وإن نسيتُكِ أو نسيتُ أهلي في اللجوء لينساني..



 

 

 

 

 

 

حيفا أصغر بنات فلسطين سِنًّا.
حيفا عيون السّاحل الشّاميّ.
حيفا قلب الكرمل الأشمّ.
حيفا عروس فلسطين.

 

كانت تنام حيفا في حِضن كرملها الدّافئ كُلّ ليلةٍ ويُغطّيها السّاحل بأمواجه مع كُلّ خفقة قلب أيام البرد ويُنعِشها برذاذه مع كلِّ رمْشةِ عينٍ أيّام الحرّ ويُهلّل لها تهاليل الغسقِ في كُلِّ مساءٍ لترتاحَ في سِنتها ونومها من متاعب وعناء وشقاء سكّانها اليوميّ ويُنشِد لها أناشيد الصّباح مع كلِّ طُلوع فجرٍ مع زقزقة حَساسينها وتغريد بلابلها وهديل حمامها لتستيقِظَ نشيطةً معطاءةً تمنح أبناءها القوّة والعزم على خير العمل وأفضل البناء وأسمى آيات الفرح لكي يبدأوا نهارهم المُبارك من جديد. لكنّ الدّفء والتّهليل والهناء والسّعادة والطّمأنينة غاب قبل ستّين خريفًا.

 

قبل ستّين عامًا بالضّبط، عاشت حيفا وما زالت تعيش نكبتَها حين انتُهِكت حُرمةُ تلك الفتاة الفتيّة البتول، صغيرة أخواتها، في الثّاني والعشرين من شهر نيسان. وانقطعت تلك الفتاة عن سماع التّهليل والإنشاد وانكفأت على ذاتها وحَرَدت ودخلت في قنوط مهيب وكدر رهيب وكرب مخيف وسادت سماءَها أصوات نعيق الغربان وعاثت الأفاعي في حديقتها خرابًا وفسادًا.

 

جانب من الحضور في الامسية التي اقامها الحزب والجبهة بحيفا
في الذكرى الستين لسقوطها

لم يكن مصير حيفا بأفضلِ من مصير أخواتها، كصفد وعكّا وطبريّا واللد والرّملة ويافا والقدس وبئر السّبع وبيسان ولتَعْذُرنني أخوات أمّي إن نسيتُ إحداهُنّ، فيا له من مصيرٍ بائسٍ وماضٍ كئيبٍ وحاضرٍ حزين.
لكنّ البشّار العربيّ والشّيوعيّ العريق طيّبت الأرض مَن نام تحتها في ذلك المكان الأبديّ بالمسك والعنبر والطِّيب والبخّور والحِنّاء ابن مدينة البشارة البشّارة والناصرة والقهّارة، إبن الحارة الشّرقيّة توفيق زيّاد حين كتب لنا ليبعث فينا الأمل ويحثّنا على الصّمود ويُحذِّرهم من تماديهم:

 

أيّ أمٍّ أورثتكم
يا تُرى
نصفَ القنال
أيّ أمٍّ أورثتكم
ضفّةَ الأردن
سيناء
وهاتيك الجبال
إنّ من يسلبُ حقًّا
بالقتال
كيف يحمي حقّه يومًا
إذا الميزان
مال؟

 

فكتب برهوم البُلشفي في مذكّراته عن هول المأساة:
"ولم يكن للعرب حولٌ ولا قوةٌ إلاّ بالله القويّ الجبّار، والهروب من المصير الغامض إلى المجهول، بناءً على طلبٍ من الجيوش العربيّة لترك البلاد لسبعة أيّام يقومون خلالها بترتيب الأمور وطرد الغزاة وعندها يعود النّازحون إلى بلادهم، وطبعًا، لم تترتّب الأمور إلى يومنا هذا ولم ينتهِ الأسبوع بعد. لم يعرفوا أنّ الحولَ والقوّةَ والإتّكال على الله يجب أن يكون مقرونًا بالإيمان والإصرار والفَلاح وخير العمل". ويتابع كاتبًا في مذكراته:  
" سقطت في نيسان، قبل أن تُحييها شتوية نيسان. كانت المؤامرة كبيرة. كان الثّمن باهِظًا. وما كان للسّكان إلا الهروب من مجهول ليختبِئوا في ثنايا مجهول آخر، سائلين أنفسهم: تُرى ماذا يُخَبّئ لنا هذا الغول؟

 

ماذا يُخبّئ لهم هذا الغول في زمن غابت فيه العنقاء ولم يعد ذكْرٌ للخلّ الوفيّ. وأصبح الاعتماد على الذّات مفرّ المناضلين في نضال غير منظّم نسبيًّا مقابل تنظيم على مستوى أوروبي كامل ودعم أوروبي وأمريكي وعربي، دعم عالمي واعلامي والّذي كان سبب الفشل والسّقوط، وكأنّ هذا الثّوب كان مُفَصّلاً مُسْبقًا على قدّ العروس وكان عليها لبسه مرغمةً، أو كان عليها الشّرب من هذا الكأس الممزوج بالحنظل مُسبقًا لتشربه مُكرهةً، لتُسقِطَ عن وجوههم كلّ الأقنعة إلى أن سقط القناع الأخير عن القناع الأخير.
كان يسكن حيفا في ذلك الزّمان وان اختلفت الأرقام لكنها تقاربت أو تراوحت ما بين سبعين أو ثمانين ألف من المواطنين العرب الفلسطينيّين. وبقي بعد الاحتلال وان اختلفت الارقام لكنها تقاربت أو تراوحت ما بين ألف وخمسمائة وثلاثة آلاف من المواطنين العرب الفلسطينيّين.
هُجِّر وطُرِدَ وأُبعِد من مدينة حيفا عشرات الآلاف من مواطنيها العرب حيث وقعوا في شِباك ظلم ذوي القربة وعرفوا شِدَّة مضاضتها ووقْع حُسامها المُهَنَّد وفي شِباك التّنّين الأكبر ذي الرّأسين الصّهيوني والامبريالي، الأمريكي والبريطاني.

فإليك أيّها العربيّ الفلسطيني أقول كما قال شاعرنا ابن البروة محمود درويش:

 

يا داميَ العينين والكفّيْن
إنّ الليلَ زائل
لا غرفةَ التّوقيفِ باقيةٌ
ولا زردَ السّلاسل
نيرون مات ولم تمُت روما
بعينيها تُقاتل
وحبوب سنبلة تموت ستملأ الوادي سنابل.

كم من الأحبّة ينشدون مُعانقتك يا حيفا، أحبّة في الشّتات القسري في مُخيّمات اللجوء، هناك قرب الحدود أو بعيدًا عن الحدود أو داخل الحدود حيث تفصل بينهم وبين الوطن الأشواكُ والأسلاكُ الكهربائيّةُ ودخل المُصطلحان لاجئ وغائب حاضر إلى قاموسنا. لاجئو الوطن في داخل الوطن هم حسب القانون حاضر غائب وهم على بُعْدِ مرمى حجر من قريتهم المُهجّرة أو المُحتلّة من قبل الغُزاة كأمّ الزّينات وطيرة الكرمل وكفر لام وإجزم والحوّاسة وبلد الشّيخ وعين غزال وعين حوض والمنسي والجلمة وهوشة والكساير وعتليت وقيسارية والطّنطورة وياجور وأمّ الشّوف وكلّه حسب الأعراف القانونيّة والشّرعيّة ولعن الله من اعطاهم الشّرعيّة وأوكل إليهم أن يمسكوا بزِمامِ القانون.
لقد سنّ المُحتلّ قانونه لتكون تجاوزاته ومجازره شرعيّة وقانونيّة.

نقول لهم، علّمنا زيّاد وقال:

 

صمودًا أيّها النّاس الذين أحبُّهم  
صبرًا على النُّوَبِ!!  
ضعوا بين العيون الشَّمس  
والفولاذَ في العَصبِ 
سواعدكم تحقّق أجمل الأحلام
تصنع أعجب العَجَبِ

يقول برهوم في مُذكّراته:
"أرادوا حيفا نظيفةً من العرب. صحيح أنّه تعالت أصوات يهوديّة رسميّة وغير رسميّة تطالب العرب بالبقاء كآبا حوشي وشبتاي ليفي ولكن الواقع كان عكس ذلك، كان حبرًا على ورق، فأخبار المجازر والقتل والفتك لأهلنا من قبل عصابات الهجناة في قرى قضاء حيفا كالطّنطورة وإجزم وكفر لام وعين حوض وعين غزال وأمّ الزّينات أرهبت أهل حيفا، ولا ننسى دعم ومسئوليّة لجنة الطّوارئ العربيّة الّتي طلبت (وكأنّه كان هناك سبب لكذا طلب) تسهيل النّزوح، ليصبح أهل حيفا لُقمةً سائغةً لمؤامرات الإنجليز والصّهاينة، كان المُخطّط تشريدَ سكّان جميع قُرى السّاحل الفلسطيني من رأس النّاقورة شمالاً إلى غزة هاشم جنوبًا".

 

فقد كانت العمليّات الارهابيّة والتّرهيبيّة منَوّعة ومُختلفة منها إيصال الأخبار مباشرةً لعرب حيفا عن المجازر في قرى منطقتها كالطّنطورة والحوّاسة وبلد الشّيخ أو ببثّ تهديداتهم عبر أثير إذاعة الهجناة باللغة العربيّة أو بتوزيع مناشير التّهديد والوعيد أو الهجوم على البيوت العربيّة الحيفاويّة الآمنة وقتل من فيها أو تهديدهم بالموت إن بقَوا في بيوتهم أو بالسّرقة والسّلب والنّهب أو دحرجة براميل البارود أو النّفط المشتعل من معسكراتهم التي كانت تحيط أحياء حيفا العربيّة وتُشرف عليها من أماكنهم العالية (تفوّق طوبوغرافي أيضًا) لتتفجّر في المناطق العربيّة المنبسطة والواطئة أو رمي جثث المواطنين الشّهداء على الأرصفة أو حتّى التمثيل بهم بُغية زرع الخوف في نفوس أهل البلد العرب من الذين بقَوا فيها أو قاموا بقنص المارّة من أسطح المنازل العالية مثل عمارة سلام وسلمون ومن عمارة الإذاعة في شارع ستانتون وقد قاموا بطرْد العرب من بيوتهم المجاورة للأحياء اليهوديّة. فقد أصدرت وحدة كارميلي أوامرها بقتل كلِّ عربيّ تصادفه في طريقها أو أسرِهِ كرهينة للمُساومة عليها في حالة دخول الجيوش العربيّة أو حتى يكونوا دروعًا بشريّة.

 

كانت قدراتهم تفوق قدرات العرب أبناء حيفا الذين كانوا ينظّفون رصاصهم بورق الزّجاج، حتّى تدخل بسهولةٍ في مخزن البارودة أو المُسدّس (فَشَك مْبَرِّد) فقد كانت معدّاتهم الحربيّة من مُخلّفات الحرب العالميّة الثّانية ومنهم من كان يبيع ممتلكاته لشراء سلاحه بينما كان الجيش الصّهيوني في أتمّ استعداد بدعم بريطانيٍّ كاملٍ، كانت له أسلحة أوروبية حديثة الصّنع فكان لهم البحر والبرّ والسّماء، كانت لهم الطّائرات والبوارج والمعدّات الأرضيّة الحربيّة. زد على ذلك أن سقوط حيفا كان قبل ثلاثة أسابيع من انتهاء فترة الانتداب البريطاني الّذي كان من المفروض حماية مواطنيها العرب واليهود، لكنّ بريطانيا تآمرت على أهل حيفا الأصليين لتُسقط المدينة في أيدي عصابات الهجناة وهي ما زالت ترزح تحت حكمهم.

 

لقد أطلقت وحدة كارميلي من قوات الهجناة على عملية احتلال حيفا، عملية "????? ????" أي اجتثاث الخميرة (وهي عبارة عن عملية تطهير عن طريق النّار بالحرْقِ أو الغليان لجميع أواني البيت وأثاثه وأطراف البيت وتنظيف كلّ ما هو شائب أو مُخمّر حتّى يكون البيت نظيفًا). وهكذا أرادوا لحيفا أن تكون "حلالاً ???" و"طاهرة" و "نظيفةً" من سكّانها الأصليين، فوجود العرب في حيفا "يُدنِّس" المدينة لذلك قاموا بعمليّة تطهير عرقي، قاموا بعملية اجتثاث الخميرة ونحن العرب خميرة حيفا وخميرة هذا الوطن.

 

جرى احتلال حيفا حسب خطّة عسكريّة واسمها المقصّ (المسبارايم) حيث قُسِّمت حيفا العربيّة إلى ثلاث مناطق مختلفة ومُهمّة استراتيجيًّا لمنع التواصل بين الأهل مع بعضهم البعض أو لمنع إيصال المواد التّموينيّة للأهالي، عملية تجويع جماعيّة، من ناحية ومنع المُقاومين من الحركة بحُرّيّة في المدينة بعد أن أبلغت حكومة بريطانيا قوات الهجناة برغبتها في تسليمهم حيفا بينما لم يعرف العرب بهذه الخطّة، حيث قامت المعارك على ثلاثة محاور، الأوّل في وادي روشميا ومنطقة الحلّيصة حيث يُذكر أنّ مبنى لجنة الأقاليم العربية الشّرقيّة، بيت النّجادة صَمَدَ صُمُودًا أسطوريًّا، والفرقة الثّانية هبطت من منطقة الهدار الى الاحياء العربية المُتاخمة والقريبة منه، والفرقة الثّالثة تقتحم الحيّ التّجاري الملاصق للميناء والبلدة التّحتى، حيث تلتقي الفرقتان الثّانية والثّالثة لتكملة وإقفال الطّوق واحتلال حيفا وهنا أيضًا لا بُدّ من ذكر صمود واسْتِبْسَال المقاتلين حتى الشّهادة في مبنى آل الخوري في شارع الخوري رقم واحد حيث تقوم على أنقاضه اليوم عمارة المبنى الزّجاجي (الشّيكم).

 

وهكذا كانت حيفا مطوّقة بإحكام تامّ مع منفذ واحد للميناء حيث كانت قوّات الهجناة تحُثّهم عبر مكبّرات الصّوت على الاستسلام والرّحيل عبر المنفذ الواحد والوحيد هو الميناء حيث انتظرتهم السّفن الأجنبية لنقلهم إلى شاطئ عكا أو عبر الشّاحنات حيث يُذْكر أنّ "شهامة الملك عبد الله الأوّل ومروءته" بانت حين أرسل شاحناته لنقل السّكان، اللاجئين من ديارهم، إلى شّمال وشّرق البلاد ومن هناك إلى مخيّمات اللجوء في لبنان وسوريا والاردن.

 

ويذكر برهوم في مذكّراته موقف الشّيوعيين:
قام الرّفاق توفيق طوبي وطيّبا الذّكر الشّاعر عصام العبّاسي ويوسف عبده بكتابة منشور باسم "عصبة التّحرّر الوطني" في نادي "إميل توما" اليوم والّذي كان مقرًّا للعُصبة في درج الموارنة، يدعون فيه السّكّان إلى عدم الرّحيل وترك البلد، حيث وزّعوه في كلّ مناطق حيفا العربيّة حتّى الميناء، وقام بعض الرّفاق بنقل المنشور تحت النّار إلى عكّا والنّاصرة، لتوزيعِهِ. ويروي الرّفيق أبو الياس توفيق طوبي في كتاب "جذور من الشّجرة دائمة الخضرة" أنّه طُلِبَ من العرب ألانتقال من أماكن سكناهم والتّوجه للتّمركز في وادي النّسناس وفي حيّ عبّاس، "وينقل توم سيغيف هذا الحدث عن بروتوكول الجلسة المحفوظ في أرشيف الجيش الإسرائيلي ويُشير إلى ردّ توفيق طوبي الرّافِض لعملية التّجميع واصِفًا هذا السّلوك بأنّه بمثابة غيتو للعرب وبأنّها خطوة عنصريّة مرفوضة" ومع ذلك فقد جرت العمليّة بأوامر وإشراف الجيش. وجملة أخرى قالها الرفيق أبو الياس لرفاقه وأهله "سأبقى هنا لرعاية الجمرة والعمل على عودتكم مع أهلنا الى حيفا".

 

وكيف ننسى وقوف رفاقنا الشّيوعيين إلى جانب أهلنا حيث يذكرهم برهوم في يوميّاته:
يتذكّر برهوم عمل الشّيوعيين العرب واليهود في حيفا لمنع النّزوح أو لإعادة من نزح أو تحرير بيوت النّازحين بعد عودتهم إلى حيفا، ففي حادثة يذكُرُها أنّ الرّفاق اليهود تلقّوا خبرًا من طيّبة الذّكر بنينة فاينهاوز مفاده أنّه هناك شِلّة من الجيش تحتلّ بيتًا في شارع عبّاس، فصعدت إلى تلك المنطقة ثلّة من الرّفاق كان من بينهم الرّفيق بنيامين غونين، وبعد نقاش وتداول وحتّى صدام، قيل للرّفاق ما لكم وللعرب، فكان الجواب: جئنا لنُرجِعهم بيوتهم ونُرجِع لهم بيوتهم. فاتّصلْتُ بالرّفيق بنيامين الّذي روى لي حادة مماثلة، بعد أن صادق على حادثة عبّاس، أنّه ورد نبأ تجميع بعض من سُكّان حيفا العرب في منطقة جبل الكرمل، قبل الجامعة اليوم (دينيا) لرميِهِم بالرّصاص، لكنّ قدوم الرّفاق ومن بينهم بنيامين غونين السّريع لتلك المنطقة ساعة وصولِهم الخبر حال دون قيام المجزرة.

 

ويقول برهوم في يوميّاته على لسان أخيه أبي عائدة:
رأى أبو عايدة تهجير سكّان حيفا العرب عن طريق الميناء بآلافهم ورأى كيف يُسهّل لهم رجال الأمن البريطاني المرور عبر نقطة الحدود البحرية، فاتحين أبواب الميناء للنّازحين العرب من جهة محطّة الكرمل وشرق حيفا وجنوب المدينة ليلتجِئوا إلى ساحات الميناء والانتظار للبواخر البريطانيّة الّتي انتظمت بإيعاز من الإنكليز وتحت حراستهم ورقابتهم لنقْلِهِم بحرًا إلى مدينة عكّا، أو برًّا بسيّارات انكليزية أو صهيونيّة إلى الحدود اللبنانيّة وبدون مُقابل، المهم النّزوح عن حيفا وتطهيرها من العِرْق العربي، والتّأكد من أنّهم قد انتقلوا إلى هناك حسب المُخطّط. لقد تجنّد الانجليز والعصابات الصّهيونيّة لنقلهم باتّجاهٍ واحدٍ فقط، فيذكر محامي الأرض والعِرض حنّا نقّارة أبو طوني أنّه حين أراد العودة بحرًا إلى حيفا وجد رفضًا قاطِعًا من رُبّان البواخر العسكريّة الإنكليزيّة ومنعته وعائلته بصفاقةٍ شديدة من العودة إلى بيته، لكنّه عرف كيف يعود ليكون الخادم القضائي لشعبه في وطنه.

 

تآمروا وتآمروا وما زالوا..

كانت المؤامرة كبيرة، لكنّ الأمل أكبر ونرى تحقيقه قريبًا قريبًا مهما بعُدَ..
كيف أنسى هذا التّاريخ يا حيفاي وكيف ننساه يا حيفانا وكيف لا نسرد هذا التاريخ على أبنائنا لنستردّ ما لنا ونعرف ما علينا.
وإن نسيتُكِ أو نسيتُ أهلي في اللجوء لينساني لساني وزماني ومكاني ووجداني.
فحقّهم في عودتهم إلى ديارهم ومسقط رأسهم لا جدال فيه ولا مساومة عليه.
سيذكركِ أهلك يا حيفا، سيذكرُ أهلك السّاكنين فيكِ أهلَهُم في الشّتات كما ستذْكُرُ الأحياء والبيوت وبساتين الياسمين في حيفا أهلَها الّذين طُرِدوا وشُرِّدوا وسيذكُرُك المُشَرَّدون مهما طال البُعاد، سيذكركِ كُلّما قبّلت ولاطفَت أمواجُ بحركِ ساحلكِ أو أشرقت شمسُكِ أو كلّما طلع البدرُ، بدرُكِ، علينا. سيذكركِ أهلُكِ إلى أن ينام القمر. ولا أحد يشفع للعروس غير عريسها.

ولا بُدّ من  النّضال ضدّ الظّلم والاضطهاد بُكُرةً وأصيلاً.
ولا بُدّ من إرجاع الطّيور إلى أعشاشها مهما طال الزّمن.

د. خالد تركي
الجمعة 25/4/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع