حزبنا الشيوعي يُحيي 90 عامًا من النضال:
ذكريات خِتيار لم تمُتْ أجياله (15)



*بعد الانتخابات للكنيست التي جرت في سنة 1959 هبط تمثيل الحزب الى ثلاثة اعضاء، وخلال عودتي من العمل في المنجرة التابعة للسجن، كان ضابط عنصري معروف يقف على بوابة السجن، فناداني "يا كناعنة انا اليوم لم اعد اخاف من الشيوعيين" فقلت له "لماذا؟" قال "لانه هبط تمثيلكم في الكنيست من خمسة الى ثلاثة اعضاء". فأجبته بحماس الشباب: "بالعكس اليوم يجب ان تخاف اكثر"، فقال "لماذا؟" قلت له "لأن الشيوعيين لا يمكن ان يأخذوا السلطة بانتخابات مزيفة بل بالثورة على هذه الانظمة العنصرية" عندها سكت ودخل الى مكتبه*

*

من الرفاق الذين جابهوا ايضا ضغوطات كبيرة، الرفيق مصطفى اسعد عسلية "ابو اكرم" امد الله في عمره والذي تم الاحتفال قبل عدة اشهر بمناسبة بلوغه سن الثمانين. ولكن السلطات مارست الضغط بصورة اخرى وكان ذلك عن طريق والده حيث طلب من زوجة ابنه ان تزوره في السجن من اجل الضغط عليه والا فسوف يطردها من البيت هي واولادها، ولكنها لم تكن مقتنعه بهذه الطريقة لانها تعرف زوجها جيدا وتعرف مواقفه الصلبة والمبدئية، وعندما زارته واخبرته ماذا قال لها والده، أجابها "قولي له عليّ الطلاق بالثلاثة انني لن احيد عن هذا الطريق كل عمري"، وكما ذكرت ها هو قد تخطى الثمانين من عمره وهو ما زال مثابرا على هذا الطريق، طريق الحزب الشيوعي، وفي الحقيقة كان هدف والده - كما كان هو يفكر - ان يخرج من السجن لانه كان "عمود البيت" كما يقولون في الامثال الفلاحية.(وحول هذه القضية كتب الرفيق محمد خاص مقالاً في الاتحاد تحت عنوان "علي الطلاق بالثلاثة".
لقد كنا نستمد قوتنا وعزيمتنا من خلال الاهتمام بنا من قبل جماهير شعبنا ومن قيادة الحزب والمحامين الذين كانوا يزورونا بشكل دائم في السجن، الرفاق اعضاء الكنيست اليهود والعرب توفيق طوبي واميل حبيبي وماير فلنر واستر فلنسكا ولكن بشكل اكثر الرفاق المحامين حنا نقارة وابراهم ملامد وروديتي وغيرهم، بالاضافة الى الوفود من الاهل ومن الحزب والشبيبة الشيوعية. هذه الزيارات كانت تشحننا بالقوة والصمود. اود ان اعطي مثلا عن احدى الزيارات للرفيق ماير فلنر في سنة 1959 حين جرى اعتداء عليّ بتنظيم من ادارة السجن من قبل زعران داخل السجن ونتيجة لهذا الاعتداء كسر كتفي في ذلك الوقت، ولكن ادارة السجن لم ترسلني للعلاج في المستشفى. في تلك الفترة بالذات حضر لزيارتي الرفيق ماير فلنر وعندما اخبرته عن الوضع توجه لنائب مدير السجن وقال له "اليوم يجب ان يؤخذ توفيق كناعنة الى المستشفى والا فأنتم تتحملون المسؤولية، وعندها انا اعرف ماذا سأفعل". بعد هذا التهديد الواضح بساعات قليلة نقلت الى مستشفى الكرمل في حيفا وبمرافقة دائمة من احد السجانين حيث مكثت هناك حوالي الاسبوع ولكن وبالرغم من هذا بقي أثر هذا الاعتداء، واصابتي في كتفي اشعر بها حتى اليوم.
في تلك الفترة كان قد خرج اكثرية الرفاق من السجن بعد ان انتهت مدة حكمهم وكنا آخر سجناء اول ايار، الرفيق محمد شريدي في سجن شطة وانا في سجن الدامون. خلال وجودنا في السجن جرت عملية تمرد في سجن شطة وكان هناك اكثرهم كما يسمونهم سجناء امنيين وكان هناك ضابط معروف بعنصريته واعتداءاته على السجناء في سجن شطة وبعد هذا التمرد نقل الى سجن الدامون، ومنذ ان عرفني بأنني شيوعي كان يحاول استفزازي من اجل اهانتي وعندما شعرت بهذا توجهت الى مدير السجن، والذي كان يعرفني جيدا حيث كانت زيارات المحامي حنا نقارة لي كلها تتم في مكتبه، وكان يرى الاهتمام الخاص بي من قبل المحامين واعضاء الكنيست الشيوعيين. وفي الجلسة معه حدثته عن تصرف هذا الضابط وحملته المسؤولية عما يمكن ان يحدث لانني لن اسمح لاي انسان بإهانتي، عندها اجابني "انا سأفهمه الامر واقول لك اذا حاول استفزازك رد على كلامه ولا تهتم". وبعد الانتخابات للكنيست التي جرت في سنة 1959 هبط تمثيل الحزب الى ثلاثة اعضاء، وخلال عودتي من العمل في المنجرة كان يقف على بوابة السجن ويظهر ان المدير نبهه، فناداني "يا كناعنة انا اليوم لم اعد اخاف من الشيوعيين" فقلت له "لماذا؟" قال "لانه هبط تمثيلكم في الكنيست من خمسة الى ثلاثة اعضاء". فأجبته بحماس الشباب: "بالعكس اليوم يجب ان تخاف اكثر"، فقال "لماذا؟" قلت له "لأن الشيوعيين لا يمكن ان يأخذوا السلطة بانتخابات مزيفة بل بالثورة على هذه الانظمة العنصرية" عندها سكت ودخل الى مكتبه.
خلال كل فترة وجودنا في السجن لم تتوقف الاعمال الجماهيرية من اجل المطالبة باطلاق سراح السجناء ومن اجل الغاء نظام الحكم العسكري المفروض على الجماهير العربية حيث جرت تحركات ايضا من اوساط يهودية. فقد جرى تحرك جدي من قبل عدد من الصحفيين والكتاب والفنانين اليهود بعد احداث ايار حيث وجهوا نداءا عاما من اجل الغاء الحكم العسكري وكان قد وقع على هذا النداء اكثر من مئة وخمسين شخصا، وبعثوا برسائل الى عدد كبير اخر من الصحفيين والادباء والفنانين يطالبونهم بالتوقيع على هذا النداء من اجل الغاء الحكم العسكري. وكان نص النداء تحت عنوان "الغاء الحكم العسكري واجب وطني" وقالوا فيه: "ان الموقعين على هذا النداء يرون ان مسألة الغاء الحكم العسكري ضرورة ملحة وواجب اخلاقي وانساني ملقى على عاتق كل مواطني الدولة" وهذا النداء ارسل في ذلك الوقت الى رئاسة الكنيست، وقالوا فيه ايضا "اننا نتوجه الى كنيست اسرائيل بكل كتلها للعمل السريع من اجل الغاء الحكم العسكري حالا فتكون بذلك قد وضعت الاساس للمساواة في الحقوق والواجبات التامة لكل مواطني الدولة" وكان الدكتور شرشيفسكي سكرتير منظمة "ايحود" قد ارسل رسالة موجهة الى السيد يني يني يعلمه فيها عن بيان الصحفيين والادباء والفنانين اليهود ضد الحكم العسكري ومن اجل تحقيق المساواة التامة لجميع مواطني الدولة، وكانت اللجنة التنفيذية للجبهة في ذلك الوقت تعقد مؤتمرا صحفيا بتاريخ 28\08\1958 من اجل توزيع بيان اللجنة التنفيذية الذي اقرته على الصحف في اسرائيل، وفيه قررت اللجنة التنفيذية للجبهة بالاجماع شكر الدكتور شرشيفسكي وزملائه على خطوتهم المباركة في سبيل رفع كابوس الحكم العسكري عن كاهل جماهير شعبنا.
بعد كل النجاحات للجبهة في عملها من اجل توحيد الصفوف وتشديد المعركة ضد سياسة السلطة، اعلنت قيادة الجبهة عن عقد اجتماع تداولي لفروع الجبهة في عكا بتاريخ 10\01\1959 وعلى اثر هذا القرار شنت السلطات حملة ارهابية جديدة ضد قيادة الجبهة والحزب الشيوعي ايضا من اجل منع عقد مثل هذا الاجتماع. ولكن بالرغم من كل هذه الاساليب الدنيئة عقد هذا الاجتماع التداولي وتحول الى اجتماع شعبي كبير وفيه اتخذت عدة قرارات هامة من بينها دعوة اللجنة التنفيذية للعمل على عقد مؤتمر شعبي في أقرب وقت من اجل المطالبة باعادة القرويين الى قراهم واراضيهم، وكذلك دعوة الاحرار اليهود الى تأييد المواطنين العرب في نضالهم العادل. وكذلك، اتخذت قرارات اخرى وبناء على هذه القرارات قررت اللجنة التنفيذية للجبهة عقد مؤتمر خاص تحت اسم "مؤتمر الاراضي واللاجئين" والذي تقرر عقده في 04\07\1959 وخلال هذا النشاط والعمل الكبير الذي تحضر له الجبهة عملت السلطات بشكل سافر من اجل الوقيعة بين الشيوعيين وغير الشيوعيين وبدأت باختلاق الاكاذيب من اجل زعزعة الوحدة الشعبية التي تجلت بقيام الجبهة الشعبية. وبدأت صحف السلطة باختلاق الاكاذيب والحديث عن استقالة بعض القيادات من الجبهة. وعلى اثر مثل هذه الدعايات والاكاذيب اجرى مراسل "الاتحاد" في ذلك الوقت الرفيق محمد خاص لقاءات واتصالات مع قادة الجبهة واعضاء اللجنة التنفيذية، والجميع قالوا انهم لا يعرفون شيئا عن هذه "الاستقالات" المزعومة التي نشرت في بعض الصحف. وقال السيد يني يني ان هذه الاشاعات هي نوع من الهستيريا وقال: "انني اكذب بشدة ما ورد في هذه الصحف عني وعن زملائي" وكذلك السيد شكري الخازن الذي اكد انه ما زال عضوا فعالا في الجبهة وهو امين صندوقها، وكذلك السيد طاهر الفاهوم كذب كل ما نشرته جريدة "عل همشمار" وقال انه لم يقابل احدا من هذه الجريدة وقال "لقد جاءني صحفيا وطلب مقابلة معي واتفقنا على يوم الخميس ونحن اليوم ما زلنا في يوم الاربعاء وكل ما قيل على لساني لم اتفوه به انا وتستطيع ان تكتب هذا على لساني" وهكذا جميع اعضاء اللجنة كذبوا واستنكروا مثل هذه الاكاذيب والاستفزازات.
ان احداث ايار قد خلقت الجبهة الشعبية ونتيجة لهذا الواقع جرى تحول كبير في الاتجاه السياسي الصحيح بين جماهير شعبنا وقد رفضت كل اساليب الترغيب والترهيب وسارت في طريق وحدة الصف الكفاحية من اجل المحافظة على بقائها ومن اجل الغاء الحكم العسكري، وكذلك التحول الكبير الذي جرى ايضا بين الجماهير اليهودية في ذلك الوقت، وما بروز نداء الصحفيين والادباء والفنانين اليهود من اجل التجند الواسع لالغاء نظام الحكم العسكري الا مثالا واحدا من هذه التحولات الهامة، ان الرفاق في داخل السجن كانوا على اطلاع بما يجري في الخارج عن طريق جريدة "الاتحاد" و "كول هعام" وكانت تصلنا عن طريق الزيارات وفي احيان كثيرة كانت تصل "الاتحاد" عن طريق احد السجانين الذي تربطنا معه علاقات طيبة، وكنا نرى في هذه التحولات في الشارع اليهودي وقيام الجبهة الشعبية ونشاطها الدائم وبروز دورها ونشاطها اليومي بالاضافة الى نشاط الحزب كانت بالنسبة لنا الغذاء الروحي واعطاء المعنويات لنا في داخل السجن.

(عرابة البطوف)
(يتبع)

 

توفيق كناعنة*
الثلاثاء 22/4/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع