نحو تعزيز عملنا اليهودي العربي المشترك
دعوة علنية إلى امتشاق سلاحنا السري!!



تأتي هذه المقالة، نتاج محادثات عديدة، أجريناها على هامش نشاطنا في الشبيبة الشيوعية وفي الجامعات ومجمل النشاط السياسي لحزبنا الشيوعي وجبهتنا الدمقراطية، في هذه المحادثات تساءلنا دوما عن آفاق ترجمة تركيبتنا الأممية إلى عمل عربي يهودي مشترك بشكل ملموس وواضح في الشارعين: العربي واليهودي.

 

نتساءل: إلى أي حد قادرون نحن، المؤمنين بضرورة العمل العربي اليهودي المشترك، على كسر الحواجز من أجل ترجمة هذه القناعة عملا يوميا يتجاوز التظاهرات الهامة والشجاعة أمام وزارة الأمن إلى الإتصال اليومي بهموم الناس والتصدي للمواقف العنصرية المسبقة ضد العرب أو اليهود؟!

 

نحن لا نكشف اليوم سرا، إذ نقول بأن قسمة العمل القائمة اليوم، تحتم على كل رفيق بذل كل الجهود في بلده ومجتمعه، حيث ينشط الرفاق العرب في الشارع العربي واليهود، بالتالي، في الشارع اليهودي. طريقة العمل هذه تحمل، بلا شك، الكثير من الإيجابيات، ولذا فهي الغالبة، إلا فيما يتعدى بعض الحالات الخاصة، كالجامعات والهستدروت والمدن المختلطة، فهنا يوجد متسع أكبر للنشاط المشترك وإن ظلت تقسيمة العمل قائمة إلى حد كبير.

 

طبعا، نحن نعلم بأن تقسيمة العمل القائمة اليوم، ليست وليدة الفراغ، بل وأنها مبنية إلى حد بعيد على معايير النجاعة والسهولة في العمل: فالرفاق العرب، بلا شك، أكثر قدرة على فهم القضايا الملتهبة في الشارع العربي ولديهم القدرة والإستعداد لأن يمثلوا الموقف الحزبي بشكل أفضل من خلال إدراك الحساسيات القائمة في شارعهم، في قضايا الدين مثلا، وكذا بالضبط هي الحال في الشارع اليهودي، فهناك أيضا توجد حساسيات لمواضيع أخرى، كحقوق المثليين جنسيا وغيرها، ما نريد أن نقوله هو بأن لكل مجتمع نقاط قوته وضعفه، حساسياته واهتماماته التي لا بد من إدراكها كشرط أساسي للتأثير.

 

وفي المقابل، فإن للعمل المشترك الكثير مما يحده، وإذا ما اتفقنا بأننا نحن قادرون على تجاوز حالة الفصل العنصري القائم في البلاد في كل مرافق الحياة بين العرب واليهود، إلا أننا نظل ضحايا هذا الفصل بسبب ثلاث قضايا مركزية: عائق اللغة، البعد الجغرافي، والجهل بثقافة الآخر، أو على الأقل: عدم معرفته بشكل كاف.

 

وفي كل مرة، نتمكن من تجاوز هذه العقبات نحو عمل مشترك، نكتشف بأننا قادرون بسهولة كبيرة على تحطيم مواقف مسبقة وآراء نمطية، فمثلا: في ورشات العمل التي أقامتها الدائرة الطلابية هذا الصيف أقمنا تجربة مثيرة: تقسمنا إلى مجموعتين، كل مجموعة كانت تضم طلابا عربا ويهودا، إحدى المجموعات كان عليها أن تعد من بين أعضائها ثلاثة طلاب يهود لمواجهة الإدعاءات القومجية أو الأصولية التي قد توجه بحقهم في الشارع العربي، وكان على المجموعة الثانية أن تعد ثلاثة طلاب عرب لمواجهة إدعاءات اليسار الصهيوني التي قد توجه بحقهم. الرفاق نجحوا بمهمتهم بشكل مثير للإعجاب، وسط تفاعل كبير من الجمهور الذي أدلى بدلوه بين الحين والآخر. 
إحدى الحالات كانت بقدوم تال، طالب يهودي من القدس، لتوزيع منشور في أم الفحم، هناك التقى بالطالب مصعب الذي أدى الآن دور الشيخ مصعب.
مصعب (بعصبية): إننا ندير هذه المحادثة منذ عدة دقائق باللغة العبرية. لغتك ليست لغتي وأنت تأتيني مسبقا بلغة المحتل.
تال، يجيبه بعربية سليمة: شو المشكلة، رح نحكي بالعربي.
الشيخ مصعب تفاجأ بالفعل من الرد، تقلص خجلا والجمهور انفجر ضاحكا.

 

إذن فهنالك بشرى تأتي من الجامعات- اللقاء اليهودي العربي في الجامعة يتيح لقاء وحوارا يوميا في أطر مشتركة تعزز إلى حد كبير معرفة كل ناشط بالإهتمامات الإجتماعية والثقافية من حوله. ويجب تحويل هذه المعرفة إلى سلاحنا السري.

 

هذه النماذج لحظناها بشكل خاص، ولكن غير كاف، في الإنتخابات الأخيرة للكنيست، ففي تل أبيب كان المتحدثون العرب أنجح من رفاقهم اليهود بالتصدي للآراء المسبقة من خلال لقائهم المباشر باليهود، وكذا هي الحال في الطيرة، فاللقاء برافضي الخدمة العسكرية أخرس الأسئلة العنصرية "هو في يهود ملاح؟!"
ولكن ذلك ليس كافيا، ومن أجل تجنيد المواطنين اليهود مثلا للمعركة ضد الإحتلال يجب إقناعهم بأن الصراع ليس بين المواطنين العرب واليهود، إنما بين سياسة الإحتلال الإمبريالي وبين المصالح الحقيقية والمشتركة للشعبين، وهنا لنا نموذج خاص من تجربة إخلاء حي "كفار شليم" المقام على أنقاض قرية سلمة بجوار يافا، فوقفة نشطاء عرب العرب إلى جانب جيرانهم اليهود، لا لشيء إلا لمنع الإستفراد بهم بعد ذلك، غيرت مواقف هؤلاء اليهود بشكل جدي. وهنالك مكان لنماذج اخرى، فلنتخيل ما يلي:

 

أم الفحم: ناشطان، فحماوي ويهودي يقفان جنبا إلى جنب ويوزعان منشورا ضد هدم المنازل في المدينة. نعم، يهودي وعربي يدافعان عن حق المواطنين بالمأوى ويتصديان لنهب الأرض. المارة يحيون الناشط الفحماوي وينظرون إلى الضيف غير المعروف. من هذا؟ أهو رجل شاباك؟ أو ربما واحد آخر ممن لفظهم المجتمع اليهودي وأتى يبحث عن تعاطف من طرفنا؟ هل يمكن أن يكون، حقا، شريكا بنضال شعبي؟ هل يمكن أن يدرك بأن نضال الشعبين هو نضال واحد بالفعل؟ ويزداد اهتمامهم بهذه الظاهرة، فيبدأون بالبحث عما نكتبه...

 

تل أبيب: دوار "مجين دافيد"، هنا يلتقي شارع شنكين بسوق الكرمل- ألينبي، كينج جورج، ونحالات بنيامين. ستة شوارع. يقف ناشطان: عربي يهودي، ويوزعان منشورا حول ارتفاع الأسعار. يقولان "إنهم يدحرجون إلينا، نحن العمال، ثمن أزمات الإقتصاد العالمي، مرة أخرى. أسعار الخبز، الكهرباء والماء ترتفع. الأجور تظل منخفضة، مخصصات الشيخوخة تسحق". يأتي شخص، ينظر، يقرأ ويسأل: ألستم حزب عرب؟ بل حزب يهود وعرب، يجيبه الناشط ابن المثلث بلهجة "تشي" بعروبته ولا يخجل بها إنما يحاول إبرازها. "إسمع، إنكم صادقون، لكنكم سذَّج، سينجحون إلى الأبد بإقناعنا أن الحرب هي بين الشعوب وليس بين أصحاب رأس المال وبيننا، نحن البسطاء من الشعبين. سينجحون حتى لو كنتم صادقين. الحق معكم لا اعتراض!" سيقول أحد المارة بأسى!
هذا الإحتكاك بالمواطنين وقضاياهم اليومية، ليس سهلا دائما، وفي أحيان كثيرة قد نصطدم بتعامل فظ من قبل المارة، العربي في تل أبيب قد يهاجم وكذا اليهودي "صاحب العرب" واليهودي في الطيرة قد يهاجم وكذا العربي "العميل.. حبيب اليهود".

 

لكن هذه الحالات لا يجب أن تخيفنا، نحن من نملك الجرأة على إطلاق صرخاتنا المشتركة ضد الإحتلال والحروب في قمة العاصفة والتحريض العنصري. وعلينا أن نقتنع بأن هذا الإتصال الدائم والتصدي الدؤوب للمواقف المسبقة، هو الكفيل بإحداث التغيير. نعم، نحن نعلم أن المهمة ليست سهلة وأننا نقارع آلة ضخمة لغسل الأدمغة ولكن لا بأس، فنحن نعلم أيضا بأن معركتنا عادلة ومنتصرة حتما! ذاك أننا لا نرغب بهذا التغيير لدفع اليهود إلى تناول الحمص والفول في البلدات العربية، ليس هذا هو التعايش الذي نرمي إليه، إنما النضال العربي اليهودي المشترك من أجل مستقبل أفضل، متحرر من الإحتلال والعنصرية.

 

لا، نحن لا نريد طمس الفوارق، فلكل منا الحق بل الواجب، بأن يكون وطنيا مخلصا لشعبه، حق بل واجب كل منا أن يشعر بالإنتماء إلى هويته القومية، وأن يفاخر بالنير والتقدمي من ثقافته على أن تكون له الجرأة على لفظ ما هو متخلف من حضارة شعبه وبالمقابل على تبني كل ما هو تقدمي من حضارة الشعوب الأخرى. كل هذا يعزز قناعتنا بأنه لا مفر في نهاية المطاف أمام الوطني العربي والوطني اليهودي إلا أن يدركا بأن المصالح الحقيقية هي المصالح المشتركة للشعبين وأن يلتقيا في نضال مشترك خال من "التعاطف مرهف الحس". 

 

بناء على كل ما جاء، فإننا نختتم هذا المقال- الذي نأمل أن يكون الأول في سلسلة من المقالات التي سننشرها باللغتين العربية والعبرية- بدعوة هيئاتنا الحزبية إلى إستثمار المزيد من الجهود وبناء برنامج تثقيفي لتدريب كواردنا على استخدام سلاحنا السري في المعركة ضد الفصل العنصري ومن أجل التغيير الجذري في المجتمع الإسرائيلي كله.

* الكاتبان عضوا اللجنة المركزية لإتحاد الشبيبة الشيوعية الإسرائيلي

أمجد شبيطة ويوآف جولدرينغ
السبت 19/4/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع