طلعْن أحنك وأشطر من الزلام



الجو كان متوترا ومكهربا، التحريض من "فج وعميق" ضد الشيوعيين العرب في وسائل الاعلام السلطوية، سيارات البوليس تسرح وتمرح سرّي مري في شوارع كفر ياسيف وابو سنان عشية عيد العمال العالمي الاول من ايار. المدارس مغلقة ليس احتفاء تضامنيا مع يوم الطبقة الكادحة الكفاحي، بل احتفالا "بالعاشوراة"، أي بمرور عشر سنوات على استقلال اسرائيل ونكبة الشعب الفلسطيني. كنت سأطير من الفرح، لأننا نجحنا نحن الاشبال الشيوعيين في المدرسة الابتدائية الذين لم يتجاوز عددنا عدد اصابع اليدين ان نفشل احتفال العاشوراة في المدرسة وان يخرج الحاكم العسكري واذنابه من الوزن الثقيل "مبعوصي" ومكسوري الخاطر دون توديع مدير المدرسة والمعلم الذي "اغتُصب" بادارة احتفال لم يجر وصار مخصيا، فبدايته صارت نهايته. وللذمة والتاريخ فان للرفاق نمر مرقس وخالد الذكر يوسف شحادة وحبيب باسيلا دورا هاما في افشال احتفال العاشوراة، والرفيق نمر – ابو نرجس – كان معلمنا ومثقفنا وصاقل وعينا فيما يتعلق بالموقف من الاستقلال الاسرائيلي المنقوص الذي لا يمكن ان يصبح متكاملا الا بعد معالجة نزيف النكبة وتجسيد حق الشعب الفلسطيني بتقرير المصير.
بشعور المنتصر اردنا المشاركة في مظاهرة اول ايار في الناصرة عاصمة الكفاح الوطني والتقدمي، وبشكل سري دار الرفيق ابو باسيلا ومصطفى خطيب وكاتب هذه السطور لتجنيد وفد محترم للمشاركة في المظاهرة رغما عن قرار السلطة التعسفي بالغاء المظاهرة وطي اعلام ايار الكفاحية الحمراء. وقررنا ان يكون الملتقى عند ساحة العين في كفر ياسيف، وجندنا السيارات الخصوصية ووزعنا الرفاق والرفيقات عليها وتحديد وقت سفر كل سيارة حتى نحرم بوليس السلطة من متعة منع كل الوفد من المشاركة في انتفاضة الشيوعيين في الناصرة. والدي رحمه الله، خاف علي من جريمة ارهابية يرتكبها بوليس السلطة، فهم حسب رأيه كفرة لا رب لديهم يعبدونه، وأصر ان ارعى العنزة الحلوب في زيتون البلدة، وان لا اذهب الى المظاهرة، حاولت اقناعه، وبالرغم من انه من المتحزبين للحزب الشيوعي الا ان رأسه العنيد كان اصلب من صخر بلدنا البروة المهجرة، ولم تنفع شفاعة امي لصالحي، حضرت لي زوادة، دخلت براكية (خشّة العنزة)، لاحظت في القرنة حبلا اعرف ان طوله اكثر من اربعين مترا، قلت هامسا لنفسي "فُرجت يا رفاق" اخذت العنزة الى شقفة زيتون "القرامة"، اخترت مكانا خصبا بالخضار والحشيش، ربطت العنزة وطولت لها وهمست في اذنها "احن الى حليبك ولكنني احن اكثر لواجبي الحزبي"، كأنها فهمت قصدي "فمعّت" احتجاجا. ركضت الى ساحة العين، ركبت في نفس السيارة مع ابي باسيلا والرفيق فهيم جريس وذيب ابو عقل ومصطفى خطيب، ولكن عند شفاعمرو جميع الطرق الموصلة الى الناصرة كانت مغلقة، فالحواجز البوليسية (المحاسيم حسب لغة المحتلين في المناطق الفلسطينية المحتلة) كانت تنتشر في جميع مفارق الطرق. سمعنا عن اعتداء البوليس على مظاهرة الناصرة وتصدي المتظاهرين لقوات القمع بعصي الاعلام وبالحجارة وبالصدور العارية، لا اذكر ان احدا من شيوعيي بلدنا وصل الى المظاهرة مع ان عددا كبيرا من الرفاق كان ضحية الاعتقال والابعاد الى المنافي. الرفيقات كن اكثر حنكة وشطارة من الزلام الرفاق، فنحن اكتفينا بالتظاهر مع رفاقنا في شفاعمرو احتجاجا على عدوان الناصرة، اما الرفيقات الخمس فادّعين ان احداهن مريضة واخترقن الحصار وشاركن في الانتفاضة، فألف تحية للرفيقات ميسر شحادة (ام رمزي)، ونبيهة مرقس (ام نرجس)، وبدر توفيق شحادة كريني (ام حاتم) ورية فرحات (ام عيسى) ومزين الحاج (ام رفيق) وابتهاج الحاج (أم وائل)، على تاريخكن المشرف وكل ايار وانتن والجميع والاعلام الحمراء بألف خير.
د. أحمد سعد
الأربعاء 23/4/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع