رؤى واقتراحات حول عمل مركز الطوارئ العربي - "مبادرة"



* مدخل

كشفت تجربة العمل كائتلاف جمعيات خلال الحرب الثانية على لبنان الطاقة الكامنة في هذا التعاون الوظائفي بين مؤسسات مهنية، على قدرٍ عالٍ من المسؤولية والمصداقية والالتزام الوطني، والقدرة على التأقلم اللوجستي والإداري. لكنها كشفت أيضًا أنه بعد انتهاء الحرب – الأزمة، تعود معظم المؤسسات إلى برنامج عملها العادي والطبيعي، فتتخلف شيئًا فشيئًا عن متابعة مسائل الطوارئ لتُفاجئنا الأخيرة من جديد في جولتها التالية، وتعصف بحالنا الهش وتُهدد بقاءنا.
كما تتوجب الإشارة إلى أن المخاطر المحدقة بالأقلية العربية ليست محصورة بعوامل خارجية (حروب، كوارث طبيعية.. إلخ) فقط، والتي يكون التعاطي معها بالأساس من مسؤولية الدولة تجاه مواطنيها، إنما هنالك عوامل داخلية مثل العنف والتقاطب السياسي والتعصب الطائفي وشح الموارد، التي من شأنها أن تُشعل نار الفتنة بين فئات الشعب الواحد. وهذه تتطلب استراتيجيات البناء المجتمعي وتطوير التكافل الاجتماعي واللـُـحمة بالعمل والتوعية على وحدة المصير.

 

أما علاقة الدولة مع مواطنيها العرب فهي مُركّبة جدًا، يعتريها انعدام الثقة والتشكيك في النوايا، ومخلّفات سياسة التمييز على مختلف المستويات، شح الميزانيات والبنى التحتية، مصادرة الأراضي وهدم البيوت، الملاحقة وسياسة الخنق و..إلخ. مما أدى إلى أكثر من مواجهة بين الدولة ومواطنيها العرب، حيث عُزِلت بعض البلدات العربية في أعقاب هذه المواجهات، وانقطع عنها حليب الأطفال، والأدوية الشهرية للمرضى، وتفاقمت الحاجة لخدمات طبية أولية، خدمات بنكية وتسيير المصالح التجارية والاقتصادية.
لذلك، ومن أجل تطوير وتعزيز قدرة المجتمع العربيّ ومؤسّساته على التّعامل مع احتياجات الجمهور في الأزمات وحالات الطّوارئ، تقرر تأسيس مركز الطوارئ العربي – "مبادرة"، على أن يقوم المركز بالتخطيط والتحضير والاستعداد المسبق للقيام بمهامه الأساسية في حال اندلاع أزمة عامة أو حالة طوارئ واسعة تواجهها الأقلية العربية في البلاد، ومهامه العينية خلال الأزمات تشمل ما يلي: التنسيق بين الجهات المختلفة ذات الشأن، توجيه كوادر عاملين مهنيين ميدانيًا، مراقبة ومتابعة معالجة الأزمات والطوارئ من قبل الهيئات الرسمية المسؤولة.

 

* محاور أساسية لعمل المركز


المحور الأول يعمل على إقامة تشكيلة تنظيمية (عناقيد) لوائية ومحلية، تعتمد على:  توفّر الموارد البشرية (ملاكات ثابتة، متخصصين إداريين، أمنيين، تربويين ونفسيين وألخ)، والأجهزة التقنية (رافعات، جرافات، ماتورات، مضخات ماء...ألخ)، وانتشار المؤسسات الضرورية (سلطات محلية، خدمات اطفاء واسعاف اولي، عيادات صناديق المرضى) وتوزيعتها الجغرافية.
ويتم العمل على تأسيس شبكة عناقيد محلية ولوائية (بين الاحياء وبين البلدات العربية) المجاورة للتعاطي مع حالات الطوارئ – مشاركة باستخدام الموارد والاجهزة والطواقم المهنية. بحيث تكون لكل عنقود سلسلة اتخاذ قرارات وتمرير معلومات واتصال معروفة ومتدرّبة بشكل دوري. لها علاقاتها الاجتماعية والمهنية "الثابتة" on regular basis  على المستوى المحلي اللوائي والقطري.

 

المحور الثاني لعمل المركز هو العمل على تأهيل الطواقم المهنية (والتي تشمل: أخصائيين بالمساعدة النفسية والطبية، وكذلك طواقم إنقاذ تنقيب وإخلاء..ألخ) للعمل مع الجمهور العربي وخصوصياته الثقافية وتركيباته المجتمعية، آخذين بعين الاعتبار التوزيع الجغرافي، الانتماء الطائفي والحساسيات المتنوعة الاخرى (سياسية، قبلية... وغيرها).
المحور الثالث للمركز يقوم على رصد المُتغيّرات والموارد التي من شأنها أن تؤثر على مدى استعداد الأقلية العربية لمواجهة المخاطر ومعالجة حالات الطوارئ أو الأزمات.
بناءً على ما تقدم، فإن عمل مركز الطوارئ يقوم على برنامج عام و مستمر ( (Core Program ، يهدف الى بناء مكانة المركز ودوره الفعّال ، وكذلك تعزيز شبكات اتصاله مع السلطات  المحلية، شركاء للعمل وهيئات رسمية ومجموعات هدف مختلفة ( صحافة، جمعيات، مهنيين وإلخ) وذلك من أجل التأثير على صياغة السياسات المتعلقة بالطوارئ؛ ورفع جاهزية البلدات العربية لتعاطي مع الأزمات وحالات الطوارئ الخاصة بها  بشكل أفضل وأنجع؛ والقيام بدور المراقبة والمتابعة لرصد المتغيرات والموارد المتعلقة بالبلدات العربية وقدرتها على مواجهة الأزمات (Monitoring & Watch Dog Roles)؛ وتطوير وتنويع مصادر دعم المركز  لتشمل مصادر محلية وبضمنها إشراك القطاع الخاص في العمل الأهلي، بالإضافة لبناء شراكات استراتيجية مع صناديق وجهات داعمة تساهم في تدعيم المركز مهنيًا وماديًا.

 

وتشمل مسارات العمل في البرنامج العام ما يلي:
1. مأسسة عمل "مبادرة" وبلورة كامل هيئاتها الإدارية والتنفيذية، واستكمال التجهيزات التقنية والوظائفية المطلوبة لتمكينه من القيام بمهامه بنجاح؛
2. تطوير قنوات اتصال مع الجهات الرسمية المسؤولة عن البلدات العربية في الوزارات ذات الشأن (الصحة، الدفاع المدني، الزراعة والعمل والرفاه...) من أجل تطوير آليات تنسيق وتمرير معلومات تساهم في تنجيع عمل المركز، وتأكيد مكانته الخاصة بالتعاطي مع الأزمات والطوارئ؛
3. المشاركة الفعالة في مداولات دوائر التخطيط واتخاذ القرارات الحكومية فيما يتعلق بعمل لجان الكنيست والوزارات ذات الصلة (الداخلية، مراقبة الدولة، الصحة، الرفاه الاجتماعي والبنى التحتية)؛
4. تنبيه السلطات المحلية العربية للفرص والموارد المتاحة أمامها من أجل تحسين جاهزيتها للتعامل مع الطوارئ والأزمات؛
5. تطوير قنوات اتصال مع الصحافة والإعلام المحلي والعالمي، المرئي والمسموع والمكتوب، وذلك باللغات المحلية والأجنبية؛
6. التشبيك مع جمعيات فاعلة أو مجموعات عمل ميدانية نشيطة على المستوى الجماهيري، عربية أو يهودية، محلية أو قطرية من أجل تبادل المعلومات، وتقوية المطالبة والتحشيد وإحقاق الاحتياجات العربية؛
7. وضع آليات مراقبة ومتابعة للموارد والتبرعات الرسمية وغير الرسمية التي تُخصص للجمهور العربي أثناء الطوارئ، والتأكد من مصداقية صرفها للصالح العام.

 

* المشاريع الاستراتيجية

بالاضافة للعمل الجاري والمستمر، فإن المركز يعمل على عدة مشاريع استراتيجية، يكون لكل منها مردود مباشر على تطوير التكافل الاجتماعي وتطوير قدرة المجتمع على التعاطي مع الأزمات:
1. مشروع التأهيل والتدريب المهني ، والذي يشمل  المبادرة لدورات تهيئة وتدريب طواقم مهنية في مجالات ذات الصلة لحالات الطوارئ والأزمات العربية، كالمساعدة النفسية بعد الصدمات؛ طواقم الخدمات الطبية والإسعاف؛ وطواقم الإنقاذ والإخلاء من المتطوعين.
2. إقامة بنك معلومات (Data Base) تفاعلي ومُحتلن بالموارد البشرية والتقنيات والمؤسسات والبنى التحتية المتوفرة في البلدات العربية بهدف تفعيلها واستخدامها عند الحاجة. على بنك المعلومات أن يكون متاحًا للاستخدام من مواقع مختلفة (يتم الولوج به عبر الانترنت)، تتم حتلنته بشكل دوري، ويكون مصدر معلومات وتواصل مع شركاء للعمل، أخصائيين وجماهير هدف متنوعين. وإحدى الوظائف الأساسية لمشروع بنك المعلومات هي إجراء مسح ميداني للوضع القائم في البلدات العربية، واستبيان مدى استعدادها على مختلف المستويات: الإدارية، المهنية والأهلية. وكذلك استبيان الموارد التقنية والبنى التحتية المتوفرة في كل بلدة/ عنقود.
3. تطوير مكتبة المصادر باللغة العربية (Resource Center)، وتشمل أدبيات وفعاليات مناسبة للأهل والمربيين والأطفال من فئات جيل مختلفة، تساهم في تدعيمهم وتزويدهم بالأليات العملية للتعاطي مع حالات القلق، التوتر أو الهلع أوالأزمات النفسية. في البيت أو المدرسة أو غيرها. بالإضافة لذلك، ومن أجل زيادة الموارد المتاحة خلال الأزمات والطوارئ، وتدعيم مكانة المركز كعنوان، على المركز فحص إمكانيات تفعيل "خط طوارئ" يكون عنوانًا للأفراد والمؤسسات عند الحاجة. هنالك نواحٍ تقنية للموضوع ( ضغط الاتصالات، انقطاع شبكات الاتصال!! الاتصال من مناطق مختلفة، خدمة "إتبعني" و..ألخ)، وكذلك مهنية، مثلا: خصوصية التدريب المهني المطلوب،  أو الإسقاطات مالية وغيرها. كذلك على المركز دراسة إمكانية تخصيص مورد مالي أو إقامة صندوق طوارئ، من أجل تسهيل سد احتياجات مادية فورية خاصة جدًا (يتم تحديدها لاحقًا) نابعة من حالة الطوارئ، وذات بعد حياتي / حيوي ......
4. مشروع التكافل الاجتماعي والتطوع: البحث عن.. وتطوير نماذج عمل وآليات تدخلية مناسبة لكل من السيناريوهات الممكنة، وبضمنها دراسة مفهوم "الصلحة العربية" و – "ثقافة الفزعة" وسلوكيات أخرى.


* مدير مركز "مبادرة" (المصدر: مجلة "قضايا التعليم العربي"، العدد الخامس)

سامر معلم
السبت 19/4/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع