احذروا المخطط الصهيوني لإلقاء غزة على كاهل مصر الشقيقة



الإسرائيليون يخططون وينفذون.. لا ينظرون بين أرجلهم، يستغلون إلى أقصى الحدود كل المعطيات والمتغيرات على الساحة الدولية، والشرق أوسطية، فالحركة الصهيونية في مؤتمر بازل في سويسرا عام 1897 خططت لإقامة دولة يهودية في فلسطين، ووضعت نفسها في خدمة بريطانيا، وكان وعد بلفور 1917، سمح لها بالهجرة إلى فلسطين لتشكيل المستعمرات، ولتنشئ كيانا صهيونيا داخل فلسطين، وأدت إلى قيام دولة إسرائيل في أيار 1948 والحصول على اعتراف دولي بها، ولتواصل عدوانها فكان العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، ثم حرب حزيران 1967، وسعت بكل قوة للاعتراف العربي بها وخصوصا الفلسطينيين، وكانت حرب 1973 التي كسرت حدة العدوان ولكنها نجحت في عقد اتفاقية كامب ديفيد التي أخرجت مصر من الصراع.
وعلى الساحة الفلسطينية فشلت في إحداث أي تنازل عن الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، أو خلق بدائل لمنظمة التحرير الفلسطينية كروابط القرى لكنها نجحت في إحداث صراعات داخلية بين ممثلي منظمة التحرير الفلسطينية والتيار الاسلامي.
وجاء العدوان الاسرائيلي على لبنان 1982 وتوجيه ضربة قوية لمنظمة التحرير الفلسطينية مما أضعفها على الساحة الفلسطينية والعربية والدولية، وأخرجها من لبنان وحولها إلى مجموعات في العالم العربي، وكان من نتيجته ترعرع قوى الإسلام السياسي في الاراضي الفلسطينية المحتلة وعلى مرأى ومسمع من سلطات الاحتلال ومخابراته، وجاءت الانتفاضة الأولى عام 1987 ردا على العدوان الاسرائيلي وتأكيدا على إصرار الشعب الفلسطيني على التمسك بثوابته الوطنية، وبمنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، ورفضا لكل الممارسات الإرهابية، ولتطرح لأول مرة وثيقة الاستقلال عام 1988 ليتجاوب معها العالم ولتنال الاعتراف الدولي بها، وأعادت الاعتبار للقضية الفلسطينية، باعتبارها حركة تحرر وطني، وشعبًا يسعى للاستقلال والحرية وتقرير المصير والعودة.
وفى إطار استيعاب منظمة التحرير الفلسطينية كان مؤتمر مدريد للسلام، واتفاقية أوسلو والاعتراف المتبادل بين الطرفين، وعودة القيادة الفلسطينية إلى ارض الوطن لتبدأ مرحلة جديدة من النضال، وتشكل المؤسسات الجنين الأول للدولة الفلسطينية،  ولتعزز التواصل الجغرافي والسياسي بين جناحي الوطن، ولتبدأ حركة بناء مؤسسات الدولة المرتقبة، وتعزيز كياناتها التي سرعان ما فطنت الحكومات الإسرائيلية بخطورتها فعمدت للتهرب من تنفيذ الاتفاقات مع المنظمة، وماطلت في تنفيذ بعضها، وسرعت في بناء المستوطنات والوحدات السكانية والتوجه بشكل صارخ لتهويد القدس، ووضع قيود على حركة السكان والبضائع بهدف تعطيل التوجه لدولة مستقبلية.
برزت حركة حماس خلال فترة التفاوض الاسرائيلي- الفلسطيني كحركة مقاومة، ورافضة لمشروع المفاوضات، وعززت وجودها المكثف في المؤسسات الاجتماعية والصحية والدعوية والاغاثية المختلفة كنموذج مختلف عن نموذج منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة، وعن حركة فتح التي استأثرت بالسلطة في جميع المؤسسات العامة والأمنية والمحافظين والسفراء... الخ ترافق معه فساد سياسي ومالي وإداري وتفاوضي، وتبلورت مجموعات مصالح حولت السلطة ومؤسساتها إلى مشروع استثماري، كما جرى تجاهل فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، وتهميشها واستبعادها عن المشاركة السياسية، مما خلق أرضية جماهيرية وشعبية رافضة لهذه الممارسات لتصب في طاحونة حركة حماس التي لم تتوان للحظة عن استغلال أي خطا أو تجاوز مستخدمة المنابر والمساجد والجامعة الإسلامية للدعاية لبرنامجها المقاوم والاصلاحي.
وجاءت زيارة اريك شارون للحرم القدسي لتعبر الجماهير عن رفضها لهذه الزيارة ومنتفضة على السلوك الاسرائيلي الاحتلالي، والسلطوي، استغلت حركة حماس هذه الأوضاع  لتبدأ مرحلة جديدة من العمليات التفجيرية داخل اسرائيل، والقتل العشوائي للجنود والمدنيين، لتربك الساحة الفلسطينية وتجلب ردات فعل إسرائيلية حيث باشر جيش الاحتلال بتدمير المقرات الأمنية والعسكرية ثم محاصرة الرئيس عرفات واجتياح المقاطعة، وإضعاف السلطة الوطنية وأجهزتها المختلفة، ولتضع إسرائيل نفسها في خانة محاربة الإرهاب بعد أحداث سبتمبر، بدعم ومساندة الولايات المتحدة الأمريكية التي تزعمت الحرب على الإرهاب كما تزعم. لقد ترافق مع هذه التطورات مجموعة من الخطوات الإسرائيلية المدروسة والمخطط لها بدقة، وبحثت عن حامل لمشروعها الانقسامي فهل حركة حماس مؤهلة للعب هذا الدور؟
1- منعت العمال الغزيين من العمل داخل إسرائيل، هذه الشريحة الهامة التي تشكل مصدر الدخل الكبير للقطاع، حولته إلى مجتمع يعتمد على المساعدات الإنسانية والدولية، ومنظمات الأمم المتحدة ووكالة الغوث وتشغيل اللاجئين، ليسهم هذا الإجراء العقابي في تردي الأوضاع الاقتصادية وانخفاض مستوى المعيشة، انعكست آثاره السلبية على جميع مناحي الحياة  للمواطن الغزي مما فاقم من حدة الصراعات الداخلية والمجتمعية، وخلق بؤرا جديدة من التطرف والنزوع إلى العنف..
2- كثفت من ضرباتها الجوية على مقرات قوات الأمن الوطني الفلسطيني لإضعافها وشل حركتها ومنعها من القيام بواجبها الوطني، وخصوصا بعد دورها الوطني في أحداث النفق، وخلقت الفرص المواتية للانقضاض عليها، والاستيلاء على مقراتها في اللحظة المواتية، كما خلقت وضعا تعزز فيه دور المليشيات المسلحة، وتكاثرت المجموعات التي ليس لها مرجعية سياسية بحجة المقاومة والمرابطة، وشكل بعضها  أدوات إرهابية وبلطجة ضد المواطنين وابتزازهم تحت تهديد السلاح والقرصنة  والسطو على مقدرات الوطن، والاستيلاء على أراضٍ حكومية وخاصة، وتحولت لمصدر رعب وخوف وإزعاج للمواطنين، الأمر الذي سمح لحركة حماس أن تلعب  دور المدافع عن المظلوم ضد الظلم والقهر والتمسك بخيار المقاومة.
3- عمدت إسرائيل لتقنين تلقي العلاج وأجراء العمليات الجراحية داخلها، وفتحت الطريق لتلقي العلاج وإجراء العمليات الجراحية أولا في مصر والأردن، وثم  سمحت لأهالي قطاع غزة بالتوجه إلى مصر ومحاولة تعزيز دورها العلاجي، في محاولة لإعادة ربط قطاع غزة بمصر.
4- اشتداد الهجمة الإسرائيلية على قطاع غزة واستخدام الترسانة العسكرية في الهجوم عليه مستخدمة أسلحة الدبابات والصواريخ والطائرات والاجتياح والاغتيالات ردا على أية عملية داخل إسرائيل، وعمدت إلى قطع التيار الكهربائي  لفترات طويلة عن سكان قطاع غزة كعقاب جماعي، مما عطل الحياة، وأغرقها في بحر من الظلام، وكان الرفض المصري لهذه الممارسات الإرهابية مقدمة المساعدة ومن منطلق انسانى لمد مدينة رفح وجزءا من مدينة خان يونس بالتيار الكهربائي بديلا عن التيار الكهربائي الاسرائيلي، كما تتجه النية لإنشاء محطات توليد الكهرباء في سيناء أو مدينة رفح المصرية للتخلص كليا من التيار الكهربائي الاسرائيلي، واعتماد القطاع عليها.
5- ولفرض وقائع جديدة في التعامل مع المليون ونصف المليون من المواطنين في محافظات غزة، يأتي دور تقنين المحروقات والوقود إلى قطاع غزة، من الغاز والبنزين والسولار، مستخدمة ذريعة العملية في معبر ناحل عوز لتعطى المبرر الأكبر لمنع وصول المحروقات إلى قطاع غزة ولتتوقف الحياة، وليتحول قطاع غزة إلى قرية مهجورة، تصعب الحياة فيها، في حين أن سيارات الانقلاب تتحرك بكل طاقتها على الأرض، وليدخل القطاع في نفق مظلم جديد من المعركة على الحياة والوجود، ولتفرض إنسانيا وقوميا على الجانب المصري للتدخل، وإجبار مصر على التعاطي مع المتغير الجديد، وتبدي استعدادها لامداد قطاع غزة بالوقود.
6- ما جرى في معبر رفح من اقتحام للمعبر، واندفاع المواطنين الفلسطينيين باتجاه مصر بحجة كسر الحصار، والتسوق والحصول على المواد الغذائية، وما رافقها من ممارسات غير مسؤولة ضد السيادة المصرية والجنود المصريين تعكس خطورة استغلال الحالة الإنسانية للشعب الفلسطيني، وتعاطي أجهزة الأمن المصرية والقيادة المصرية مع الحالة بروح إنسانية، وما الحديث الأخير عن اجتياح جديد لمعبر رفح ، وتصريحات بعض الشخصيات الحمساوية عن انتفاضة ثالثة ليست في اتجاه العدو الحقيقي لشعبنا الاحتلال الاسرائيلي، إلا تساوقا مع التوجه الاسرائيلي لعزل قطاع غزة، وإلقاء تبعيته على اكتاف مصر، وإعفاء الاحتلال الاسرائيلي من مسؤوليته القانونية والأخلاقية.
7- فهل بقيت المرحلة الأخيرة من المخطط الاسرائيلي بالتخلص كليا من قطاع غزة، وتعميق الانقسام، وفصله عن الوطن والأهل في الضفة الغربية والقدس سياسيا وجغرافيا وقانونيا ورميه في حضن مصر عبر الامتناع التدريجي والتناقصي في تقديم المواد الغذائية الضرورية لاهالي القطاع حتى تتحمل مصر مسؤولية حل هذه المشكلة والتي بدأت بإغلاق المعابر بحجة الأمن.
بهذه الخطوات العدائية للشعب الفلسطيني فإنها إسرائيل تحاول أن تفرض معادلتها على الشعب الفلسطيني، بوضع العراقيل للتواصل الجغرافي والانساني، ولتمنع إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة على الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، وفرض هذه الوقائع على الحكومة المصرية كونها تشكل البعد العربي الأول للشعب الفلسطيني.
إن هذه الخطوات لم تكن لتتم لولا وجود طرف فلسطيني يتساوق مع هذا المخطط بوعي أو بدون وعي، وفرض برنامجه الخاص على حساب البرنامج الوطني التحرري.
إن الاحتلال الاسرائيلى يشكل العدو الحقيقي لشعبنا، كما أن الانقلاب الدموي والانقسام  يشكلان خطرا آخر على المشروع الوطني الفلسطيني، كما أن الدور الباهت للسلطة الوطنية في التعامل مع هذا الانقسام وتداعياته الكارثية على الوطن والعلاقات العربية لا يرتقي لمستوى المسؤولية التاريخية والوطنية، ولا يكفي دفع الرواتب للمواطنين فقط، بل المطلوب أكثر من ذلك، تطلب مقاومته بالطرق الدمقراطية والسلمية، الشعبية والجماهيرية، وإلا فإن مصير القضية الفلسطينية إلى الزوال في المنظور القريب. كما يتطلب من الأشقاء في جمهورية مصر العربية الحذر واليقظة من المشروع الاحتلالي الذي يجري تنفيذه بأيدٍ فلسطينية تنتمي إلى الإسلام السياسي. إن افتعال الأحداث والمواجهات مع مصر يحمل في ثناياه المخاطر الكبيرة على المشروع الوطني، ويخلق حالة من العداء لدى الشعب المصري وقيادته للشعب الفلسطيني الذي تربطه بالشعب المصري أواصر الدم والجوار والنسب، ولهذا فان من الضروري تضافر كل الجهود من أجل إفشال هذا المخطط الصهيوني، وعدم السماح للأصولية الإسلامية أن تنفذ برنامجها الاقصائي والخاص، وعلى السلطة الوطنية الفلسطينية وقواها السياسية ومكونات المجتمع الفلسطيني أن تعمل على تخليص المجتمع الفلسطيني من حالة الانقسام، وعليها الضغط من أجل تنفيذ المبادرة اليمنية، وبمساعدة جامعة الدول العربية وبعض الأطراف الصديقة الدولية بأسرع وقت ممكن، فالكارثة القادمة خطيرة ولن نتلافى نتائجها الكارثية على الوطن والشعب والقضية إذا بقيت الأمور تسير في نفس الاتجاه الذي خططت له إسرائيل.


(غزة- فلسطين)
talat_alsafadi@hotmail.com

طلعت الصفدي
السبت 19/4/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع