوحة في هذه الأيام جيداً على الوضع في العراق، حيث يقع الأميركي هناك بين فكي كماشة سورية ايرانية، ما يجعل دمشق وطهران الناخب الأول في الصناديق الانتخابية الأميركية، خاصة اذا تمكنتا من التحكم بمسار العمليات العسكرية... ولعل مجريات معركة البصرة وغيرها من التطورات الميدانية ونتائج اجتماع دول الجوار، من دون إغفال ما ورد في تقرير القيادتين السياسية والعسكرية أمام الكونغرس الأميركي، تشي بوجود نوعين من التفاوض، سياسي وأمني، لكن تبقى الأرجحية في الصناديق الأميركية لواقع الأرض التي تدوسها الجزمة الأميركية في العراق.

الأربعاء 16/4/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع