لاعبون كُثر.. الضحية واحدة



المأساة غير المسبوقة التي يعيشها قطاع غزة وسكانه، وتدني مستوى الحياة بشكل خطير ومتسارع، يُستعملان اليوم وبطريقة رخيصة تفتقر لأدنى معايير الأخلاق الآدمية.
فالاحتلال الذي يواصل اعتصار كل مظاهر الحياة في قطاع غزة، تحت ذرائع متجددة لا تنقطع، يهدف للحيلولة دون عودة قطاع غزة جزءا لا يتجزأ من مشروع الكيانية الفلسطينية سياسيا وجغرافيا، ويهدف إلى استثمار كل هذا البؤس الضالع فيه نحو غزة، لفصلها نهائيا عن الأرض الفلسطينية، وفصلها بالتالي عن إدارة الشرعية الفلسطينية ومؤسساتها، ودفعها للبحث عن خيارها ومستقبلها خارج المشروع الوطني وبما يؤدي إلى انسلاخها التام ويعززه.
ويبدو أن خيار الحركة الانقلابية (حركة حماس) يتقاطع من حيث المصلحة مع استراتيجية الاحتلال. ويمكن لكل مراقب للسلوك الحمساوي في قطاع غزة، وسيطرتها المتدرجة العنيفة، ولكن المتواصلة على جميع المؤسسات الرسمية تمهيدا للسيطرة على الفضاءين السياسي والمجتمعي في قطاع غزة، أن يصل إلى هذه الخلاصة. وتحقيقا لهذه الاستراتيجية الواضحة على الأرض، تناور حركة حماس، مستغلة بؤس قطاع غزة وأهله، باتجاهين: الأول استدراج تفاهم حمساوي- إسرائيلي يفضي بالنتيجة إلى الاعتراف بسلطتها المطلقة على قطاع غزة، مقابل تأمين خاصرة الاحتلال الجنوبية وإعفاء الاحتلال من مسؤوليته القانونية. وكل المناورات المتواصلة حول التهدئة وفشلها، ثم الاستعداد للبحث فيها مجددا عبر البوابة المصرية- وليس عبر البوابة الفلسطينية- تهدف إلى ترسيخ حالة الانقلاب وتشريعها، والاعتراف بها عبر الإسرائيليين الذين سيشكلون من وجهة النظر الحمساوية بطاقة الاعتراف الدولية بإمارتهم على الأقل.
الاتجاه الثاني: استعمال تكتيك التصعيد العسكري، وما يسمى "مقاومة" الصواريخ لمساعدة الاحتلال على خلق أزمة إنسانية طاحنة إلى درجة الانفجار، تستدعي تدخلا دوليا وإقليميا عاجلا، تكون فيه حركة حماس اللاعب الرئيس إلى جانب إسرائيل، بكل ما يحمل ذلك من تثبيت واعتراف بإدارتها لقطاع غزة، ناهيك عن توجيه هذا الانفجار إلى الحدود المصرية، وإرغام المصريين، واستثمار حرجهم، لفتح ملف معبر رفح بما يؤمن شراكة كاملة لحركة حماس مع الشقيقة مصر في إدارة هذا المعبر. ويبدو أن رفض الإسرائيليين لإدارة معبر رفح من قبل الرئاسة الفلسطينية يفضي ويخدم التكتيك الحمساوي في حسم مصير قطاع غزة كدويلة مستقلة، يمكن أن يتعامل معها الإسرائيليون مستقبليا، بعد استثمارها بالإجهاز على خيار الدولة الفلسطينية المستقلة. ويعرف الإسرائيليون مرونة حركة حماس فيما يتعلق بالشأن الوطني، فقد سبق أن وصلوا معها إلى تفاهمات حول الدولة المؤقتة!!

(2)

تفتح إمارة قطر أذرعها لاستقبالٍ حارٍّ لوزيرة الخارجية الإسرائيلية، وتمكنها من إلقاء محاضرة حول "الدمقراطية" في منتدى الدوحة الثامن، كما تستضيف قطر أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في الخليج، ورغم ذلك تربط قطر بإيران وسوريا "وبحركة حماس" وقوى الإسلام السياسي الجهادي "علاقات ودية"، لدرجة أن وزير خارجية قطر استعد للعب دور الوساطة بين حماس وإسرائيل، عندما أعلن في أكثر من مرة عن "واقعية" حماس وقبولها بالدولة ذات الحدود المؤقتة، وعن قدرة حركة حماس كذلك على فرض التهدئة واحترامها، خاصة - كما يقول الوزير القطري- أنها القوة المسيطرة على قطاع غزة، ناهيك عن العديد من المساعدات التي تقدمها قطر لحماس، بدءا بالإعلام والمال وانتهاء بتسويق الاعتراف بإمارتها.
قطر التي ستتولى رئاسة الجامعة العربية في العام المقبل تتجاوز عمليا قرار القمم العربية، وتنتهك بصورة مباشرة مبادرة السلام العربية التي ربطت العلاقات العربية بإسرائيل، بإقدام الأخيرة على الانسحاب من جميع الأراضي العربية التي احتلت عام 67 بما في ذلك الجولان.. فما هو دور قطر الحقيقي؟!

* (رئيس تحرير مجلة الطريق الفلسطينية)

حيدر عوض الله
السبت 19/4/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع