سلاحك الكلمة!



أيها الأخوات والإخوة
أسعد الله مساءكم بكل خير في هذا الاحتفال المتواضع الذي نكرم فيه واحدا من أعلام شعبنا الفلسطيني في هذه البلاد ألا وهو الأستاذ الكبير فتحي فوراني صاحب الكلمة الجميلة وخبير قواعدها والمبدع في آن واحد.
قليلون هم المبدعون الذين يتركون بصماتهم في عالم اللغة والكتابة وفي نفوس طلابهم وزملائهم وأصدقائهم وقرائهم!
عزيزنا الأستاذ فتحي فوراني هو واحد من أبناء هذا الرعيل.
قديما قيل: إن الأمة التي لا تكرم قادتها ومبدعيها وشخوصها البارزين ليست أمة جديرة بالحياة. ولما كنا أمة تحب الحياة لا بل تعشقها، لذلك فإننا إنما نكرم أحد مبدعينا البارزين كي نكون حقا جديرين بالحياة.
أقول: أحد كبار المبدعين ولا أرمي كلامي جزافا. ولذلك لأن لأستاذنا الكبير أيادي بيضاء في صحافتنا المحلية، في ندواتنا ومنتدياتنا، في عالم الكلمة الأرحب، في كل لقاء للإبداع، حيث يسحرك بروعة كلماته ويشدّك للاستزادة بلا ملل، بل بلهفة وشوق كبيرين لمتابعة ما يبدع من جميل الكلام دررا منظومة كأجمل وأحسن ما يكون الجمال.
وفوق ذلك، عرفته معلما مخلصا وحامل رسالة. أغنى لغتنا بما أبدع وألّف وعلّم. فتعلّقت به نفوس طلابه وزملائه وأصدقائه وعارفي فضله حتى باللغة العبرية!
وعرفته إنسانا مجتهدا، خفيف الظل دؤوبا محبا للكتاب، كثير المطالعة، جادًّا في عمله مضحّيًا بالغالي والنفيس من أجل إفادة وتعليم وتربية الشباب في سن المراهقة.
عرفته مفكرًا ذا آراء صائبة في العديد من المواقف وذا ذائقة أدبية ممتازة، يميّز بين الغثّ والسمين. عرفته مقنعًا في أحاديثه، هادئًا متميّزًا  أبدًا، بسيطًا كعشاء الفقراء شامخًا كأرز لبنان.
عرفته ثائرًا على المسلّمات متمسّكًا بالثوابت والمثل العليا ناقدًا لكل المسلّمات التي لا ترضي ميوله الثورية والاجتماعية.
عرفته مربّيًا قبل أن يكون معلمًا. عرفته أبًا محبًا لعائلته  وزوجًا حنونًا ومحبًا لتلاميذه الكثيرين.
عرفته إنسانًا أولا وقبل كل شيء، يساري النزعة، تقدمي الفكر لا يخشى في الحق لومة لائم. صاحب قلم سيال. له آراء واضحة. يكتب في الكثير من القضايا فيجيد الكتابة خاصة في القضايا الساخنة، قضايا شعبنا العربي الفلسطيني المصيرية التي تهم شعبنا في كفاحه العنيد من أجل تحقيق المساواة التامة في الحقوق ومن أجل تطبيق مبدإ حق تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية العتيدة وعاصمتها مدينة القدس الشريف.
أيها الأخوات والإخوة!
قال أحدهم: لست جنديًا كما يطلب منّي، فسلاحي الكلمة!
أنت أيها الصديق سلاحك الكلمة!
أيها الصديق أنت الذي ملأ الجرار بأول الزيت المقدس, وابتكرت من الصخور كرمًا ومن الكلام الجميل عزةً ومجدًا، تملأ كأسنا خمرةً من عنب الجليل وحبًا أزليًا كي نحيا به!
كان لسان حالك أبدًا قولك: تعلمت كل الكلام وفكّكته كي أركّب جملة واحدة هي الوطن! سألت القصيدة فاغرورقت بالغيوم.. سأقطف فاكهة الضوء من شعاع القمر.. كي ينزل إلينا القمر!
أما أنا فأقول مع محمود درويش: لك عندي كلمة لم أقلها بعد, فالظل على الشرفة يحتل القمر, وبلادنا ملحمة كنتَ فيها عازفًا صرتَ وتر!
أنا أيها الصديق أنتظر الشمس القادمة بدورانٍ ثابتٍ وإِشراقٍ واعدٍ ويظل الظل ينحسر رويدًا رويدًا وتكبر شمعة زُرِعَت قي القلب فتحولت من العتمة إلى الضياء وهكذا وجدت جزءًا من ذاتي! ولما كنت أعي أن السّيل مهما كان قويًا فإنه لن يجرفَ هذه الذات لأنها ذاتي ولأنها موجودة معي!
هكذا أنت, لم تفقد ذاتك برغم السنوات! بل وجدتها أبدًا وتعلقت بها دائمًا! وأنت سيد العارفين أن الكتابة كانت ولا تزال وطنكَ! كما نعرف أن الوطن هو كتابة! وتعرف أبعد من ذلك أن للسوق منطقًا آخر! فالكتابة في زمن الطغاة أشد خطرًا على الكاتب من النوم مع الأفاعي فراشٍ واحدٍ! لأجل ذلك كنت تتساءل دائمًا وأبدًا قائلا: أيها الناس! أيها الأحبّة! من منكم يستطيع أن يمنحني خبزي كفاف يومي ويأخذ مني طنًا من الكتابة الجميلة المزوّقة المعبّأة بالفراشات والغزلان والأغاني وشعر البنات؟!
من يأخذ كلماتي ويمنحني بيتًا وسقفًا لأقولَ: أصبح لي بيتٌ؟
هكذا أنت: فلسطيني أبدًا, لاجئ مع اللاجئين, ثائر مع المقاومة الفلسطينية منتفض مع أطفال الحجارة, سجين مع سجناء القضية, كاتب وأديب مع الكتّاب والمبدعين, معلم ومربٍّ فوق كل شيء!
وماذا بعد؟
أستاذ فتحي! أنت في القلب منّا. فقد أحببناك وربطتنا بك علاقة أخوةٍ حقيقية فكنت ولا تزال الصديق الوفيّ! وإذا كان لشعبنا أن يعتزّ بشيءٍ, فإنه يعتز بهذا الرّعيل المتفاني في خدمة الشباب والمعطي بغير حساب وأنت منهم!
كانت لديك فلسفة خاصة في الحياة! فقد كنت ولمّا تزل تؤمن بالعمل الجادّ الدؤوب المثمر من أجل لقمة العيش أولا, ومن أجل فائدة المجتمع العربي ثانيًا, وكنت تؤمن بالمحبة الحقيقية, لأنها أحسن وسيلة للتواصل والتعاون مع الآخرين.  وهذا شأن الإنسان العامل الذي يضحّي بكلّ شيءٍ من أجل وحدة هذا الشعب ومن أجل تحقيق أمنياته العراض، ومن أجل عزّة وكرامة الأجيال الناشئة!
 وكنت تؤمن بالقيم الإيجابية ومحاربة آفات مجتمعنا الخيّر, تراقب سلوك الطلاب وتحميهم من الانحدار إلى عالم المخدّرات, هذه الآفة التي تأكل هيكل المجتمع وتضرّ بصحة الكثيرين. وكنت تؤمن بالتضحية, حيث لم تتردد في تقديم المساعدة للطلاب الضعفاء كي يلحقوا بركب زملائهم كلّ في صفّه! وكنت تؤمن بالعطاء بغير حدود!
وكنت حاضرًا أبدًا في الصف الأمامي في نضال جماهير شعبنا لأنك تؤمن بأن هذا حقّ هذا الشعب في حياة الكرامة  والاستقلال هو حقّ مقدسّ لا يجوز امتهانه أو الاعتداء عليه!
وكنت تؤمن بجعل كلّ شهور السنة شهر لوز وريحان وياسمين يعبق العطرُ في سمائه وتبسم الملائكة بهجة وسرورًا منشدين أناشيد الحياة مهلّلين ومتمنين لك الصحة والعافية وطول العمر ولا تزال كذلك!
فمن كانت هذه مسيرته وهذه مبادئه وهذه أعماله وما زال على نفس هذا النهج, يستحق منّا كل التكريم حيًا! أطال الله عمرك أيها الصديق الحقيقي وأكثرَ من أمثالك لتظلّ علمًا من أعلام هذا المجتمع العربي العزيز على قلوبنا جميعًا!
لك الحياة يا أخي! وشكرًا لإصغائكم!

(نص الكلمة التي ألقيت في حفل تكريم الأستاذ فتحي فوراني في حيفا بتاريخ 20-3-2008)  

(كفر ياسيف)

 


تحية خالصة للأستاذ فتحي فوراني

قصيدة بطرس دلة بمناسبة تكريمه وعيد ميلاده يوم الخميس الموافق 20-3-2008

أستاذ فتحي أيا شبلا بمأسدة            نحبكم ونباهي فيكم الأمما
ونستقي منكم العلم الأكيد فلا           تستأنسون بغير العلم مغتَنَما
ونلتقي فبكم في كل كوكبة              من الرجال صديقًا تحفظ الذمما
وتستهين بهمّ قد نضيق به              فليس ترضى بغير المجد في العُلما
حُييت يا رجلا يسعى لمكرمة            فأنت شهم عزيز تكره الظلما
وليس تنحني شموخًا دائمًا وعُلًا         تمضي عنيدا بسبل الحق والنُّدما
رعاك رب البرايا كم بك اكتملت         بيض الصنائع يا من فيك مأمننا
أنت الذي في ركاب المجد مفخرة        وفي العليين لا، لا تعرف الندما
إهنأ أخي فقد حققت مرتبة               بين النجوم فأنت النور ما عتما
وأنت باقة ورد مذ نشأت على           حب المعالي وفعل الخير يا علما!

د. بطرس دلة
السبت 19/4/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع